حال المواطن في حضرموت: “عوّدت بطني على ألا تشعر بالجوع”
حيروت – حضرموت
مع غيابٍ تامّ لدور الحكومة المعترف بها دوليًّا، تعصف أزمةٌ اقتصادية بالمواطنين في مدينة المُكلّا، عاصمة محافظة حضرموت، وسلطات محلية تقوم بحلول ترقيعية، ما تلبث أن تبخرها حرارة أسعار صرف العملة المحلية، وموظفون تحت خط الفقر، وعمالة في القطاع الخاص فقدت أعمالها.
ومع جرعة قاتلة في أسعار المحروقات، أقرتها السلطات بالمحافظة في 24 أكتوبر/ تشرين الأول قضت على ما تبقى للمواطن من فتات كان يبقيه على قيد الحياة، حيث وصلت أسعار البنزين إلى ألف ريال للتر الواحد، وشحة في توفرها في سياسة باتت مكشوفة لفرض السعر الجديد بجبروت السلطة وتجويع الناس.
محمد سعيد (42 سنة)، يعمل نجّارًا للموبيليا، وأحد ضحايا الجرعات السعرية، يقول “منذ قرابة الستة الأشهر، توقف العمل في منجرتي الصغيرة؛ لم يعد هناك من يطلب تجهيز غرف نوم أو دواليب، بالكاد ألتقط قوت يومي من عمليات تفكيك وتركيب دواليب في البيوت أو المكاتب. قد يمر أسبوع دون أحصل على عمل”.
يستطرد محمد قائلًا: “لديّ ولدان وزوجة، كنت أشتري ستة أقراص من الروتي (خبز محلي مخمّر)، اليوم لا أستطيع سوى شراء أربعة أقراص بعد ارتفاع سعره إلى خمسين ريالًا، أنا أتناول في العشاء نصف حبة مع كوب من الشاي”، كان سؤالي له عن دهشة مما سمعته: “ألا تشعر بالجوع؟” كان الرد صادمًا ومبكيًا في الآن معًا: “لقد عودت بطني على ذلك”.
ظروف عامة
عندما يعوّد الإنسان بطنه على الجوع، فاعلم أن العوز والفقر قد بلغ به كل مبلغ، فكم محمد في هذا الوطن الذي يعيش أغلب سكانه ظروفًا إنسانية صعبة، شمالًا وجنوبًا.
مشهد آخر في سوق السمك بحي النصر- مديرية المكلا، عند قرابة الساعة الـ١١:٠٠ صباحًا من يوم الإثنين ٢٥ أكتوبر/ تشرين الأول يصطف الناس طوابير أمام مفرش بيع الأسماك المدعومة؛ أي بسعر الكيلو ٣٢٠٠ ريال مقارنة ببيعه في المفارش الأخرى بأكثر من ٥٠٠٠ ريال.
لم تقتصر حياة الناس في هذا البلد المكلوم على طوابير الغاز والبترول، فأصبحت هناك طوابير للسمك، للحصول على بضع قطع من سمك التونة، بسعر مدعوم من السلطة المحلية.
علي محمد (٤٢ سنة)، يقول: “لقد حولت حكومة معين حياتنا لجحيم. إننا نصارع من أجل البقاء”.
يضيف: “مع كل شهر يرتفع فيه سعر صرف العملات الصعبة وتنخفض معه القوة الشرائية لرواتبنا الهزيلة نحذف مادة غذائية من قائمة متطلباتنا الشهرية أو نبحث عن أنواع أقل جودة وأرخص سعرًا. لقد أصبحنا فنزويلا العرب، لا يمر نهار إلا وقد تغيرت الأسعار”.
خالد سعيد (٢٩ سنة)، صاحب سوبر ماركت، أصبحت الآلة الحاسبة لا تفارقه عند كل عملية بيع، ويملأ محياه القلق والخوف قال: “لقد خسرنا رؤوس أموالنا. إننا نرى أموالنا تسرق منا كل ساعة لا نستطيع مجاراة الارتفاع الجنوني لسعر صرف العملات الأجنبية. هل تصدق إننا أصبحنا كمحلات تجزئة نبيع بسعر أقل من أصحاب الجملة لنعود ونشتري منهم بسعر مضاعف، لا خيار أمامنا إلا الاستمرار في السقوط حتى يكتب الله فرَجًا لهذه الأزمة”.
فيما أصبح موظفو الدولة هم الأكثر تضررًا من جراء الأزمة الاقتصادية، فرواتبهم الضئيلة لم تعد تفي بالحاجة الشهرية، فإن القطاع الخاص هو الآخر يئن تحت ضربات هوامير السوق السوداء للعملة وتجار الحروب والمستفيدين من الفيد.
حلول ترقيعية تقوم بها السلطات المحلية في محافظة حضرموت على استحياء، بغية التخفيف من معاناة الناس بين مفارش للسمك ونقاط بيع للروتي المدعومين، إلا أنها تظل مهددة بالتوقف بعد أن أصرت حكومة معين المعترف بها دوليًّا على توريد جميع الإيرادات من جمارك وضرائب إلى البنك المركزي بعدن دون أن تقدم أي حلول لكبح جماح شبح المجاعة الذي بات يهدد شريحة كبيرة من المواطنين.
المشهد الأخير
سالم شاب في الـ٢٤ من العمر، أكمل دراسته بجامعة حضرموت. هذا العام تخصص في إدارة أعمال، وغادر مع أسرته السعودية قبل سنتين بعد إجراءات المملكة العربية السعودية في رفع رسوم الإقامة، ولم تستثنِ اليمنيين برغم أن نظامها السياسي وترسانتها العسكرية تخوض على أرضهم حربًا منذ سنوات، لتزيد عمليات الترحيل الطين بلّة وتفاقهم أزمات هذا البلد حيث يقدر عدد المنكوبين فقط المسجلين في مكتب المغتربين بحضرموت، بالآلاف.
وتختتم خيوط تقريرها بالإشارة إلى أن تدفق المساعدات الإنسانية لهذه المحافظة يظل ضعيفًا لأسباب يجهلها الناس إلا إن المؤشرات تسجل أن حضرموت ضربتها الأزمة الاقتصادية فعلًا، وبات الناس فيها يرزحون تحت وطأة الجوع والعوز.