السلام في اليمن.. دائرة مفرغة من الجدل والنزاعات المعقدة
صنعاء – عبدالرحمن بن عطية
مع تزايد حدة النزاع الذي يعيشه اليمن منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015، تزداد حاجة اليمنيين اليوم إلى سلام شامل يضمن إسكات صوت البنادق وإعلاء صوت السياسة والحوار وعودة المفاوضات التي لا تعد تنازلًا، بل التزامًا على جميع الأطراف المتنازعة.
وحسب الأمم المتحدة، يواجه اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، وما زالت الأحداث فيه تمضي نحو منعطف مصيري قد يبدد جميع فرص السلام، ويُدخل البلد في واقع جديد يتسم بمزيد من التشظي والانهيار. وهو ما يضع جميع الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي أمام ضرورات حتمية لإنجاز مسار سياسي تفاوضي، ينهي الصراع ويحقق السلام الذي يتعطش له اليمنيون منذ نحو سبع سنوات عجاف يابسات.
فشل المفاوضات السابقة
لا يختلف اليمنيون على ضرورة وقف آلة الحرب، لكنهم بدؤوا يفقدون الأمل في قدرة أطراف النزاع على التوصل إلى اتفاق سلام يمهّد الطريق أمام عملية انتقال سياسي جديدة.
فقد مرت العملية السياسية بمخاض عسير، تمثل بتنفيذ (7) مفاوضات واتفاقيات، آلت جميعها إلى الفشل؛ ابتداءً باتفاق السلم والشراكة في سبتمبر/ أيلول 2014، ومفاوضات جنيف(1) في حزيران/ يونيو 2015، وصولًا إلى اتفاق ستوكهولم أواخر 2018، بين الحكومة والحوثيين، إضافة إلى “اتفاق الرياض” الأخير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي لم ينجز كاملًا حتى اللحظة.
وسط دائرة مفرغة، تفشل في كل مرة جهود المحادثات؛ بسبب عدم موافقة الأطراف حول ترتيب التنازلات، فالحكومة المعترف بها دوليًّا تريد أن يتم نزع سلاح جماعة أنصار الله (الحوثيين) وانسحابهم من المناطق التي تسيطر عليها قبل التوصل إلى اتفاق سياسي؛ بينما يريد الحوثيون الاحتفاظ بأسلحتهم إلى أن يتم التوصل إلى الاتفاق المذكور، بحجة أن مطالب الحكومة المعترف بها دوليًّا ستكون بمثابة استسلام.
معوقات في طريق السلام
رغم توفر الإرادة السياسية الدولية لإيجاد حل سلمي في اليمن إلا أن جهود صناعة السلام تصطدم بالكثير من المعوقات؛ منها ما هو ذو طابع ديناميكي؛ على سبيل المثال، فإن حركة الدبلوماسية الدولية تجاه الأزمة اليمنية أبطأ بكثير من حركة الأحداث الميدانية على الأرض، وهو ما يؤخر جهود الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة للولوج في عمليات التفاوض والتسوية السياسية.
ويعتري الوضع السياسي مستويات عدة من الانقسام؛ بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين) من جهة، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب التجمع اليمني للإصلاح والرئيس المعترف به دوليًّا من جهة أخرى، وبين الأحزاب السياسية التقليدية ومنظمات المجتمع المدني المقصية من المشهد وسلطات الأمر الواقع المسلحة من جهة ثالثة. إضافة إلى تعقيدات وتعدد القوى الخارجية الداعمة لمختلف الأطراف المحلية من جهة رابعة.
“جماعة أنصار الله (الحوثيين) باتت مغرمة بتكرار السيناريو الأفغاني، وترى أن لديها القوة اللازمة لفرض إرادتها في البلاد دون الحاجة لتقديم تنازلات”، هكذا قال الصحفي والمحلل السياسي حسام ردمان عن أبرز المعوقات التي تواجه العملية السياسية بحسب “خيوط”. وأضاف: “ثمة مشاكل بنيوية تتعلق بالتناقضات البينية المناهضة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، والحاجة الماسّة لإنجاح اتفاق الرياض بين الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره “تسوية انتقالية” تقود إلى التسوية الشاملة في اليمن”.
كما أن تآكل سلطة الدولة، وضعف دور الحكومة المعترف بها دوليًّا بحكم الفساد المالي والعجز السياسي والعسكري يعقد من عمليات الإصلاح المؤسسي ومن جهود السلام، ويجعل ميزان القوى الاستراتيجي مختلًّا على الدوام لمصلحة الأطراف المسلحة؛ كي تفرض هيمنتها بمنطق الأمر الواقع بدلًا من الانخراط في تسوية سياسية.
