ضحايا الحرب والهجرة غير الشرعية: شباب يمنيون عالقون على الحدود
صنعاء – أحمد الكمالي
على بُعد آلاف الكيلو مترات عن وطنهم، يواجه عديد من الشباب اليمنيين العالقين في الغابات الواقعة على الحدود الدولية، بين بيلاروسيا وبولندا، شتى أنواع المخاطر التي تهدد حياتهم، حيث تمنع السلطات البولندية دخولهم أراضيها كمهاجرين غير شرعيين، فيما رفضت السلطات البيلاروسية عودتهم مجددًا إلى أراضيها، بعد أن استغلتهم ككثير من المهاجرين كورقة ضغط في أزمتها السياسية مع دول الاتحاد الأوروبي.
ما يعانيه اليمنيون على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا ليس سوى مثال لمعاناة تشمل شبابًا يمنيين تتقاسمهم مواقع مختلفة من جغرافيا الحدود الدولية، في سياق محاولاتهم للهرب من واقع فرضته حرب أمعنت في إفقار بلدهم.
دولة بيلاروسيا هي إحدى محطات الهجرة غير الشرعية للشباب اليمنيين الذين اضطروا للهجرة بسبب ظروف الحرب في بلادهم. تبدأ رحلة المهاجرين اليمنيين بعد التنسيق مع مكاتب تابعة لشبكات تهريب في عدن والقاهرة وماليزيا وغيرها، وفور وصولهم إلى العاصمة البيلاروسية “مينسك”، يستقبلهم مندوبو شركات التهريب، التي تعمل تحت غطاء شركات سياحة وسفريات، ويدير بعضها يمنيون، وتقدم للشباب دعوات “زيارة سياحية” لـ”بيلاروسيا”، وإغراءات كاذبة بتمكينهم من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
الشاب محمد عبدالله (29 عامًا)، أحد هؤلاء الشباب الذين كانوا ضحية لشبكات التهريب، يروي المعاناة التي واجهها فور وصوله وعشرة من رفاقه إلى العاصمة البيلاروسية، قائلاً: «عندما وصلنا إلى مطار مينسك، استقبَلنا شخصٌ يدعى صلاح، وهو مالك الشركة التي أرسلت لنا الدعوات، وقام بدوره بتسليمنا لشخص يدعى رشدي، الذي استلم منا تكلفة التهريب، (3200 دولار عن كل فرد)، وقام بدوره بتسليمنا إلى شخص آخر يُدعى مهيب، والذي سلّمنا إلى شخص يدعى أبو إبراهيم السوري، الذي كان من المفترض أن يجتاز بنا الحدود البولندية وصولاً إلى العاصمة الألمانية برلين، بحسب الاتفاق، لكن ذلك لم يتم.
شبكات تهريب يديرها يمنيون في بيلاروسيا ذهب ضحيتها الكثير من الشباب
ويضيف: «عند تجاوزنا الحدود البيلاروسية، لم نجد أبو إبراهيم السوري في انتظارنا، وإنما وجدنا حرس الحدود البولنديين، الذين أعادونا إلى حدود بيلاروسيا مرة أخرى، ليحتجزنا البيلاروسيون في موقع عسكري ليومين، وفي اليوم الرابع دفعوا بنا مرة أخرى نحو الأراضي البولندية، ما اضطرنا للمكوث في الغابات الفاصلة بين البلدين.
يقول محمد: «بعد يومين من التيه في الغابات حيث عشنا لحظات الموت، وشربنا من المستنقعات، وأكلنا من الأشجار، تمكّنا من التواصل مع المهرب مرة أخرى في اليوم السادس، والذي بدوره رفض نقل 11 شخصًا، ولهذا تركني واثنين من زملائي في الغابات قبل أن يترك الثمانية الآخرين في مكان آخر دون إيصالهم، بعد ذلك تُهنا مجددًا وسط الغابات بين الخوف والجوع والبرد القارس».
