تعز.. ضحية اتهامات “الانتقالي” بالتآمر على عدن
عدن – معاذ صالح
نفذت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، حملة اعتقالات جديدة واسعة بحق أبناء تعز في محافظة عدن؛ على خلفية الأحداث التي شهدتها مدينة كريتر (عدن القديمة) خلال اليومين الماضيين.
وجاءت الحملة بناء على بيان رسمي من المجلس الانتقالي اتهم فيه أبناء تعز بالوقوف وراء ما أسموها “المؤامرة” لإسقاط عدن، عبر المواجهات المسلحة التي دارت في مدينة كريتر السبت الماضي، بين فصائل مسلحة تابعة للمجلس نفسه.
وأفادت مصادر محلية وناشطون في عدن بأن عملية اعتقالات واسعة طالت العديد من أبناء محافظة تعز في مدينة كريتر، مسرح الأحداث الأخيرة.
وأكدت مصادر وسكان محليون في مدينة كريتر أن حملة الاعتقالات ضد أبناء تعز تركزت ضد أبناء منطقة “الصلو” ممن يمتلكون محلات خياطة وبساطات في حي الطويلة بكريتر، الحي الذي دارت فيه المعركة، أو مقيمين في المدينة بشكل عام.
مشيرين إلى أن تكريس حملة الاعتقالات بحق أبناء “الصلو” جاءت على اعتبار أن القيادي “إمام النوبي” الذي قاد ما وصفوها بـ “المؤامرة” ترجع أصوله إلى محافظة تعز وتحديدا إلى منطقة “الصلو”.
وكانت فصائل عسكرية تابعة للمجلس الانتقالي نشرت مقاطع فيديو لعملية اعتقالات لعدد من أبناء تعز خلال حملتها التي دشنتها في اليومين الماضيين في مدينة كريتر.
حيث أظهرت المقاطع الشباب المعتقلين من أبناء تعز معصوبي العينين ونصف عراة، ويبدو عليهم الخوف والهلع مما ينتظرهم من مصير مجهول بعد أن أجبرتهم قوات الانتقالي على الاعتراف بالمشاركة في القتال مع القيادي “إمام النوبي” قائد أبرز فصائل المجلس الانتقالي بمدينة كرتير الذي قاد المواجهات المسلحة ضد القوات التابعة للمجلس الانتقالي، والذي يتواجد حالياً -بحسب مصادر مطلعة- في مقر التحالف بمديرية البريقة بعد السماح له بمغادرة مدينة كريتر، عقب تدخل لجنة وساطة من قيادات بارزة في المجلس الانتقالي يقودها أخوه العميد مختار النوبي، قائد محور أبين – نائب قائد قوات الأحزمة الأمنية التابعة للانتقالي.
وأثار الخطاب المناطقي والتحريضي الرسمي من المجلس الانتقالي وحملة الاعتقالات والممارسات التعسفية التي تمارسها قواته بحق أبناء تعز، أثارت موجة غضب واسعة النطاق عبر عنها ناشطون سياسيون وإعلاميون ومواطنون من مختلف المحافظات اليمنية، معتبرين ذلك تكريسا لمبدأ العنصرية وتعميقاً للفجوة بين أبناء الوطن الواحد، بالإضافة إلى أنه استهداف واضح للنسيج الاجتماعي اليمني، وفق تعبيرهم.
أزمة حقيقية
وحول إلقاء قوات المجلس الانتقالي القبض على عشرات الشبان من أبناء محافظة تعز في عدن على خلفية أحداث كريتر الأخيرة واعتبار ذلك بمثابة انتصار أمني كبير لهم بعد اتهامهم بأنهم خلية تابعة للقيادي العسكري التابع للمجلس “إمام النوبي” قائد تلك المعركة ضد قوات المجلس، السبت الماضي، قال الباحث في العلاقات الدولية، عادل المسني، إن “المليشيا دائما ما ترتكز على مفاهيم طائفية أو مناطقية، وتعتمد على الإثارة من أجل بقائها أو سيطرتها، كما يفعل الانتقالي في عدن”
معتبرا ما حدث في كريتر “يعكس أزمة حقيقية وصراع أجنحة داخل الانتقالي نتيجة صراعات مناطقية بين مكوناته”.
