الريال اليمني يغرق في وحل “التحالف”
عدن – أمجد عبدالحفيظ
أدّى ارتفاع الوقود وتهاوي سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية في المناطق الخضعة لسيطرة حكومة الرئيس هادي، إلى غلاء أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، وارتفاع أجرة المواصلات وتكاليف النقل، مع انتشار نقاط أمنية منتشرة على الطرقات تقوم بتحصيل إتاوات إضافية على شاحنات نقل البضائع، كما هو حاصل في خط “عدن – تعز”؛ مما يجعل التجار يقومون بإضافتها فوق أسعار البضائع.
وارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير منذ الشهر الماضي، مع وصول صفيحة البنزين “20 لترًا” إلى نحو 16 ألف ريال، من 12 ألف ريال، بينما قفز سعر صفيحة الديزل “20 لترًا” إلى 20 ألف ريال، من 15 ألف ريال.
وزادت تكلفة كيس الدقيق (50 كيلو غرامًا) إلى 28 ألف ريال من 19 ألف ريال، بنسبة تصل إلى 100%، فيما وصل سعر 20 لترًا من زيت الطبخ إلى حوالي 40 ألفًا في بعض المدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا مثل عدن وتعز، في حين قفزت أجرة المواصلات ضعف تكلفتها السابقة على مستوى النقل داخل المدن، والتي تتفاوت ما بين مدينة وأخرى بحدود 100 إلى 200 ريال، أو بين المناطق والمحافظات.
واضطر مواطنون لإيقاف سياراتهم ومركباتهم، واستخدام بدائل أخرى أقل تكلفة، مثل الدراجات النارية، في الوقت نفسه يستغل سائقو سيارات أجرة هذه الوضعية، بوضع زيادة مبالغ فيها في تكاليف المواصلات، بحُجّة ارتفاع أسعار الوقود.
في ذات السياق، يقول المواطن توحيد هائل، من سكان محافظة تعز لـ”خيوط”، إن الحرب الحقيقية هي التي تدور الآن ويلمسها المواطن اليمني في احتياجاته المادية، إذ لم يعد كثير من الناس قادرًا على شراء كيس دقيق أو أي سلعة غذائية ضرورية أخرى.
توحيد، الذي يمتهن النجارة، يشتكي من فوارق الصرف في أسعار الخشب، يتحدث عن هذا الإرباك قائلًا: “نتفق مع الزبون على تسعيرة، ويأتي يوم ثانٍ، وقد تغير سعر الصرف وزادت أسعار الخشب”.
يضيف: “نريد تسعيرة محددة للدولار من أجل نعرف نطلب الله. الجوع كافر، وليس على الحكومة اختبار الناس في قوت يومهم؛ لأن هذه أشياء ضرورية لا تقبل المساومة واختبار صبر المواطن عليها”.
أسباب ومعالجات
وتواصل العملة الوطنية انهيارها في عدن ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا مع وصول سعر صرف الريال إلى 1350 ريال مقابل الدولار الواحد.
وعقد اجتماع مشترك للحكومة المعترف بها دوليًا والبنك المركزي في عدن، لمتابعة تنفيذ حزمة إجراءات عاجلة لوقف تراجع العملة الوطنية ، بينها التطبيق الصارم لقانون الصرافة وضبط المخالفين.
الاجتماع أكد على تشديد الإجراءات لمنع تهريب العملة الأجنبية وحصر نقل المبالغ إلى الخارج وفقاً لآلية يقرها البنك المركزي في عدن، وتنسيق السياسة المالية والنقدية ومتابعة تطورات أسعار الصرف أولاً بأول عبر فريق مشترك واقتراح الحلول الممكن العمل عليها، بما في ذلك خطة لاستثمار حقوق السحب الخاصة المقدرة بنحو 660 مليون دولار، وكذا الحسابات المفرج عنها في البنوك الخارجية في تعزيز قيمة العملة الوطنية.
ويرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز الدكتور محمد قحطان الانهيار الحاصل في العملة، إلى الحرب الدائرة في اليمن منذ 2015، ويرى أن معالجة هذا الانهيار متعلق بإيقاف هذه الحرب، وإحلال السلام الذي من شأنه تمكين البلاد من الاستقرار السياسي والأمني وإعادة بناء ما دمرته الحرب من البنى التحتية والكثير من العوامل المحركة لعجلة التنمية.
ويؤكد قحطان، أن الاحتجاجات التي قامت في تعز ضد الحكومة المعترف بها دوليًا والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، مبررة، وهي نتيجة لضياع أمل الناس وثقتهم بقيادات السلطة، إذ صار الكثير يأمل بإحلال السلام تحت نفوذ أي قوة تستطيع وضع نهاية لهذه الحرب واستعادة مؤسسات الدولة بعد مرور ما يقارب سبع سنوات.
ويحذر قحطان من خطورة تجاهل الحكومة المعترف بها دوليًا لمطالب المتظاهرين، وما قد يؤدي ذلك إلى وقوع البلاد في مأزق لن تستطيع الخروج وسينهي آمال استعادة الدولة مستقبلًا.
حالة استياء
شهدت مناطق متفرقة من مدينة تعز خروج مظاهرات تندد بارتفاع أسعار الصرف، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى 1200 ريال، في الوقت الذي تشهد فيه اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة، وحاجة ثلثي سكان البلاد إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وتسببت الأزمة الحالية في إيصال المواطن إلى هذا الحال، وليس الجميع بمنأى عن الكارثة، فمن لم تصله الحرب عن طريق الرصاص، ابتكرت له قوى الحرب رصاصة أخرى قادرة على الوصول إلى كل بيت.
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتور ياسر الصلوي: “عندما يفقد الناس الخيارات، لا يبقى أمامهم سوى التعبير عن إحساسهم بالمرارة والخيبة بمختلف وسائل العنف، الناس مهددون بالجوع في ظل هذه الأوضاع المأساوية؛ الأمر الذي يولّد الاحتقان الذي يدفع الناس للخروج في مسيرات ومظاهرات احتجاجًا على هذه الأوضاع”.
ويضيف أن هذا الاحتقان الحاصل، سببه فشل السلطة المحلية في القيام بأبسط واجباتها، خاصة فيما يتعلق بالخدمات وضبط الإيرادات وفرض الأمن، وغيرها من الوظائف ذات الصلة المباشرة بالمواطن، هذا العجز والفشل، تم التعبير عنه باستياء عارم، وحنق من كل من يتربع عرش السلطة غير مكترثين بهموم وأوجاع الناس.
ويشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة المعترف بها دوليًّا بإجراءات كفيلة بتوفير العملة الصعبة، وزيادة الموارد والدخل من العملة الأجنبية التي يمكن أن تساعد على إعادة التوازن إلى الحياة الاقتصادية وإعطاء الناس أملًا بأن الأمور ستتحسن، فالناس تفقد الأمل، وبالتالي يصلون إلى مرحلة اللا عودة، وحتمًا هذه الاحتجاجات ستطال الجميع إذا استمروا بتجاهلها.