اضطر محمد عبدالله، لاتخاذ قرار الهجرة بسبب غياب فرص العمل في البلد نتيجة لظروف الحرب والانهيار الاقتصادي، ورغبته في تحسين مستوى دخله وتحقيق أحلامه، فيما أجبرت الظروف المترتبة عن انقطاع تحويل المخصصات المالية، طلابًا يمنيين مبتعثين إلى العمل على ترك مقاعد الدراسة الجامعية. تواصل اليمني الأميركي مع سبعة من الطلاب اليمنيين المبتعثين في ماليزيا، الذين خاضوا غمار الهجرة غير الشرعية عبر بيلاروسيا، منهم ثلاثة من العالقين في غابات على حدود بيلاروسيا لأكثر من 12 يومًا، بينهم الطالب علي فائز (29 عامًا)، الذي فضّل خيار الهجرة عبر بيلاروسيا كمغامرة لمستقبل أفضل بعد تعذُّر عودته إلى وطنه.
ويوضح علي أن «تجربة بلاروسيا كانت كارثية، فبينما كنا نتخيل أن تهريبنا لن يتجاوز اليومين كما روَّج لنا المهربون، ذقنا الويل وتمنينا ألف مرة لو أننا نستطيع العودة إلى اليمن. علقنا في الغابات لمدة 12 يومًا، وازداد الوضع سوءًا، وكنا نطلب من البيلاروسيين والبولنديين أخْذنا إلى السجن لنتفادى التضاريس والأجواء السيئة من مستنقعات، حشرات، أمطار، رياح، درجة حرارة تصل الى -٦ مئوية، لكن دون جدوى وكل طرف يدفع بنا إلى الآخر».
محمد عبدالله: عشنا لحظات الموت وشربنا من المستنقعات المكشوفة وأكلنا من الأشجار في الغابات بين بيلاروسيا وبولندا
ويؤكد عليّ أنهم أطلقوا نداءات استغاثة للحكومة اليمينة (المعترف بها دوليًّا)، ومنظمات حقوق الإنسان، والصليب الأحمر، لكن لم يلقوا أيّ استجابة.
كان الحظ حليفًا لكلٍّ من محمد وعلي لبقائهم على قيد الحياة، ورواية تجربتهم القاسية في الهجرة، بعكس المهاجر مصطفى محمد مرشد الريمي، الذي أعلنت وزارة الخارجية اليمنية التابعة للحكومة (المعترف بها دوليًّا)، في السادس من شهر أكتوبر/ تشرين أول الجاري، خلال بيان لها، «وفاته على الحدود الدولية بين بولندا وبيلاروسيا نتيجة للانخفاض الشديد في درجات الحرارة»، بعد 18 يومًا من انقطاع التواصل معه.
مصادر مقربة من أسرة (الريمي)، أكدت أنها لم تحصل على معلومات دقيقة عن سبب وفاة ابنها، ولم تتلقّ تقرير الطبيب الشرعي أو صورة لجثمانه، حتى إعداد هذا التحقيق.
ولمعرفة مصير الريمي ورفاقه من الشباب اليمنيين العالقين في الغابات، حاول معد التحقيق الاتصال بالسفير اليمني المعيّن من قِبل الحكومة المعترف بها دوليًّا، لدى موسكو، وغير المقيم في مينسك، أحمد الوحيشي، لمعرفة الجهود التي بذلتها السفارة لإنقاذ العالقين، والحد من ظاهرة التهريب، لكنه بدوره أحالنا إلى بيان وزارة الخارجية مرة أخرى، ممتنعًا عن تقديم أي توضيح، مما اضطرنا للتواصل مع السفارة اليمنية لدى العاصمة البولندية وارسو، التي أكدت أن تقرير الطبيب الشرعي، الذي سيوضح سبب وفاة الريمي، ستسلمه السلطات البولندية خلال الأيام القادمة.
