كيف غيّرت الحرب على اليمن المجتمعَ السعودي؟
تقرير – قتيبة صالح
شهدت منصات التواصل الاجتماعي السعودية جدلاً كبيراً، بعد ظهور إمام الحرم السابق الشيخ عادل الكلباني في إعلان لعبة فيديو، ترويجاً لموسم الرياض الذي تتواصل فعالياته في العاصمة السعودية.
غير أن اللافت في ردود الفعل كان بروز وسم “الحد الجنوبي” بكثرة، ومطالبة المشاركين بالتوجه إلى الحد الجنوبي إن كانوا يريدون خدمة وطنهم فعلاً.
“الحد الجنوبي” هو المصطلح السعودي لوصف الحدود الجنوبية للمملكة، والتي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية منذ بدء العدوان على اليمن، وأصبحت أيضاً الشغل الشاغل للمواطن السعودي طوال سنوات.
المشهد
منذ بدء السعودية عدوانَها على اليمن، يبرز تفاعل كبير بشأن مجريات الأحداث اليمنية. يأتي هذا التفاعل صدىً لزيادة حجم اهتمام المجتمع السعودي بما يدور في اليمن. ويترافق مع نقاشات واسعة بشأن تفاصيل الحرب وآفاقها، وكيف يقرأ المجتمع السعودي حالة الحرب التي تقودها حكومته.
طالت انعكاسات المعركة في اليمن المجتمعَ السعودي، الذي بات يتأثّر بتطوّرات النزاع وديناميكياته. فما يحدث عند الحدود الجنوبية وما وراءها، لم يُغيّر أحوال اليمنيين فقط، وإنما أحوال السعوديين أيضاً، وخصوصاً قاطني تلك المناطق، إذ تغيّرت حياتهم بصورة كبيرة، أمنياً واجتماعياً واقتصادياً.
بين السطور
· أثّرت النفقات الاقتصادية الكبيرة، والتي تكبَّدتها السعودية، في المجتمع السعودي، على نحو واسع، تمثّل برفع الضرائب، وزيادة تعرفة بعض الخدمات، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية.
ولم يقتصر الأمر على تحمُّل النفقات فحسبُ، بل تأثَّرت أيضاً القطاعات الاقتصادية، الخاصّ منها والعامّ، بسبب إعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومي لمصلحة الإنفاق العسكري، الذي بلغ 57.7 مليار دولار عام 2020، بحسب بيانات معهد SIPRI، بالإضافة إلى ارتفاع العجز في الموازنة العامة إلى 79 مليار دولار في نهاية عام 2020.
· في فترة ما قبل الحرب، كان هناك غياب تامّ للوضع اليمني في حياة السعوديين، لكنّ الأمر تغيَّر خلال الحرب، فبرز عدد من الكتّاب والناشطين ممّن باتوا يُلبّون حاجة المجتمع السعودي إلى سردية غير رسمية للأحداث. كما صار لعدد من الإعلاميين اليمنيين، الذين يغطّون الحرب، متابعون كثرٌ في الداخل السعودي.
· رفعت الهجمات العسكرية الصاروخية في اتجاه الداخل السعودي، على مدى سنوات، منسوبَ القلق الأمني لدى السعوديين. وعلى الرغم من غياب القدرة على توجيه أيّ نقد تجاه دولتهم أو التعليق على سياساتها، فإن الحرب زرعت الشكّ في جدواها وجديتها وعجزها عن تحقيق الإنجازات.
· أعادت الحرب تشكيل المنطقة الجنوبية المحاذية لليمن، ديموغرافياً وعسكرياً، إذ نقلت الحكومة السعودية كثيرين من سكان القرى الحدودية إلى المدن الداخلية، الأمر الذي حوّل عدداً من الحواضر الحدودية إلى مناطق مهجورة. وترافق ذلك مع خطة سعودية تهدف إلى عسكرة هذه المناطق، وتحويلها إلى ما يشبه المناطق العازلة.
· أثّر هذا التحوُّل في الاستراتيجية السعودية في حياة قبائل المناطق الجنوبية. فقبل العدوان، كانت الرياض تعتمد، بصورة كبيرة، على هذه القبائل، من أجل تأمين الشريط الحدودي الطويل. لكن النشاط العسكري لقوات الحوثي في الجزء اليمني من الحدود، وتعاوُنَ بعض سكان الحدود السعودية مع هذه القوات نتيجة اعتبارات متعدّدة، كشفا للمواطن السعودي هشاشةَ الوضع الأمني في هذه المناطق.
· مع اشتداد المعارك في الجبهات الحدودية، أُغلق كثير من الأسواق التجارية، التي كانت شريان حياة لسكان هذه المناطق. كما أن إقفال المَنْفَذ الرئيسي مع اليمن في منطقة الطوال السعودية، أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة للسكان السعوديين.
في المقابل، تحوَّلت حركة العبور في اتجاه مَنْفَذ الوديعة، الذي يقع في منطقة نجران، فانتعشت هذه المنطقة بسبب النشاط التجاري الكبير. كل ذلك أدّى إلى انقلاب في التركيبة الاقتصادية، وإجراء تغيير بنيوي في تركيبة السكان في تلك المنطقة.
· أدّت هجرة السكان من بعض الجيوب الحدودية، وظهورُ فرص اقتصادية في مناطق أخرى، إلى نشوء مسارات تواصل بديلة بين مجتمعات هذه المناطق، ومعهما ازدادت وتيرة الحركة غير الرسمية على طول الشريط الحدودي، وهي مساحة شاسعة يصعب إداراتها.
· على الرغم من اعتماد السعودية على المرتزقة، فإنهم لم يكونوا سوى خط دفاع أولَ. يصعب الوصول إلى أرقام دقيقة بشأن عدد القتلى السعوديين، بسبب تكتُّم المصادر الرسمية، لكن بعض المصادر يشير إلى أن نصف الجنود السعوديين القتلى هم من سكان المناطق الغربية الحدودية، ولاسيما منطقة جيزان. وانعكست هذه الخسائر البشرية على الحواضن الاجتماعية. وعلى الرغم من تمجيد الحكومة السعودية تضحيات جنود “الحد الجنوبي”، فإن انعكاسات التكلفة البشرية تركت آثاراً بالغة في مستوى المملكة.
ما هو المقبل؟
التأثير الذي أرادت السعودية أن تُحْدِثه في اليمن طال أيضاً سكان مدن المملكة وقراها، والتحولات التي يُحْدِثها هذا النزاع ستشغل حيزاً كبيراً في التصور العام للمجتمع السعودي. حتى إن انتهت الحرب، فأمام السعودية كثير من التأثيرات الداخلية التي تولَّدت كنتيجة طبيعية لطُول أمد الحرب وطريقة إدارتها، وستستمر آثارها في الداخل السعودي فترةً طويلة بحسب الميادين.