مقالات

تبدلات الزي السياسي في اليمن.. اكتب في غوغل “صور هاني بن بريك” لتكتشف أكبر سوق للزي الإماراتي بقلم| عيسى راشد

بقلم| عيسى راشد

أعادت صورة حديثة جمعت رئيس البرلمان اليمني سلطان ونائب رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” هاني بن بريك، الزي السياسي في اليمن أو ما يعرف برداء الدولة، إلى واجهات المشهد الرسمي، وما كان شهده العام 2004 من جدل حاد بين السلطة والمعارضة، حول زي الرئيس علي صالح في قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى. وظهر البركاني الأمين العام المساعد لحزب “المؤتمر الشعبي العام” بثوب أبيض سادة (الدشداشة السعودية) الذي يختلف عن الثوب اليمني بكونه أوسع لكنه أقصر، وبجيبين جانبيين مخفيين.

وتزيأ بن بريك بنطلوناً أسود فاتحاً، يظهر عليه محص الكواء، وقميصاً أخضر مقلماً بخطوط سوداء، على غير ما جرى عليه ولعه بإرتداء الزي الإماراتي التقليدي، واستعراضه له بافتتان وساق ملتفة، في أغلب تمثيلاته الخارجية والداخلية للمجلس الانتقالي الممول إماراتياً، كما ما زالت بروفايلات حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بمشلح “البشت” الذي خلعه الإماراتيون عن زيهم التقليدي منذ زمن.

وبين بنطلون بن بريك، وهو أبرز رموز السلفية الوهابية في اليمن، وثوب البركاني، خرج الزي السياسي ورداء الدولة اليمنية من دولاب النسيان المغلق، منذ ما بعد العام 2004 إلى الجدل السياسي، وإن جرى هذه المرة بشكل أقل صخباً على المستوى العام.

أما على المستوى الشخصي، فقد جرى جدل خرج عن سياقه بين زميلين صحافيين، أحدهما في حزب التجمع اليمني للإصلاح ( إسلام سياسي ) والآخر في الحزب الاشتراكي اليمني (يساري): فضمن قراءته للمشهد السياسي اليمني وتبدلاته من خلال سيميولوجيا (علم العلامات) البنطلون البريكي (نسبة إلى بن بريك ) والثوب البركاني ، أستومأ الصحافي الإصلاحي تحالفاً بين المؤتمر والانتقالي ضد حزبه، ذاهباً في تحليلاته السيميائية لما وراء الثوب والبنطلون، إلى تحالف تطبيعي بين الانتقالي والمؤتمر من جهة، والكيان الصهيوني برعاية إماراتية، خاصة مع تصريح بن بريك عن استعداد الانتقالي للتطبيع وحنينه الشخصي لزيارة إسرائيل. ناقضه الرأي الصحافي الاشتراكي الذي يرى في الزي السياسي لهاني بن بريك أو رداء الدولة لرئيس البرلمان البركاني تبدلاً مناخياً طقسياً في صيف الرياض الحار، حيث جرى لقاء الثوب والبنطلون، وأن الزي ليس وحدة دالة على أغوار السياسة وكواليس مشهدها المرئي. وهو عارض بشدة فكرة الاسترماز السيميائي ببنطلون بن بريك إلى ما هو حسب اصطلاحه السلفية السوداء ذات البنطلون – لكنه أطول – أو “السلفية الحاخامية الجديدة” ماركة UAE .

ثوب السلطة / بنطلون المعارضة
منتصف العام 2004 ظهر الرئيس علي عبد الله صالح في قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى بجوار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وعدد من الزعماء، مرتديا الزي الشعبي اليمني (ثوب وكوت وجنبية) وشالاً معصوباً على الرأس.

لم يكن قد مضى أكثر من شهرين على منع سلطاته تداول مخرجات ندوة ثقافية موسعة في صنعاء أدارتها نخب يسارية، حول دلالات ورموز الزي السياسي ورداء الدولة على المستوى المحلي والمراحل السياسية المتقلبة ما بين 1948 – 2004.

وهناك في منتجع آيسلاند من ولاية جورجيا الأمريكية حصلت النخب اليسارية على الصاعَيْن الضائعين للرد على قرار منع السلطات تداول ندوة الزي ومخرجاتها إعلامياً.

كان قد مضى حولٌ على تأسيس تكتل “اللقاء المشترك” المعارض (شباط/ فبراير 2003) ضاماً إلى التجمع اليمني للإصلاح خمسة أحزاب بينها الحزب الاشتراكي اليمني، وكوكتيلاً من أحزاب يسارية وقومية وقبلية، يعيش اليوم ذروة التنافر السياسي .

