لعنة إصدار جواز سفر تلاحق اليمنيات إلى الخارج
اليمن – أنور دهاق
“المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامـة” هذا ما ينص عليه الدستور اليمني في المادة الـ 41. يتكرر هذا النص في كل الدساتير العربية إلا أنه لا يعكس الحقيقة. يحتل اليمن المرتبة الأخيرة عربيا في المؤشر العالمي الذي وضعه المنتدى الاقتصادي للفجوة بين الجنسين، لسنة 2021. الفجوة تبدو واضحة في التعليم والعمل والمشاركة في المجال العام وحتى في قدرة المرأة على استخراج وثيقة كجواز سفر!
ملايين النساء اليمنيات داخل اليمن وخارجه تفرض عليهن موافقة ولي أمرهن ليتمكنّ من الحصول على جواز سفر. قصة شذى وأخريات تعكس هذا الواقع.
“كيف أعرف إنك لن تهربي!”
هذه هي الكلمات التي علقت في ذاكرة شذى “اسم مستعار” التي تقيم اليوم في هولندا. ذات الكلمات دفعتها لطلب اللجوء لهولندا، بعدما اتخذت قرارا بعدم العودة لوطن “تسوده سلطة ذكورية” على حد تعبيرها.
لأشهر طويلة تقدمت شذى بطلبات لدراسة الدكتوراه في الخارج، وتحقق لها ذلك بحصولها على منحة كاملة في هولندا. إلا أنها حين توجهت لمصلحة الهجرة والجوازات في كانون الأول/ديسمبر 2019 لاستخراج جواز سفر تفاجأت بشرط يفرض على النساء فقط “طلب موافقة ولي الأمر وحضوره معها”.
وقفت شذى حائرة أمام طلب موظف مصلحة الهجرة والجوازات، فوالدها طريح الفراش في المستشفى منذ 3 سنوات، بعد إصابته جراء قصف “القاعة الكبرى” في صنعاء 8 أكتوبر 2016 والذي طال مجلس عزاء راح ضحيته 135 شخصاً تقريباً ، أما إخوتها الذكور فيقيمون خارج اليمن. شرحت شذى وضعها كاملا، وبينت لموظف الجوازات، أهمية حصولها على جواز السفر لكي لا تخسر المنحة الدراسية، فسألها “كيف أعرف أنك لن تهربي؟” وأصر على ضرورة إحضار ولي الأمر وإلا لن يستكمل الإجراءات.
واستغربت شذى “تخيلوا أنا في هذا العمر والمستوى التعليمي يتم اتهامي بأني سوف أهرب فقط لأني أريد استخراج جواز سفر، هذا حق من حقوقي، حتى لو أصبح عمري ستون عاماً لابد أن أحضر ولي أمري ليوافق على إصدار جواز سفر لي، كان يوما صعبا جدا”.
لا يختلف الوضع بين صنعاء التي يسيطر عليها أنصار الله “الحوثيين” وعدن التي تتواجد فيها الحكومة اليمنية، فكرت شذى بالذهاب لمصلحة الجوازات في عدن إلا أنها علمت من صديقة لها هناك، أنها واجهت نفس المشكلة، وطلب منها إحضار ولي أمرها أو وكالة رسمية مصدقة من المحكمة.
أخيرا، أحضرت شذى والدها للمصلحة رغم وضعه الصحي، وتمكنت من استصدار جواز.
“خمسة أشهر من العناء فقط لأني أنثى”
إصدار الجواز عادة يأخذ بضعة أيام، إلا أن سحر التي فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي، أمضت خمسة أشهر كاملة محاولة الحصول على جواز.
تذكر سحر أنها ذهبت إلى مصلحة الجوازات لاستخراج جواز سفر بعد إكمال دراستها الجامعية، على أمل الحصول على منحة خارج البلاد لمواصلة تعليمها. وفوجئت بكم الأوراق الثبوتية التي طُلبت منها “فقط لأني امرأة، على عكس الرجل تماماً الذي يستطيع أن ينتهي من إجراءات استخراج الجواز خلال يوم أو يومين فقط، أما أنا ولأنني أنثى، بحاجة إلى أسابيع و ربما أشهر حتى أحظى بجواز السفر، بداية طُلب مني إحضار ولي أمري، أخبرتهم بأن أبي متوفىَ، ولا يوجد لدي إخوة ذكور، وجدي متوفى أيضا، ولدي عم خارج اليمن. فكان الرد بأن طلبوا مني إحضار وكالة من عمي يُوكل بها أمي بالموافقة على استصدار جواز سفري”.
النساء اليمنيات في الخارج
طلب موافقة ولي الأمر لا يقتصر على النساء المتقدمات بطلب الحصول على جواز سفر داخل اليمن، بل يتكرر ذلك في السفارات اليمنية التي تعد امتدادا جغرافيا لليمن.
فهديل الأشول يمنية تقيم في كندا، كانت لا تزال متزوجة حين تقدمت بطلب لإصدار جواز سفر، فطلب منها تسجيل بيانات زوجها “سجلت بيانات زوجي وأرسلتها. ولكن هذا ولَّد لدي إحساسا سيئا”، وتلفت هديل إلى أن هذا الشرط لا ينسحب على الرجل المتزوج، إذ أنه غير مُطالب بأي معلومات عن الزوجة، وتقول “هذا الأسلوب يظهر إن المرأة ليست كفيلة بنفسها”.
أما سارة العريقي، والتي تقيم أيضا في تركيا، استنكرت طلب موافقة ولي الأمر منها لتجديد جواز سفرها “هذا الشرط لم أكن أعلم به وصدمني جداً وجعلني أسأل لأتأكد هل فعلاً هذا شرط حقيقي أو مجرد عرقلة، لأني في الواقع لم أكن أتوقع أن يكون هناك شرطاً مثل هذا يتجاهل كوني امرأة، وأم أيضاً”.