وأوضح المسني، خلال حديثه لبرنامج “المساء اليمني” على قناة “بلقيس”، مساء أمس الأول، أن “ثقافة الكراهية والمناطقية تُعتبر خطاً ثابتاً لدى المجلس الانتقالي منذ سيطرته على عدن”.. لافتا إلى أن المجلس “يشهد أزمة ثقة بين مكوناته”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “أزمة 86 تعود إلى عدن مجددا”.
وفيما يتعلق باتهامات المجلس الانتقالي لأبناء تعز بالتورط في أحداث كريتر أو غيرها من الأحداث السابقة في عدن التي يسارع المجلس لاتهامهم بتنفيذها، يوضح الباحث في العلاقات الدولية، عادل المسني، أن “الانتقالي هو مليشيا قامت على أساس المناطقية، وهو ما يفرز هذا السلوك المناطقي الذي تمارسه المليشيا ضد أبناء تعز وغيرها من المناطق التي لا تنتمي إلى مناطق المليشيا”.
عنصرية مقيتة
بدورها اعتبرت الناشطة سها حسن أن خطاب المجلس الانتقالي التحريضي ضد أبناء تعز في عدن وتنفيذه حملات اعتقالات واسعة ضدهم فقط لأنهم أبناء تعز يعتبر ذلك عنصرية مقيتة ونتنة وأفعال إجرامية مكتملة الأركان”.
وأضافت “محسن” للمشاهد أن “ما تقترفه القوات التابعة للمجلس الانتقالي من ممارسات تعسفية بحق أبناء تعز خاصة وأبناء المحافظات الشمالية بشكل عام في عدن أعمال إجرامية ضد الإنسان وفق المواثيق والعهود الدولية لا تقل عما تقوم به جماعة الحوثي في العدوان على الحقوق الأساسية للمواطنين في مناطق سيطرتها”.
تخبط واضح
وعلق الصحفي أحمد ماهر على حملات الاعتقالات التي تنفذها القوات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بحق أبناء تعز في عدن على خلفية أحداث كرتير الأخيرة، بالقول: “إن بنية الانتقالي وتشكيلته تقوم على أساس مناطقي، كما أن الكثير من أبناء تعز لديهم تواجد تاريخي وقديم في عدن بحكم ترابط أبناء الوطن الواحد”.
وأوضح أن “الانتقالي هو من يتحمل مسؤولية كل شيء في عدن من فوضى أو قتل أو اشتباكات، كون جميع التشكيلات المتواجدة في عدن تابعة له”.
وأردف ماهر أن المجلس الانتقالي متخبط بشكل واضح “كونهم يتهمون من يختلف معهم بأنه شمالي أو تعزي، وإن كان معهم بالأمس، كما فعلوا مع إمام النوبي الذي كان قائدا معهم، وكان الانتقالي يشيد بأعماله قبل الاختلاف معه”.
عنجهية
إلى ذلك وصف الناشط السياسي يوسف صالح ما تمارسه قوات المجلس الانتقالي بحق أبناء المحافظات الشمالية وأبناء تعز خاصة في عدن بعد كل حدث وواقعة دون وجه حق بـ “العنجهية” واعتبرها “اعتداءات ومخالفات للقانون ولكل مواثيق المواطنة وحقوق الإنسان”.
وأضاف “يبدو أن هناك توجها لممارسة أفعال عنصرية في عدن بشكل غير مسؤول توازي الانتهاكات التي تمارسها جماعة الحوثي ضد الأقليات والمستضعفين من أبناء الوطن”.
وتابع بالقول: “ما يتعرض له أبناء تعز على وجه الخصوص في عدن من ممارسات لا أخلاقية من قبل قوات المجلس الانتقالي لا تسقط بالتقادم”، داعيا المنظمات الحقوق إلى فتح تحقيق رسمي حول ذلك.