وبفضل من زي الرئيس التقليدي خلعت أحزاب المعارضة أزياء الندوة الممنوعة عن النشر على “مانيكانات” الشارع العام، ونشرت ثوب علي عبد الله صالح على حبل غسيل من صنعاء إلى واشنطن، بعد أن محصته تصبيناً وكواء على مشاجب الهواء الطلق و”فيترينات” البازار العالمي المفتوح للزي السياسي اليمني.

اعتبرت أحزاب المعارضة زي الرئيس انفصالياً، فهو رداء الشطر الشمالي قبل الوحدة الاندماجية العام 1990 ولا يرتديه أبناء الجنوب، وأنه انتهاك صارخ للدستور والنظام والقانون بعد تشريع البرلمان قرار إرتداء البذلة الافرنجية في اللقاءات الرسمية والتمثيل السياسي والدبلوماسي لليمن والوظائف العامة.

أمَا وأن المخالفة حدثت في قعر ديار الأفرنج ومعقل البنطلون و”الكرافات”، فقد هرعت المعارضة الى تقطيع آراب زي الرئيس، بمقص أصغر من مقص الرقيب لكنه أقطع، وكان هذا أحد أهم التبدلات السياسية بين السلطة والمعارضة.

“احلوّت الحرب”. فتشت المعارضة دولاب رداء الدولة والزي السياسي ووجدت تصريحاً لصالح عقب حادثة مدمرة “كول” الأمريكية في المياه اليمنية العام 2000، حين رد على التهديدات الأمريكية بقدرته على استنفار مليون مقاتل “لا يلبسون البنطلونات”. وقالت المعارضة آنذاك إن حديثه جاء في سياق السخرية من أبناء الجنوب الذين يرتدون البنطلون.

إعلام السلطة، بشقيه، الرسمي التابع للدولة والحزبي التابع للمؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم، والممول بترف، راح بغبائه الفطري يبسط ثوب الرئيس كلما عطفته الريح، مانحاً المعارضة تفصيلة جديدة من طيات الثوب أو خيطاً منسياً فات عن أعين المعارضة ومقصها المشحوذ.

وما زلت أتذكر مقالاً مسهباً لكاتب عربي، على صدر صحيفة يمنية رسمية، يكاتبها مقالاً كل شهر، ويتقاضى من دار الرئاسة راتباً شهرياً وقدره عشرة آلاف دولار أمريكي، في حين كنت أكتب للصحيفة ذاتها مقالاً كل ثلاثة أيام، ولا أعرف شيئا اسمه بدل إنتاج فكري أو مكافأة كتابة. ولقد أطنب الرجل في وصف صندل الرئيس صالح، المفتوح ذو أصبع ، وجلده الإيطالي الأسود، واتساقه الأنيق مع زيه الشعبي في منتجع آيسلاند، وكيف أن إرتداء الصندل المفتوح المصبّع مع الثوب يدل على عبقرية الأناقة لدى الرئيس اليمني، لأن الجزمة المغلقة – حسب تحليله الأزيائي – تتناسب مع البنطلون وتشوه المظهر حال إرتدائها مع الثوب.

وما إن عاد صالح من قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى، بدأت أولى حروب صعدة الست، بين الجيش الحكومي والحوثيين، وفسر الحوثيون إرتداء صالح الزي الشعبي في قمة اقتصادية، بأنه كان لمغزى سياسي إعلامي، بهدف لفت أنظار العالم وكسب تأييد أمريكا في “حربه على الحوثيين”.

ثوب 2004/ بنطلون 2020
“من القبعة إلى القلنسوة، ينتقل المدلول إلى آخر” وفقاً للفيلسوف الفرنسي رولان بارت الذي يرى أن المعنى يكمن في ما نلبسه.

وبمقارنة بسيطة بين جدلية الزي السياسي (ثوب صالح / بنطلون المعارضة 2004) وجدلية ثوب البركاني /بنطلون بن بريك 2020، يظهر لنا حجم التبدلات السياسية العاصفة التي سادت اليمن خلال هذه الفترة. غير أن هذه التبدلات تفرض على سياقها السيميائي ضرورة استحضار بنطلون مهم من دولاب الزي السياسي خارج هذا السياق الزمني وقبله. ففي 28 كانون الاول/ ديسمبر 2002 أطلق إرهابي رصاصتين على صدر الأمين العام للحزب الاشتراكي جار الله عمر، في جريمة اغتيال جرت علناً أمام عدسات البث المباشر لفعاليات المؤتمر العام الثالث ل”حزب الإصلاح”. وكان المفكر اليساري المتضرج بدمه يرتدي بذلة رسمية (بنطلون) وكان لا بد – بين الرصاصتين – أن يكون القاتل بثوب الدشداشة.