دعوات متكررة لإنهاء النزاع
لا يتوقف المجتمع الدولي على حث أطراف النزاع في اليمن لاستغلال فرص تحقيق السلام ووقف النزيف الجارف بين اليمنيين؛ من خلال الدخول في عملية تفاوضية عاجلة بحسن نية دون شروط مسبقة.
وفي هذا الإطار، تحدث المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن السيد هانس غروندبرغ، في إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن، عن ضرورة إيجاد حل شامل في اليمن، وتلك أطروحة يراها مراقبون مبشرة إلى حد ما، قد تسهم في استكمال جهود الوساطة التي تبددت فاعليتها سابقًا بين الأطراف المتنازعة.
ويرى المحلل السياسي هشام الكاف “أن أهم مؤشرات الدخول في مفاوضات سياسية جديدة يعتمد على مقدار الضغط الدولي الذي يوجه ضد جميع الأطراف لوقف التصعيد العسكري بشكل فوري”.
ضرورات الحل السياسي
عدة مهام ضرورية تواجه المبعوث الأممي الجديد والأطراف اليمنية التي باتت تتملكها الرغبة والقناعة بوجوب وقف الحرب وإعادة المسار السياسي إلى نصابه بصورة شمولية.
وعن تلك المهام، يقول حسام ردمان: “إن النسق العسكري بين الحوثيين وقوات الحكومة المعترف بها دوليًّا الذي تتركز بؤرته الساخنة حاليًّا في محافظتي شبوة ومأرب؛ يأخذ أولوية تستوجب تدخلًا عاجلًا لوقف هذا التصعيد، على غرار ما حدث في الحديدة”.
وعن العملية السياسية التي يعتريها الكثير من الانقسام، رجّح ردمان أنه “قد يستلزم على المبعوث الأممي تبني صيغة أشمل للمفاوضات السياسية القادمة،ء تدمج القدر الأكبر من أصحاب المصلحة في السلام، على الأقل في المرحلة الثانية التي تعقب الاتفاق على وقف إطلاق النار”.
كما تنضوي مهمة المبعوث الأممي على التدخل لإحداث إصلاحات عاجلة في المؤسسات الاقتصادية، لا سيما في العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا عدن، مع الحرص على تحييدها قدر المستطاع عن ديناميكيات الصراع السياسي، وذلك مقابل حشد الدعم الدولي لإنقاذ أسعار العملة.
تحريك العملية السياسية
على وقع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي شهدتها بعض المحافظات الجنوبية في اليمن منذ بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، المطالِبة بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي الذي يشهد انهيارًا دراماتيكيًّا، وينذر بانفجار اجتماعي يغذي عمليات العنف- أصدرت ما يسمى بالدول الرباعية، وهي السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا -في منتصف الشهر الماضي- بيانًا شدّد على ضرورة عودة الحكومة المعترف بها دوليًّا إلى عدن، إضافة إلى التزامهم بحل سياسي شامل في اليمن.
أسفر عن تلك التحركات والدعوات، عودة الحكومة اليمنية مؤخرًا إلى عدن -نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي- وسط ترحيب وتفاؤل دولي ومحلي بأن تسهم هذه العودة في إيجاد معالجات حقيقة للأوضاع الراهنة، خصوصًا في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، والتهيئة لاستئناف العملية السياسية خصوصًا فيما يتعلق بإنجاز “اتفاق الرياض”.
وعن إمكانية إعادة صياغة مفهوم السلام لدى الأطراف المتنازعة أشار هشام الكاف خلال حديثه إلى ثلاث طرق رئيسية؛ “أولها: البدء بعملية تغليب مبدأ حسن النية من كل طرف؛ لتوسيع دائرة المشاركة السياسية متعددة المسارات. ثانيًا: القيام بإجراءات عملية إجبارية من كل طرف حتى يبرهن جدوى حسن النية التي تم الاتفاق حولها. ثالثًا: توليف حزمة عقوبات، ومن ضمنها الإشهار بالطرف المعرقل حتى يمكن صياغة سلام عادل يحقق صورة مستقبلية أفضل لما بعد الحرب”.
وتلخيصًا لما سبق ذكره، ينبغي النظر إلى عملية السلام في اليمن من منظور المشاركة المتعددة، التي تشمل كافة شرائح المجتمع؛ ابتداءً من المكونات المحلية الفاعلة، وصولًا إلى القيادة السياسية الوطنية.
وبالتالي، فإن عملية السلام متعددة المسارات هي السبيل الأمثل للمضي قُدمًا، فالتغيير يبدأ من الداخل، والعمل على الصعيد المحلي جوهري وأساسي. فمن هنا يمكن البناء والسعي للوصول إلى سلام ناجز وعادل.