ألفت الدبعي.. العلاقة الملتبسة! بقلم| عبدالرحمن بجاش
بقلم| عبدالرحمن بجاش
مع ترداد الشعارات إياها؛ أن الجميع مع المرأة، مع المساواة، مع إعطائها حقوقها، مع مع مع…، في لحظة ينكشف كل المستور كما انكشفت يومًا عندما طلبت مني زميلة عزيزة الزواج، فقلت على الفور: “أنا مقدرش أكون أدخل وزارة الإعلام سويًّا أمام الآخرين”، قالت: “مش أنت تكتب عن المساواة وعن إشراك المرأة وصدعت رؤوسنا، كيف؟”، قلت على الفور: “أكذب مثلما يكذب الآخرون”، صفعتني بكلمة قاسية وذهبت، كان ذلك في بداية الثمانينيات.
عندما تقرأ برامج الأحزاب، وفي باب المرأة تحديدًا، يخيل إليك أنك في أستراليا أو فرنسا أو أو …، وفي الواقع تجد الأمور مغايرة تمامًا، إذ تكتشف أن معظم من كتبوا البرامج يخجلون من مجرد ذكر أسماء أمهاتهم! شخصيًّا لم أعد ذلك الذي كنته في الثمانينيات، والدليل علاقتي بابنتي، وهو أمر يطول شرحه، لكنني نضجت في أمر العلاقة الملتبسة أساسًا بين الرجل والمرأة في هذه البلاد؛ لأنه وتراكم التجربة يتبين أن المرأة أيضًا لا تدري ما تريد في هذا الواقع الملتبس فيه حتى نظرة الرجل إلى ما حوله، فالذين كانوا ينادون بحرية المرأة، أصبحوا بعد أن دخلوا المساجد كالسجّانين في البيوت! وتحول كثيرون إلى جزء من القطيع الذي يمثله خير تمثيل ذلك الذي كتب اسم زوجته في جهازه السيار: “جزمتي”، وذلك الخائف من زوجته، فكتب اسم صديقته “حاكم …”.
على أن الأحزاب الدينية، وهي التي تسعى إلى دولة دينية، كلما مر الوقت ابتعدت عن روح العصر بحجم الردة التي استولت على مجتمعاتنا! والغريب المضحك أن دولة كالسعودية عاد فقهاؤها وحللوا وحرموا، تعود دول عربية، ونحن منها، تدريجيًّا إلى أيام الخدور والهودج الحامل عروسة السلطان!
هالني ما تابعته من ردة فعل، وهي ردة تجاه ما قالته امرأة يعرف القاصي والداني أنها أشجع وأكثر تدينًا وثقافة من كثيرين من حملة اللحى التي كلما طالت قصرت النظرة حتى إلى ما هو أرفع من الركبتين! فقهاء يتبعهم شباب مشغولون بـ”الوعاء”، المرأة فقط عورة، أو وعاء، أو وزارة الداخلية أو السامان، أما “ينزلوا من سلطان العاهات”!
د.ألفت الدبعي، عضو الحوار الوطني، المستنيرة، القادرة على التفكير، المنفتحة بفَهم، القارئة للواقع بوعي بعيدًا عن الشعارات، قالت إنها مع الفن والجمال، فقامت قيامة من يتحدثون ليل نهار عن الدولة المدنية، بينما هم غير قادرين على تقصير لحاهم! وللأسف لم يستفيدوا من تجربة مصر، ولا تونس، بل زادوا تمسكًا بالتمكين والاستحواذ، وليذهب الآخرون تحت سنابك الخيل!
نحن نعيش أزمة غياب رؤية واضحة تخرج بهذه البلاد إلى حيث النور، والدليل: أن لا حزب لديه رؤية يناضل من أجلها، هي تلك البرامج العتيقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبالمقابل تعيش أزمة قيم تجعلها لا تفرق بين حرفين.
إذا أردنا أن نخرج من هذه المعمعة فلتلغى كل الأحزاب، لنتحول إلى غنم أو أي شيء حتى يقيض الله لنا من يخرجنا من رحلة التيه إلى حيث اليقين. عشنا كذبة كبرى اسمها “الديمقراطية”؛ بينما نحن نعيش بعيدًا عن العصر.
الأحزاب الدينية إذا أرادت، وهي المسيطرة على عقول البسطاء، عليها أن تعيد القراءة ولا تحمل الدين أوزارها، وما نراه من اعتذارات لمن حرموا وعادوا يحللون، أن البخاري ظل يتحكم فينا ويحكمنا، وفي لحظة مسح كل ما قاله، واليوم يحتفلون بالكريسماس في شوارع المملكة!
مشكلتنا في الشعارات التي قتلت هذا الواقع والتي هبت من كل ناحية، ولكن بدلًا من أن يحدثوك عن المستقبل، هناك من يعيدك إلى زمن العدم مقدمًا حسابًا يقارن بينه وبين الجمهورية “الملعونة”، ما يعني أن علينا أن ننتظر حتى يتم تصفية الحساب، وبعدها نرى أين وصل العالم.
جملة لم يتحملها هؤلاء؛ فكيف يتحدثون عن حرية التعبير والرأي والرأي الآخر!
أن تستقيل من حزب الإصلاح فهي المستفيدة وهو الخسران؛ لأنه كشف عمليًّا عجزه عن إنتاج فكر جديد مرتبط بالتغيير بدولة المواطنة المتساوية.
وبمعنى أشمل، باستقالتها أدانت لكل الأحزاب عجزها عن إضافة شيء ذي بال إلى معترك الحياة السياسية، فما زال كغيره يلوك نفس جمل الأربعينيات والخمسينيات. ويؤكد عجزه كالآخرين نتيجة سيطرة العقلية الجامدة على مقدراته وطريقة تفكيره، وبقاء الأحزاب الأخرى حبيسة شعارات عفا الله عنها وعن زمنها. استقالتها إدانة للنخب العاجزة عن التقدم خطوة إلى الأمام؛ يمينها ويسارها وقومييها.
نحن نعاني من أزمة غياب رؤية ومشروع، بحسب خيوط.