ثوب 2004/ بنطلون 2020
لم يكن دم جار الله عمر قد جف على بنطلونه، حين اتهم إعلام علي صالح حزب الإصلاح بالوقوف وراء الإغتيال، ناشراً على حبل غسيله فتوى قديمة قال إنها لعبد الوهاب الديلمي (قيادي “إصلاحي”) إبّان حرب صيف 1994. يتضمن التسجيل الصوتي المنسوب للديلمي أثناء شغله منصباً رسمياً، وزيراً للعدل، في مرحلة تحالف الإصلاح والمؤتمر حكومياً منتصف التسعينات، فتوى بالحرب على الجنوب، بعد إعلان الاشتراكي بقيادة علي سالم البيض فك الارتباط عن الوحدة.

ووصفت الفتوى جماعة البيض الانفصاليين بالمرتدّين، وقد نفى الديلمي (عضو هيئة علماء المسلمين) أكثر من مرة أن يكون ذلك صوته، متهماً متهميه بتزوير صوته وتقليده.

وذهب الحزب الحاكم إلى أقصى نقطة من فجور الخصومة في أنه ما كان ليرغب بحرب صيف 1994، وكان يفضل الحل السياسي للأزمة مع شريكه في الوحدة اليمنية 1990 علي سالم البيض، وأنه لولا فتوى الديلمي التي جعلت من الحرب على الجنوب جهاداً وواجباً دينياً لما كانت الحرب.

كما تداولت وسائل إعلام صالح صورة لقاتل جار الله عمر، وهو بالثوب والجنبية وغترة معصوبة على رأسه، كتلك التي يرتديها طلاب جامعة الإيمان، في تدعيم لأصابع اتهاماتها الموجهة ضد الإصلاح، وبأن القاتل من طلاب جامعة الإيمان التي أدارها الشيخ الديلمي لفترة طويلة.

وكان قد فات على صالح أن عملية تبييض ثوبه من دماء حرب الجنوب لا يمكن أن تكون بدمٍ اشتراكي جديد، وأن الغترة المعصوبة على رأسه في منتجع آيسلاند بعد عام ونصف من الاغتيال قد لا تختلف كثيراًعن غترة جامعة الإيمان.

وفي رمضان الماضي، الموافق آيار/ مايو 2020، أصدر الشيخ السلفي هاني بن بريك، وهو من مواليد عدن جنوبي اليمن، وخريج مركز دار الحديث السلفي في دماج، محافظة صعدة، شمالي اليمن، فتوى تكفيرية ضد الإصلاح، على حسابه في تويتر، جاء فيها: “أفتيت كل جنوبي في جبهات القتال بأن له الفطر يشرب ويأكل، وله الأجر وعليه القضاء بعدها. وأفتيت أن كل إخونجي وذيله من قاعدي وداعشي وغيرهم من المرتزقة المشاركين في العدوان على الجنوب دمهم دم حنش إلا المستسلم، والمقتول منهم إلى جهنم، والمقتول منا مدافع عن وطنه وعرضه وبيته وماله، فهو شهيد”. مضيفاً في تغريدة تالية: “…وسأفتي ترامب وبوتين والعالم كله أنكم ضد البشرية ولا تمثلون الإسلام أبداً”.

وقياساً على هذه الفتوى، لا تعدو الفتوى المنسوبة للشيخ الإصلاحي عبد الوهاب الديلمي 1994 بنصها العائم، عن كونها “حديثاً ضعيفاً” بأنواع الضعف السبعة.

كوفية البركاني/ جنبية الشيخ زايد 1986
منتصف حزيران/ يونيو الماضي 2020 ظهر الشيخ سلطان البركاني في قصر البحر بأبوظبي، في أول زيارة رسمية له خارج اليمن، بعد انتخابه رئيسا للبرلمان اليمني في نيسان/أبريل 2019.

كانت الإمارات قد منعت انعقاد جلسة البرلمان في العاصمة المؤقتة عدن، المخصصة لتشريع منصب البركاني، بعد التوافق عليه سياسياً، وانعقدت الجلسة في سيؤون شرقي اليمن .

بدا الزي السياسي اعتيادياً لا يتطلب تشريحاً تأويلياً: يرتدي البركاني بذلة بروتوكولية (إفرنجية)، وحاكم الإمارات محمد بن زايد زي بلده التقليدي الذي صار رسمياً ومنفصلاً عن الزي الخليجي بسمات تفصيلية خاصة في الثوب والغترة والعقال. ولم يكن الغرض من الزيارة غامضاً في قصر البحر.