عدم وجود جواز ساري المفعول لا يقف عائقا أمام من يطلب اللجوء في دولة يقيم فيها، إلا أنه يشكل معضلة كبيرة أمام النساء اليمنيات اللاتي يدرسن خارج اليمن واللاتي إلى جانب عدم قدرتهنّ على السفر لا يتمكن من استلام حوالاتهنّ المالية.
مرام “اسم مستعار”” طالبة يمنية مبتعثه تدرس في تركيا، توجهت للسفارة اليمنية في أنقرة فطلبت منها وثائق غير مدرجة في قانون الأحوال المدنية: عقد زواج أو وثيقة طلاق. ولما تبين أنها لم يسبق لها الزواج، طلب منها إحضار صور عن جواز والدها وعقد زواج والديها. والدا مرام منفصلان منذ فترة طويلة، ولا يوجد ورقة توثق ذلك. شعرت مرام بأنها وصلت لطريق مسدود. وبعد اتصالات أجرتها والدة مرام مع القنصلية اليمنية في السعودية تشرح فيها، أنها المسؤولة عن ابنتها ويتعذّر عليها الحصول على موافقة ولي الأمر، حصلت مرام على الموافقة. لكنها انتظرت قرابة الأربعة أشهر قبل أن تحصل أخيرا على الجواز.
لا تختلف قصة زينب التي تستكمل دراستها في الخارج عن الأخريات. كانت تعلم مسبقا بضرورة موافقة ولي الأمر، فاتخذت من أخيها وليًّا لأمرها. هي الأخرى قوبل طلبها بالرفض لأن أخاها بحسب موظف الجوازات يصغرها سنا وقد يعينها على “الهروب”.
تقدم معد التحقيق بتاريخ 8 مارس 2021 باستفسار يمني باسم سارة سعيد (اسم وهمي) عبر البريد الالكتروني مع السفارة اليمنية في ألمانيا، والتي تتولى مهمة إصدار الجوازات للمقيمين في ألمانيا وبعض الدول المجاورة مثل السويد والتشيك والدنمارك، للسؤال عن متطلبات إصدار جواز سفر لامرأة يمنية يرفض زوجها الموافقة فجاء الرد بعد أيام كالتالي: “حياكم الله، نرجو الاطلاع على المطلوب في صفحة القنصلية، وعلى ولي الأمر تعبئة خانة ولي الأمر الخاصة به في الاستمارة وإرفاق نسخة من جواز سفره وإقامته، وفي حال عدم وجود جواز سفر صالح، يُكتفى بإرفاق نسخة من إقامته”.
تواصل معد التحقيق مع السفارة اليمنية في مدريد يسأل عن الأمر ذاته، وجاء الرد مختلفا إذ بإمكان “سارة” تقديم صورة عن جواز سفر زوجها وسيتم التعاون معها “وفي إطار القانون”.
وتشير نتائج استبيان غير علمي شمل 132 امرأة يمنية داخل اليمن وخارجه أعده معد التحقيق إلى أنَّ أكثر من ثلثي النساء المستَطلَعات عبرن عن رفضهن لوجود شرط موافقة ولي الأمر لاستصدار جواز سفر. بينما اتضح من خلال الاستبيان أن تقريباً لا غطاء قانونيا.
التقينا بالمحامي خالد الكمال وسألناه بداية إذا ما كان شرط موافقة ولي الأمر قد ورد بشكل صريح في القانون، فأوضح أن القانون لا يفرض ذلك، القانون يجيز “صرف جوازات السفر العادية ووثائق السفر لكل من بلغ سن السادسة عشر من العمر ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية” وفقا للمادة السادسة في القانون رقم (7) الخاص بالجوازات الصادر عام 1990. إلا أن نص التشريعات الإسلامية نصت صراحة على ضرورة حصول المرأة على موافقة زوجها إذا رغبت في السفر، وهذا حق للزوج طالما في حدود المشروعية دون تعسف الزوج في استعمال حقوقه. من جهة أخرى فإن الدستور نص في المادة الثالثة على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر كل التشريعات كما نصت المادة الـ31 على أن “النساء شقائق الرجال ولهن في الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون”.
أما المحامية وداد أحمد فأكدت على أن الدستور اليمني لا يفرق بشكل واضح بين الرجل والمرأة، “بل على العكس أكد على المساواة بينهما. الإشكالية تكمن في القوانين مثل قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية”.
وعن رأيها في الشروط المستحدثة من قبل مصلحة الجوازات والهجرة والقنصليات اليمنية في الخارج والتي تحتم ضرورة موافقة ولي الأمر أو الزوج من أجل استخراج جواز سفر للمرأة، اعتبرت أحمد هذه الشروط مخالفة للدستور ولا تنسجم مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” المصادق عليها من قبل الجمهورية اليمنية.
مساواة “ضمنية” وتمييز علني!
تواصل معد التحقيق مع دائرة الهجرة والجوازات اليمنية بمأرب لمواجهتهم بالمخالفة القانونية التي تفرض على المرأة الحصول على موافقة وليّ الأمر للحصول على جواز سفر، رغم عدم وجود تشريع أو قانون ينص على ذلك صراحة. لكن مدير دائرة الجوازات والهجرة بمأرب اعتذر عن اللقاء أو التعليق على ما توصل إليه التحقيق. كذلك أرسل معد التحقيق بريدا إلكترونيا بتاريخ 27 يونيو 2021 للسفارة اليمنية في فرانكفورت ولم يتلق أي جواب حتى لحظة نشر التحقيق الذي أنجز بدعم من أريج.