بقلم| حسين السهيلي
نعلم في المجتمع المدني جيداً حجم المعوقات والصعوبات التي تواجه عمل المنظمات المحلية في اليمن، من قبل المنظمات الأممية والدولية والمانحين، والجهات الحكومية والسلطات المحلية والقطاع الخاص، بالرغم من الدور الحيوي الذي قامت به ولاتزال خلال سنوات الحرب التي اشتعلت منذ العام 2015 م، حيث كانت المنظمات المحلية هي الحاضر الوحيد في حفظ الرمق الأخير من الحياة المعيشية للناس في المدن والأرياف عندما غابت المؤسسات الحكومية وانهارت الخدمات، وغادر الكثير من رجال المال والأعمال البلد لاستثمار الأموال في الخارج، وعجزت المنظمات الأممية والدولية عن الوصول إلى المجتمعات المحلية في مناطق النزاع بدافع الخوف على حياة طواقمها وموظفيها.
واليوم وبعد سبع سنوات من عمل المنظمات المحلية في اليمن في مجالات الاستجابة الإنسانية الطارئة، واستعادة الخدمات وسبل العيش، والمحافظة على التماسك الاجتماعي، راكمت خلالها الخبرات في العمل الإنساني والتنموي، وطبقت الكثير منها المعايير العالمية في الحوكمة والشفافية والمساءلة، والتحق بها الآلاف من المتطوعين الذين كانت مدرستهم الأولى المنظمات المحلية، وهم اليوم الموظفين المؤهلين الذين تستقطبهم المنظمات الأممية والدولية التي تتنصل من التزامات الشراكة الحقيقية مع المنظمات المحلية، وذلك بتوطين العمل الإنساني في اليمن وتنفيذ مضامين “الصفقة الكبرى” و ” الميثاق من أجل التغيير”.
وفي الوقت الذي كانت المنظمات المحلية المستجيب الأول لاستغاثة المدنيين من جحيم وتبعات الحرب الكارثية، وقامت بالواجبات والمهام التي هي في المقام الأول مسؤولية المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية الملزمة بتوفير الخدمات؛ فإن منظمات المجتمع المحلية في اليمن تتعرض اليوم لعراقيل وإجراءات بيروقراطية، واشتراطات وقيود تعسفية من قبل الجهات الحكومية والوزرات والهيئات العامة، التي يفترض بأنها السند الأول للمنظمات المحلية والداعم الفعلي لتوطين العمل الإنساني في اليمن، لأن وجود منظمات محلية فاعلة وقوية يخفف الكثير من الأعباء على الجهات الحكومية، ويساند جهودها في توفير الخدمات وتلبية احتياجات السكان، فالمنظمات المحلية هي الحاضرة قبل الأزمات وخلالها وبعدها.
وبالرغم من جهودنا الحثيثة في منظمات المجتمع المدني لبناء شراكة حقيقة مع القطاع الخاص في اليمن، من أجل البناء والتنمية، فإنه يتنصل عن تفعيل المسؤولية الاجتماعية التي تحدث أثراً وتغييراً حقيقياً في واقع المجتمعات المحلية، وتظهر الدور الوطني للقطاع الخاص تجاه هذا البلد الذي يمثل السوق المستهلك لمنتجاته والحاضن لاستثماراته.
ندرك نحن في منظمات المجتمع المدني الصعوبات والتحديات التي يتعرض لها القطاع الخاص ورؤوس الأموال، ومنها تردي المناخ الاستثماري، وازدواجية النظام الضريبي، والزيادة الكبيرة في الرسوم الجمركية على البضائع غير الأساسية، لكن ذلك لا يعفي القطاع الخاص من مسؤولياته الاجتماعية وبناء شراكة حقيقية مع منظمات المجتمع المدني، ودعم مقترحاتها ومشاريعها في التنمية المحلية والحفاظ على البيئة وريادة الأعمال، وتقديم التمويلات والتسهيلات، والقروض الميّسرة للمشاريع المتوسطة والصغيرة. وبدون بناء شراكة حقيقية بين منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الحكومية، سيبقى من المستبعد للغاية حدوث إعادة إعمار أو تحقيق استقرار ونهوض اقتصادي وتنموي بعد انتهاء النزاع.
كما تقع علينا في منظمات المجتمع المدني مسؤولية إدراك الدور المنوط بنا، ومعرفة نقاط ضعفنا وقوتنا، بلم شتاتنا وتوحيد رؤيتنا وأهدافنا، ومد قنوات التواصل والحوار مع كافة الشركاء والأطراف والمنظمات الأممية والدولية، ككيان موحد له قوته وحضوره الفاعل الذي يمثل المجتمع بفئاته وشرائحه المتعددة.
إن استمرار منظمات المجتمع المدني في تأدية دور الشريك المنفذ لبرامج ومشاريع المنظمات الأممية والدولية، والاكتفاء بتسيير أعمالها بالقليل من الفتات، وعجزها عن الوصول والحصول على التمويل المباشر، واعتمادها على المانحين في تحديد الأولويات والتدخلات، يمثّل تحديات حقيقية تعيق استدامة المنظمات المحلية.
كما أن منظمات المجتمع المدني المحلية اليوم على المحك والاختبار الحقيقي من أجل ترجمة عملية لـ”مبادرة توطين العمل الإنساني في اليمن”، التي كان لي شرف تبني اطلاقها والتنسيق لها، وتحملت في سبيلها مسؤوليات ومتاعب كثيرة، لكن ما يحفزني في المضي قدماً هو التفاعل الجاد من الزملاء والزميلات في المنظمات والمؤسسات المدنية، والتجاوب الإيجابي من قبل المسؤولين في الجهات الحكومية، ولقاءاتنا بمنسق الشؤون الإنسانية ومدير مكتب “أوتشا” في اليمن، وأمين عام المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية “سكمشا “، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي في عدن، وممثلي عدداً من المنظمات الدولية والشبكات والائتلافات المدنية العربية والعالمية، والاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، حيث لمسنا من الجميع الإقرار بمشروعية “توطين العمل الإنساني”، ويحدونا الأمل الكبير والثقة الكاملة في التوصل إلى استراتيجية موحدة لشراكة حقيقية مع كافة الأطراف لخدمة السلام والاستقرار وإعادة الاعمار بما يحقق الأهداف المشتركة للجميع.
وفي الأخير أوجه الدعوة الى كافة الزملاء والزميلات في منظمات المجتمع المدني، باستشعار دورنا وتوحيد رؤيتنا، وتغيير الصورة السلبية عنّا، كما أناشد الجهات الحكومية أن تؤمن بدور منظمات المجتمع المدني كشريك حقيقي في بناء السلام والتنمية. وعلى القطاع الخاص الانتقال من الاعمال الخيرية التي لا تتجاوز الصدقة والإحسان إلى تفعيل المسؤولية الاجتماعية التي تلمس نتائجها المجتمعات المحلية، وعلى المانحين و المنظمات الأممية والدولية أن تدرك بأن تحسين فاعلية وأثر العمل الإنساني وكفاءته لن يتحقق إلا بتوطين العمل الإنساني في اليمن، من خلال أجندة والتزامات التوطين في إطار “الصفقة الكبرى”، و”الميثاق من أجل التغيير”، وربط الاستجابة الإنسانية بالتنمية والتمكين الاقتصادي، وتعزيز دور المنظمات المحلية في منظومة العمل الإنساني.
*منسق مبادرة توطين العمل الإنساني في اليمن – رئيس مؤسسة تمدين شباب