أمريكا توزّع الأدوار: السّعودية تتراجع والإمارات عرّابة “إسرائيل” بقلم| ليلى نقولا
بقلم| ليلى نقولا
تقوم الاستراتيجيّة الأميركيّة الحالية على اعتماد مبدأ “الموازن الخارجي” (offshore balancing)، إذ تقوم قوة عظمى باستخدام قوى إقليميّة حليفة (مفضّلة لديها) لكبح صعود قوى معادية محتملة.
وبعد فشل إدارة أوباما في توكيل طرف واحد ورئيسي في منطقة متشعّبة ومتشابكة كالشرق الأوسط الكبير (بالخريطة الأميركية)، تتجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تحقيق الهدف نفسه، ولكن عبر توزيع الأدوار، والاعتماد على حلفاء عدّة للقيام بتلك المهمة. وكنا في مقال سابق تحدثنا عن الدور التركي، وسيخصص هذا المقال للدور الإماراتي وتراجع الدور السعودي.
– تراجع الدور السعودي
كان “الربيع العربي” نقطة التحوّل الأساسية في النظرة الأميركية إلى الدور السعودي في المنطقة، فقد أتت التحولات التي دعمها باراك أوباما بخسائر فادحة لحلفاء السعودية بعدما حاولت واشنطن تعويم الفرع “الإخواني” من الإسلام السياسي الذي قادته تركيا وموّلته قطر، لكن التحولات التي حصلت في العام 2013، وانخراط السعودية والإمارات في “الثورة المضادة”، إضافة إلى التعقيدات المختلفة والمتشابكة التي رافقت مسيرة “الربيع العربي”، وفشل الإخوان في السيطرة على تلك التحولات وتحويلها لمصلحتهم، دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة إعطاء القيادة للسعودية لتشكيل المشهد، إلا أنها فشلت.
ودخلت المنطقة بسرعة في مشهد جديد انتشر فيه الإرهاب وغزا “داعش” مناطق واسعة، الأمر الذي أعاد الأميركيين إلى المنطقة على رأس تحالف دولي ضد الإرهاب (2014)، بعدما كانوا قد أعلنوا الانسحاب من العراق في العام 2011.
وبعد وصول ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان إلى الحكم، والتغييرات التي قام بها، والصراع الداخلي على السلطة، وبدء حرب اليمن التي لم تنجح فيها السعودية في إخضاع حفاة اليمن، إضافةً إلى مقتل خاشقجي، والتصريحات العلنية الغاضبة والمنتقدة للأميركيين التي أطلقها السعوديون نتيجة انكشاف المحادثات الإيرانية الأميركية والتوصّل إلى اتفاق نووي بين إيران والدول 5+1 في العام 2015، تبدَّلت نظرة الأميركيين إلى السعودية.
كانت علاقة السعوديين بترامب هي المرحلة الذهبية التي يعيشها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي كلَّفته الطائل من الأموال، ولكن وصول بايدن إلى الحكم أعاد الأمور إلى الوراء، وبدأت مرحلة انعطاف استراتيجي في العلاقة بين البلدين (انظر مقالنا حول العلاقات السعودية الأميركية).
وهكذا، يبدو أنَّ السعودية ابتعدت عن السياسة البراغماتية التي كانت تطبع حكامها السابقين، بدليل سياسة “الحرد” المستمرة التي يمارسها ابن سلمان في لبنان (مركز نفوذ تاريخي للسعودية)، إضافة إلى ظهور قوى إقليمية خليجية أخرى تؤمّن للأميركيين مصالحهم بطريقة أفضل وببراغماتية وأقل حساسية للجمهور الأميركي من السعودية (بسبب مقتل خاشقجي، وسجل حقوق الإنسان، والتورط المزعوم في أحداث 11 أيلول/ سبتمبر).
وهكذا، يحاول بايدن الاتجاه إلى توكيل قوى أخرى للاضطلاع بدور الموازن في المنطقة، في المناطق التي كانت تقوم بها السعودية سابقاً، ومن هؤلاء الإمارات وقطر ومصر والأردن.
– الإمارات تقود مسيرة دمج “إسرائيل” في المنطقة
بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، استعانت الإمارات بجماعات ضغط داخل واشنطن، وضخَّت ملايين الدولارات للدفع بالسياسات الخارجية الأميركية لدعمها، سواء إعلامياً أو سياسياً، وللتأثير في الانتخابات الأميركية في العام 2016.
وكان مركز السياسة الدولية قد أصدر دراسة بعنوان “اللوبي الإماراتي: كيف تفوز الإمارات في واشنطن؟” تناولت نفوذ أبو ظبي في الولايات المتحدة. وتعتبر الإمارات من أهم المستثمرين في الاقتصاد الأميركي، وثالث أكبر زبون للأسلحة الأميركية.
منذ “الربيع العربي”، بدا الانخراط الإماراتي واضحاً على مساحة الجغرافيا الممتدة على خريطة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا. ولعلّ الانخراط الأكبر كان في اليمن، إذ استطاعت الإمارات أن تسيطر على مراكز استراتيجية مهمة، منها جزيرة سقطرى، ودعمت الانفصالي الجنوبي، ما أثار استياء السعودية وحلفائها في اليمن.
ولم يخفِ الإماراتيون طموحهم بالتحول إلى دولة إقليمية فاعلة، ففي أحد المؤتمرات في لندن (26 تموز/يوليو 2018)، كان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية صريحاً بإعلانه “أن بلاده مستعدة لتحمّل المزيد من العبء الأمني في الشرق الأوسط، لأنها لا تستطيع الاعتماد بعد الآن على العمليات العسكرية لحليفتيها الولايات المتحدة وبريطانيا”.
ساهمت المشاركة الإماراتية في الحرب الأميركية على الإرهاب، ونجاحها في تحقيق نفوذ استراتيجي في العديد من الدول (أحياناً على حساب السعودية نفسها)، في أن تحجز الإمارات لنفسها موقعاً مهماً في المنطقة وفي الاستراتيجية الأميركية، ولكنَّها – كما يبدو – تسعى إلى المزيد من النفوذ والدور.
لذا، تقوم بسياسة براغماتية تدفعها إلى محاولة تصفير المشكلات مع الدول الأخرى، منها سوريا وإيران وتركيا، إذ التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة مؤخراً.
يبقى الأهم على الإطلاق بالنسبة إلى الأميركيين، قيادة الإمارات لملفّ التطبيع مع “إسرائيل”، ما يجعل منها شريكاً مهماً للولايات المتحدة، ويعطيها دوراً ومكانةً أساسية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة.
إذاً، تضطلع الإمارات بدور أساسيّ في المنطقة بتوكيل أميركي، ومهمّتها حيوية، لكونها الدولة التي يمكن الاستفادة منها في تقديم المساعدات الإنمائية، إذ يحتاج الأميركيون إلى صرفها لتأمين بعض عوامل الاستقرار في بعض الدول المعرّضة للفوضى، والأهم قيادة مسيرة إدماج “إسرائيل” في المنطقة، انطلاقاً من توقيع اتفاقيات التطبيع، واستعمال الاقتصاد والاستثمارات لتنمية المجتمع الإسرائيلي واستقراره، وصولاً إلى توقيع اتفاقيات تكاملية بين دول التطبيع و”إسرائيل”، والهدف جعل الأخيرة كياناً مقبولاً وغير منبوذ في المنطقة.