لماذا يمنع الاختلاط في الجامعة؟! بقلم| سامية الأغبري
بقلم| سامية الأغبري
بدأت الجهات القيادية في جامعة صنعاء بإصدار التوجيهات والتعليمات للملتقيات الطلابية في مختلف كليات الجامعة، بمنع الاختلاط بين الطلاب والطالبات في ساحات الكليات، وتحذير وتهديد من يجتمع مع زميلاته سواء للحديث العام أو في حالة مناقشة موضوعات علمية في مجال تخصصهم.
وقد أدى تخوف الطلاب والطالبات من معاقبتهم علميًا، وذلك بالتركيز عليهم كخارجين عن الدين والملة والعادات والتقاليد اليمنية -حسبما يرون- إلى تطور عمليات المنع للاختلاط العلمي بمنع الطلاب والطالبات من إعداد البحوث والتكاليف النظرية والميدانية الجماعية بشكل مشترك، وتم إلزام الطلاب بعمل مجموعات بحثية جماعية منفصلة تمامًا عن الطالبات، لدرجة أنه بدأ عمل كشوفات منفصلة للحضور والغياب؛ كشوفات بأسماء الطلاب، وأخرى بأسماء الطالبات، حتى يمهدوا لفصلهم تمامًا في أمور عديدة، وكأن اختلاط أسمائهم في الكشوفات سيؤدي إلى ارتكابهم الرذائل، مع أنها مجرد كشوفات بأسماء لطلاب وطالبات مازالوا يدرسون في فصول مختلطة وبجامعة مشتركة.
وعندما يحاول أي دكتور أو دكتورة التوضيح للجهة المعنية بأن البحوث الجماعية ينبغي أن تكون بين الطلاب والطالبات الذين ينسجمون مع بعضهم البعض، ويكملون بعضهم من الناحية العلمية، وأن البحث أو مشروع التخرج يستلزم ذلك، يرفض مناقشة الموضوع من أساسه.
كما تم منع الطلاب والطالبات من الاختلاط العلمي في المجال التطبيقي سواء في الاستديوهات أو المعامل أو الأماكن المخصصة للتطبيق العملي داخل أسوار الجامعة أو خارجها، بما في ذلك الرحلات العلمية أو الترفيهية المختلطة إن وجدت، ولو كانت تحت إشراف أساتذتهم.
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل تطور بصورة مؤسفة، حيث جاءت التعليمات من الملتقيات الطلابية بناء على توجيهات عليا من قيادة الجامعة، بمنع الطلاب والطالبات من الاشتراك مع بعضهم البعض في مشاريع التخرج، حتى وإن كان هناك ضرورة ملحة لذلك، فيمكن للطالبات الاستعانة بشباب من خارج الكلية، بينما لا يحق لهن رسميًا الاستعانة بزملائهن في الكلية.
ولعل ما يحز في نفوس الغالبية العظمى من طلاب وطالبات الجامعة بمختلف كلياتها، أن تكون حفلات التخرج أيضًا منفصلة، بحيث يحتفل الطلاب في قاعات سواء داخل الجامعة أو خارجها، لوحدهم، والطالبات في قاعات أخرى بشكل منفصل عن زملائهن. مما جعل أكثر الطلاب والطالبات يستاؤون من تلك التوجيهات التي تمنعهم من الاحتفال بتخرجهم مع زميلاتهم وزملائهن، فيقرر بعضهم عدم الاحتفال نهائيًا.
ويحاولون بذلك محاربة علاقات الزمالة بين الطلاب والطالبات، والتي تعد من أسمى العلاقات الإنسانية العلمية والثقافية، فالمعروف أن علاقات الزمالة تظل علاقات راقية إذا ما تم توجيهها التوجيه السليم، وبأسلوب تربوي حضاري من جهة الأساتذة في الكليات.
ولعل ما يزعج الكثير من الطلاب والطالبات هو أمن الجامعة الذي يترقب الطلاب والطالبات، وما إن يلاحظ بعض الطلاب أو أحدهم يتحدث مع زميلته أو زميلاتهم بأي شأن علمي أو ثقافي، حتى يقترب منهم، منبهًا ومحذرًا إياهم بضرورة الابتعاد عن الطالبة أو الطالبات، وعدم الحديث معهن بتاتًا.
وهكذا، وبالتدريج والتخطيط الممنهج، ستتحول الجامعة إلى جامعتين منفصلتين إحداهما للطالبات، والأخرى للطلاب، وسيكون من الصعب على الطلاب والطالبات الاختلاط العلمي، والاستفادة من بعضهم البعض، مما سيضطرهم إجباريًا إلى التعويض عن ذلك، من خلال التواصل المكثف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخارج أسوار الجامعة في المطاعم والكافيهات وغيرها.
