الخروج الأكبر.. بدون رشوة ولا وعيد! بقلم| عبدالرحمن بجاش
بقلم| عبدالرحمن بجاش
قال نجلي الأصغر: خرجت مع أصحابي نتعشى في حدة، وفجأة كما لو هبت عاصفة بدون مقدمات، امتلأ الشارع فجأة بالسيارات والدراجات، فحوصرت سيارتنا، واضطرينا للنزول، ومشينا راجلين حتى وصلنا إلى مقصدنا، لكن الصورة القادمة من ميدان السبعين أدارت رؤوسنا “متى خرجوا؟”، اتصلت كما قال لجارنا: كيف؟ فاجأني بالقول إن الشوارع تغص بالناس.
أنا لن أخفيكم بعد أن تسلمت رسالة صديقي وجاري د. نبيل: “عمري ما شاهدت كرة، لكنني فتحت وظللت أتابع حتى أتى الهدف السعودي، أدركت أنني أتابع، لأن دمعة تدحرجت على خدي غصبًا عني”.
تركت مكاني أمام التلفزيون في الحجرة، حيث كنت أشاهد وحيدًا وعدت إلى زاويتي، شعرت أنني مخنوق بعد هدف التعادل وفي الوقت الذي ما بعده وقت! فتحت جهازي الـTab لأشقر، لعل وعسى، على اللاعب السعودي الذي أضاعها، واندفاع اللاعبين فرحًا والجمهور، بكيت، هنا يكون الوطن على المحك، وهنا في لحظة إجماع تاريخية، إجماع أتى بالشعور العام الوطني وليس بالترغيب والترهيب وصرف الأموال “حياكم الله، اصرفوا من المال العام ليحتفل الناس غصبًا”، هنا شيء آخر، لحظات دوى الرصاص من حول البيت، وصوت قوي هو لرشاش الطقم حول محافظة صنعاء، رغم كراهيتي الرصاص والسلاح إلا إذا استخدما في قضية إجماع وطني، فقد قلت لا بأس، لكن وضحايا الراجع كيف؟
فرحة خنقتها الرصاصة، لكنها فرحة شعب بدون أوامر ومذكرات وإغراءات. وشعبي العزيز، لحظات عزيزة انتصر فيها الأقدام المحترمة للوطن اليمني الذي ردد النشيد الوطني من المهرة حتى صعدة وتوزع العلم الجمهوري في كل مكان، حتى الأطفال حملوه. استفتاء عارم لشعب ينتمي للوطن في لحظة إجماع وطني رغمًا عن كل المشاريع الصغيرة، إجماع سايره أصحاب المشاريع الضيقة؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا الناس إلى بيوتهم، فسايروه وأيديهم على قلوبهم وجلين!
الرسائل تنهال عليّ من أمريكا، بريطانيا، تعز، القرية، عدن. فاض الجهاز بها، وأنا بدأت أكتب عمودي بعنوان “والآن الانتصار لمن؟” أنجزته خلال عشرين دقيقة، وعدت للرد على الرسائل، قلت يومها الانتصار للشعب.
غصة الكثيرين مشكلة الراجع، حسب الصحة “105” مصاب، والمشكلة هنا السلاح وحمل السلاح.
أعرف أننا نمر بلحظة غير عادية؛ حيث الكل يحمل السلاح، نتائج حملهم للرشاشات من كل نوع، صغارنا وكبارنا، سيكون له نتائجه الوخيمة إذا ما جاءت دولة، وأنا أشك في هذا؛ لأن الإقليم وقوى الداخل بالنخب التعيسة لا يريدونه؛ لكيلا يضمحل نفوذهم، ولذلك ظل قانون حمل وتنظيم حيازة السلاح في درج الشيخ بمجلس النواب سنين طوالًا، حرص على ألا يرى النور، لكيلا يجد نفسه حسب ما ظن بلا نفوذ وسطوة وهيمنة.
كتب زميلي ياسين المسعودي ذات مرة، يوميات عنونها بـ”داعية السلاح”، كان يومها الشيخ الزنداني بمبالغاته وتحريضه المعروفين يلف على المعسكرات محرّضًا ضد الحزب الاشتراكي “الشيوعيين”، هكذا كما كان يسميهم، وفي الوقت نفسه، يدعو إلى الشعب المسلح أسوة بأمريكا! وفيها حسب القانون، يحق دستوريًّا للناس شراء السلاح الشخصي غير المدافع، لكن كل قطعة تأخذ رقمًا.
في عمان، السلطنة التي تحكمها دولة، يحمل المواطن سلاحه في الريف وتسجل كل قطعة ويظهر عليها رقمها؛ أما في المدن فمحرم بحكم القانون. الآن هنا في ظل حكومة صنعاء، وطالما يجري تعديل حتى المناهج، لماذا لا يقونن حمل السلاح؟! ويمنع حمله بتاتًا في المدن حتى نحس أننا ننتمي إلى العالم من حولنا.
في ذهني كلما رأيت وتذكرت السلاح، تلك اللقطة المعبرة لطفل ذاهب إلى المدرسة يحمل كتبه، وآخر يحمل بندقيته مرافقًا لأبيه، لكنه ينظر بحسرة إلى حامل الكتب، وهو يعبر عن أن المسألة الملحة مستقبلًا هي حمل الكتاب، ويترك السلاح للدولة، المخولة قانونًا بإطلاق النار، وفقًا للقانون. عن خيوط.