السفير اليمني في موسكو امتنع عن توضيح ما بذلته السفارة من جهود لإنقاذ العالقين
وردًّا على سؤالنا عمّا اعتمدت عليه الرواية الرسمية في إعلان سبب وفاة الضحية، توضح السفيرة مرفت مجلي، أن البيان اعتمد على بلاغ أولي للمؤسسات البولندية، والذي عزا الوفاة لانخفاض درجة الحرارة، فيما أشارت إلى أن السفارة ستعقد لقاء مع حرس الحدود البولندي في وقت لاحق، وذلك في ردّها على سؤالنا عن إحصائية بأعداد اليمنيين الذين ما زالوا عالقين حتى اللحظة، وأوضاعهم.
من جهته وصف الناشط الحقوقي مجدي الأكوع، المهتم بقضية الإتجار بتهريب الشباب اليمني عبر بيلاروسيا، تعاطي الحكومة اليمنية وسفارتها في موسكو مع هذه القضية، بالمخزي.. لافتًا إلى أنها لم تُعطِ معاناة العالقين أدنى اهتمام، ولم تتحرك لإيقاف فوضى التهريب التي يديرها من وصفهم بتجار البشر.
ويكشف الأكوع عن أنباء تفيد باختفاء مجموعتين من المهاجرين اليمنيين في الغابات، إحداهما تتكون من 12 شخصًا، والأخرى من 4 أشخاص، منذ الـ12 من شهر أكتوبر، مطالبًا بإنقاذهم، والكشف عن مصيرهم.
وكان سفر الشباب اليمنيين الى بيلاروسيا بهدف الهجرة غير الشرعية إلى بولندا كطريق لدخول أوروبا قد بدأ في شهر يوليو/ تموز، وتمكنت المجموعات الأولى من النجاح، حتى تنبَّه البولنديون لذلك، وأعلنوا حالة الطوارئ على حدودهم مع بيلاروسيا.
بالرغم من المخاطر الجمّة التي يواجهها المهاجرون إلى أوروبا، ونصائحهم للشباب اليمني المقْدم على خوض تجربة الهجرة غير الشرعية، بعدم خوض المغامرة، إلا أن العديد من الشباب اليمنيين، ممن رصد مُعِد التحقيق بعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكدون رغبتهم للخروج من البلد، غير آبهين بالنتائج الكارثية التي واجهها من سبقهم، فيما مكاتب التهريب ما تزال تواصل استقطابهم وتقديم الإغراءات الكاذبة ببعض “رحلات ناجحة”، والترويج لها في مجموعات خاصة (واتس – فيسبوك)، واللعب على وتر ظروفهم وأحلامهم.
الشاب محمد صالح، واحد من الشباب اليمنيين الذين يفضّلون الهجرة بكل مخاطرها على البقاء في البلد في ظل ظروف الحرب والحصار، واختار السفر عبر أحد مكاتب التهريب في عدن إلى القاهرة، منتظرًا الفرصة لرحلة صوب بيلاروسيا، ويقول إنه اضطر لترك الدراسة في قسم علم النفس بجامعة ذمار بسبب ظروفه، مؤكدًا عزمه ومجموعة من رفاقه على مواصلة الهجرة مهما كلف الأمر، وعدم العودة إلى البلد – حد تعبيره. وينوّه بتلقّيه يوميًّا عديدًا من الرسائل، من شباب ينشدون طريقة للخروج واللحاق به.
منذ أكثر من سبعة أعوام لاندلاع الحرب، تصاعدت ظاهرة هجرة الشباب اليمني بشكل لافت ومخيف، ولم تقتصر هجرة اليمنيين ومعاناتهم على الحدود البيلاروسية البولندية، وإنما تشهد أصقاع مختلفة من العالم تواجد مهاجرين يمنيين يبحثون عن ملاذ آمن لتحقيق أحلامهم التي حرمتهم منها الحرب، فيما يبقى الأمل بإيقاف الحرب هو الحل الأمثل لاحتواء تطلعات الشباب في حياة كريمة ومزدهرة في كنف وطنهم، واستثمار طاقاتهم المهدورة، بحسب اليمني الأمريكي.