وفي الحقيقة، فإن مثل تلك القرارات والتوجيهات بمنع الاختلاط العلمي بين طلاب وطالبات الجامعة، ليس له ما يبرره، سواء من حيث الدين، أو العادات والتقاليد اليمنية الأصيلة، أو من حيث مستوى التطور التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات التي جعلت العالم كله قرية صغيرة.
ولست أدري لماذا هذا المنع، وهل سيتم أيضًا فصلهم بعد ذلك في مجالات العمل المختلفة وفي المواصلات العامة، وفي رحلات السفر، وهل سيتم عمل أسواق وشوارع خاصة بالنساء؟!
ولعل الأخطر في الأمر هو تحول الكثير من طلاب وطالبات الجامعة، نتيجة لذلك المنع من الاختلاط العلمي والثقافي، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام أسماء مستعارة أو وهمية، حتى يتمكنوا من الحديث مع بعضهم بأريحية تامة بعيدًا عن الأنظار، وقد ينحرف البعض منهم تمامًا عن المسار العلمي والثقافي.
وفي اعتقادي أن الاختلاط بين طلاب وطالبات الجامعة داخل الحرم الجامعي ، وأمام الأساتذة، وفي جو علمي وثقافي، لن يضيرهم في شيء، طالما ونحن كأساتذة نمنحهم الثقة والأمان، وبخاصة لطلبة كلية الإعلام من الجنسين، والذين يفترض أنهم أسرة إعلامية واحدة.
فالزمالة الإعلامية والصحفية لا تضاهيها أية زمالة، فعندما يتخرجون من كليات وأقسام الإعلام، ويشتغلون معًا في مؤسسات الإعلام والصحافة، سيكون العمل بينهم متكاملًا، ومن الصعب أن نفصل بينهم، ونحدد لكل جنس فيهم عملًا مختلفًا عن الآخر.
فمهنة الإعلام والصحافة من المهن التي تتطلب حرفية وإبداعًا في آن واحد، وهي أيضًا مهنة تتطلب التفاعل والاختلاط بالجمهور العام من خلال النزول الميداني، والذي قد لا يتحدد بوقت معين.
فقد يتطلب مثلًا العمل الصحفي الاستقصائي، أن يقوم به صحفي وصحفية، كي يتمكنا من إنجاز مهمتهما على أكمل وجه.
وأرى أن يترك للطالبة حرية التصرف في أن تتعامل مع زملائها الطلبة كلما استدعى الأمر ذلك، أو لا تتعامل، فالأهم أن تكون هناك علاقات زمالة راقية ومحترمة، وحين يسيء طالب لطالبة أو العكس، تتم معاقبته وفقًا للقوانين واللوائح الجامعية النافذة.
فلا يمكننا أن نعمم الأحكام على كافة الطلبة والطالبات، فهناك طلاب وطالبات ضربوا نماذج مشرفة في علاقات الزمالة، ورغم أنهم قد تخرجوا من زمان، إلا أنهم مازالوا يتعاونون في المجال الصحفي والإعلامي.
والدليل بالنسبة لكلية الإعلام بجامعة صنعاء أنهم أنشأوا صفحة على “فيسبوك” باسم طلاب وخريجي كلية الإعلام بجامعة صنعاء، ويتواصلون مع بعضهم من الجنسين، ويتبادلون المعلومات والخبرات، ويتذكرون أيام الدراسة التي لا تنسى، والقفشات التي كانوا يقومون بها.
والأهم أنهم يتذكرون زملاءهم وزميلاتهم، ويبحثون عنهم، ويساعدون بعضهم بعضًا، فليس كل اختلاط بين الطلاب والطالبات يعني أنه سيقودهم إلى الرذيلة، بل العكس يمكن أن يقوي علاقاتهم الإنسانية، ويجعلهم أكثر قدرة على معالجة قضايا المجتمع المختلفة.
فمحاولة تضييق الخناق على طلبة الإعلام، ومنعهم من التعامل مع زميلاتهم، ليس بالمنطقي، ولن يؤدي إلا للمزيد من الاختلاط، فكل ممنوع مرغوب.
ولا تستقيم الحياة إلا حين تسود علاقات إنسانية صحية في المجتمع، بخاصة في الجامعات التي تعد أكبر قلعة علمية وثقافية في المجتمع، والتي ينبغي أن تكون مجالًا حرًا لتلاقح الأفكار العلمية، وتبادل المعلومات والمعارف.
فالعنف ضد المرأة، في اعتقادي، يزداد في المجتمعات المنغلقة التي تمنع اختلاط الجنسين في مجالس العلم والمعرفة، وتمنعهم من إنجاز أي عمل علمي أو ثقافي أو إعلامي أو فني مشترك.