البركاني على رأس حزب المؤتمر – تيار الرئيس عبد ربه منصور هادي، هو من أوائل القيادات المؤتمرية التي أعلنت تأييدها مبكراً لعاصفة الحزم آذار/ مارس 2015. لكن اللقاء الذي جمع بين الثوب والبنطلون ( البركاني – بن بريك ) في العاصمة السعودية الرياض تمّ أثناء سفر الرئيس إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، ما أحال سيمولوجياً إلى تبدل سياسي في موقف البركاني من الرئيس.

وبينما عاصفة الحزم في أشهر هبوبها الأولى، أدرك البركاني أن دور السعودية في التحالف العربي العسكري الذي تقوده في اليمن هو نفسه دور “المروحيّة”. والمروحية في التقليد الشعبي الذي ما زال قائماً في أرياف يمنية هي عجوز أرمل ترافق العروس، وتبيت عندها ليلة الدخلة من باب المؤانسة، ويحدث أن تتخلى عن مهمة حراسة العروس منتصف الليل، إذا كان العريس كريم اليد أو الباءة.

وبعد أشهر من العصف الذهني ومنع الإمارات جلسة انتخابه في عدن، إذا بالبركاني يعثر في دولاب أفكاره على اللحظة التي صرخ فيها أرخميدس. فها هو بكوفيته الزنجبارية، يصافح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أثناء زيارته اليمن في كانون الأول/ ديسمبر 1986 لافتتاح سد مأرب الذي أعيد بناؤه على نفقته الخاصة.

انفرج مشفرا بن زايد عن ابتسامة مشدوقة وهو يمسك بالهدية التذكارية كطفل عاد إليه أبوه بعد غيبة طويلة.

كان الشيخ زايد في الصورة بزيه الإماراتي التقليدي متمنطقاً جنبية (الخنجر) في مأرب (وسط اليمن)، وما زال هو الأوضح من بين كل المحتشدين حوله في الصورة التي تنحدر من عصر الفوتوغرافيا الملونة الباهتة وحائلة اللون.

ولا يزال اليمنيون يتذكرون الشيخ زايد بحب وحنين، على الرغم من عبث ابنه باليمن. فهو لطالما حرص في تصريحاته على تأكيد أصوله اليمنية، وانحدار أرومته العربية من قبيلة مأربية. وأن أبناء مأرب لا ينسون حتى نسمات الهواء التي كانت تداعب شماغه على ضفة السد العظيم.

أما أرخميدس اليمني فقد نسي تحت كوفيته أن الصورة الفوتوغرافية هي ماحدث، ولن يحدث أبداً، وأن الشيخ زايد هو كل ما لا يتكرر إماراتياً.

تشخيصة السروال والعقال
اكتب في غوغل “صور هاني بن بريك” لتكتشف أكبر بازار للزي الإماراتي التقليدي على مانيكان واحد. ولم يخلع بن بريك زيه الأثيري حتى وهو يصدر فتواه التكفيرية الإرهابية بإباحة دم الشماليين والإصلاحيين والجيش الوطني ويستعرض اعتداده الشخصي ( الفتوى – التغريدة رقم 2) ببلوغه مرتبة “الفتيا” والعلم اللدني بضوابطها، وحصوله على الإجازات العلمية من كبار العلماء ومشائخه السلفيين بعد ثلاثين سنة من طلبه العلم.

بيد أن فضيلة الشيخ المفتي نسي العقال على رأسه، في مخالفة صريحة لمشائخه وعلمائه الذين تفاخر بتلقيه العلم عنهم، ومعروف أن علماء الوهابية السلفية في السعودية واليمن لايرتدون العقال البتة، وأن ما يعرف بـ”سروال السنة ” أو بنطلون الرسول الذي يرتديه علماؤه، ويفتون بوجوب لبسه تحت الثوب ويكون أبيض، وأطول من الثوب ، قد خلعه بن بريك منذ ارتدى المشلح الإماراتي.

وعلى غرار الصورة التي أهداها البركاني إلى محمد بن زايد، أهدى بن بريك أبناء الجنوب صورة سلفي مع رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، وهما يستعرضان الزي الإماراتي من أبو ظبي، ما أثار غضب أبناء الجنوب الذين اتهموهما بالتخلي عن الهوية وأنهما يمثلان الإمارات ولا يمثلان الجنوب.

وحين انفجر الوضع عسكرياً في عدن ومحافظات جنوبية، تذكر الجنوبيون أن صورة بن بريك أُلتقطت في معرض “آيدكس ونافدكس” للأسلحة 2019.
السفير العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى