الحرب في مأرب إلى متى؟ أبعاد إقليمية ودولية للحفاظ على توازن الضعف! بقلم| عبدالباري طاهر
بقلم| عبدالباري طاهر
طالت الحرب الإجرامية كل مناطق اليمن؛ فلأول مرة في التاريخ المعاصر يمتد حريق الحرب إلى كل مناطق اليمن بمختلف مدنها وقراها. القتلى بمئات الآلاف، والمشردون يقتربون من أربعة ملايين، والمجاعة تطحن غالبية السكان، في الوقت الذي تنتشر فيه الأوبئة الفتاكة في عموم اليمن.
الحرب التي أهلكت اليمن على مدى ستة أعوام تتركز حاليًّا في مأرب- المدينة الحضارية والتاريخية على مدى مئات السنين قبل ميلاد السيد المسيح. على مدى عامين تتواصل الحرب على مأرب. رمزية المدينة، وإرثها الحضاري والآثاري حاضر، كما أن مكانها ومكانتها حاضران أيضًا؛ فموقعها في وسط اليمن، حيث تشكل نقطة الْتقاء وتواصل بين شرق اليمن وغربها، وبين شمالها وجنوبها، والأمر الأهم، أنها منطقة الثروة النفطية والغازية، وأيضًا منطقة التّماس مع العربية السعودية، والترابط متين بين مناطقها وقبائلها القوية، وكذا امتدادها في نجران وعسير. فالترابط بين يام ووائلة- ذات الجذر الهمْداني أمُّ قبائل اليمن جُلّها، وارتباطها بنجران من ناحية الانتماء القبلي والمذهبي الإسماعيلي الذي حكم اليمن في القرون الوسطى، حاضر وممتد.
للحرب في اليمن وعليها، أبعادٌ إقليمية ودولية، والحرب وإن كانت أهلية بالأساس، إلا أن دخول الصراع الإقليمي والدولي عليها أضعف العوامل الداخلية إلى حد معيّن، ومع طول أمد الحرب تقوَّى التدخل الإقليمي، ورمت السعودية بثقلها في الصراع.
غرائب وجرائم الحرب في اليمن وعليها لا تنتهي؛ ففي بدايات الحرب، في العام الأول منها، كان للجيش اليمني وحدات قوية في شرق مأرب تمثل الحماية الحقيقية للمحافظة، وللثروة النفطية، ولحماية الوحدة اليمنية، والوقوف في وجه الأطماع السعودية التي لا تريد حصول اليمن على الثروة النفطية، وقد احتجّت على التنقيب منذ البداية.
المهم مع بدايات الحرب قام الطيران الإماراتي بتدمير القوة العسكرية في شرق مأرب، وقتل العشرات، جُلّهم من قيادات الجبهة الوطنية. لم تحتجّ السلطة المعترف بها دوليًّا، ولم نسمع صوتًا للحزب الاشتراكي الذي تنتمي قيادة تلك الوحدات إليه. ما أكتبه ليس تحليلًا، وإنما معلومات عن وقائع مشهودة. بعدها سحبت الإمارات أسلحتها والباتريوت من مأرب، وتركت الساحة هناك لحليفتها السعودية.
تتعامل السعودية مع حلفائها اليمنيين بحذر لا يقل عن تخوّفها من أعدائها أنصار الله (الحوثيين)؛ لذا لا تقدّم لهم الأسلحة الثقيلة لانعدام الثقة، ولأنها -وهذا هو الأساس- لا تريد طرفًا أن ينتصر على آخر، فهي تريدها حربًا تُضعف الجميع، وتضع الجميع في مواجهة الجميع، حفاظًا على توازن الضعف.
تختلف السعودية والإمارات على الغنائم، واقتسام مناطق النفوذ، ولكنهما تتفقان على التفكيك، وتدمير الكيان والقوة اليمنية، وتمزيق النسيج المجتمعي. أما إيران، فهدفها الأساس إضعاف السعودية ودول الخليج، والسيطرة والنفوذ في المنطقة كلها، وحلّ قضايا سلاحها النووي، وفكّ الحصار، وللصراع -طبعًا- بُعْدٌ دولي يتعلق بما بعد سقوط القطب الواحد.
صعوبة الحسم العسكري مردّه إلى خطورة وضع مأرب على أطراف الحرب، ويقينًا، فإن قبائل المنطقة لها وضعها الخاص، وكانت دومًا حريصة على الاستقلال بمستوى معين عن المركز، ولها خلافات مع أنصار الله (الحوثيين) وتوجهاتهم الأيديولوجية والسياسية.
بمقدار ما تزداد الأمور تعقيدًا، بمقدار ما يستعصي الحل العسكري؛ فكل طرف ينظر إلى معركة مأرب باعتبارها معركة “حياة أو موت”، وانتصار أي طرف من الأطراف يعني رجحان الكفّة لصالحه في الحرب كلها؛ ومن هنا ضراوة المعارك، والغارات السعودية، والقصف المتواصل يعكس الفزع السعودي.
الصراع الإقليمي المسنود بالدعم الدولي سببٌ في إطالة أمد الحرب، ومع أن حروب اليمنيين كثيرة، إلا أنهم أيضًا يمتلكون خبرة هائلة في إطفاء حرائق الحروب، والعودة للتصالح والتعايش.
يستشعر اليمنيون الخوف على مدينة تضمّ أكثر من مليون نسمة من السكان، وهم يخشون على عاصمة الملكة سبأ التي أثنى القرآن الكريم على حكمها، وقوة سلطانها، ورجاحة عقلها، وعلى معلم حضاري وأثري من أهم الحضارات الإنسانية في العهود القديمة.
عداوة البداوة للحضارة قديم ومتطاول؛ فقد أسهم هؤلاء البدو في تدمير أهم المدن الحضارية في العراق وبلاد الشام وليبيا والسودان واليمن.
تَدارسَ أعضاء “جماعة نداء السلام” الحرب على اليمن وفيها، والتي تشارف نهاية العام السابع، ورأى رئيس الجماعة الدكتور أحمد الصايدي، أن “جماعة نداء السلام” -وهي تدرك أهمية معركة مأرب للأطراف الداخلية والخارجية الضالعة في الحرب- تكرر دعوتها لإيقاف الحرب شاملًا في البر والبحر والجو، والتوجه إلى طاولة الحوار، للتوافق على خارطة طريق تُخرج اليمن واليمنيين من نفق الحرب المظلم، والشروع في بناء الدولة اليمنية- دولة اليمنيين جميعهم، والتأسيس لمستقبل أفضل لنا ولبلدنا ولأجيالنا القادمة.