وعبر الناشط السياسي يوسف صالح للمشاهد عن أسفه “لما تقوم به قوات عسكرية مدججة بالسلاح باستعراض عضلاتها على مجموعة من المواطنين العزل الذين يفترض بها حمايتهم وليس إهانتهم لأسباب مناطقية وعنصرية”، حد قوله.
تعميق الفجوة
الكاتب الصحفي أحمد نوري، من جانبه اعتبر تلك “الأعمال العدائية” ضد أبناء تعز والمحافظات الشمالية بشكل عام في عدن “تعكس رغبة أطراف سياسية في تعميق الفجوة المجتمعية بين أبناء الجنوب والشمال”.
وأردف “نوري” أن “هناك أطراف إقليمية لديها مشاريع صغيرة تغذي مثل تلك الممارسات التعسفية، ولديها أجندة خاصة لتعزيز الانقسام المجتمعي في البلاد”.
مستدركا بالقول: “لكن تلك الأجندة لا تتناسب مع مطالب أي طرف محلي، وهي بذلك تتناقض مع مفهوم العدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، وغيرها من المواثيق الأساسية التي تقوم بموجبها الدول والحكومات”.
من جهته شدد الناشط الاجتماعي سليم نعمان على أن “ردود الأفعال المتشنجة واعتقال الأبرياء من أبناء تعز في عدن والاعتداء والتنكيل بهم على خلفية أحداث ووقائع لا علاقة لهم فيها ليس علاجا للأحداث المؤسفة التي تحدث في عدن”، داعيا المجلس الانتقالي إلى “البحث عن المسؤولين الحقيقيين عن أحداث كريتر الأخيرة أو غيرها من الأحداث السابقة، وليس الاعتداء على البسطاء وقطع أرزاقهم”.
تعبئة خاطئة
بدورها اعتبرت الناشطة الحقوقية سهام مهدى ما يحدث في عدن من انتهاكات لأبناء تعز “نتاج طبيعي للتعبئة الخاطئة والمقيتة ضد كل من ينتمي للمحافظات الشمالية”.
مؤكدة في الوقت ذاته أن “المضايقات التي تمارس بحق أبناء تعز والمحافظات الشمالية في عدن تمثل خروجا عن القانون وانتهاكا للحقوق والحريات التي نصت عليها القوانين الوطنية قبل الدولية”.
وحذرت الحقوقية “سهام مهدي” من أن “من شأن تلك الأفعال التعسفية تكريس الانقسام والتشظي بين أبناء الشعب، خاصة وأن الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية يرفضونها”.
لماذا أبناء تعز؟
وعن سبب تكريس الانتهاكات والممارسات التعسفية في عدن بحق أبناء محافظة تعز دون غيرهم من أبناء المحافظات الشمالية، يرى المحلل السياسي مازن ربيع أن هناك قوى إقليمية (والتي أسماها “المستثمر الجديد”)، “أدركت أنها لن تحظى بفرصة الهيمنة الحقيقية على الجنوب وهناك اتصال ديمغرافي مع الكتلة السكانية الهائلة في تعز التي تشكل الجذر الحقيقي لمعظم سكان عدن”.
واستطرد ربيع في حديث خاص أن هذه القوى الإقليمية الداخلة ضمن تحالف دعم الحكومة اليمنية “اعتمدت خطة لمحاصرة تعز، فكان حصار الحوثيين للمحافظة ليس أكثر سوءا من الحصار الذي يفرضه غوغاء وعساكر (…) الذين تحولوا إلى أحزمة أمنية ومسميات أخرى بينها المجلس الانتقالي الجنوبي”.
وأكد أن هذه القوى تحمل حقدا دفينا لأبناء تعز، وظهر ذلك جليا حين تفادت إشراك أبناء تعز في ألوية تحرير مناطق تتبع محافظتهم في الساحل الغربي في 2016.
وأوضح أنها استمرت بشن حملة كراهية وتحريض حتى يومنا هذا ضد أبناء تعز، مشيرا إلى أن “ما يجري في عدن هو استمرار لهذه الحملة عبر أدواتها المتمثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة له”.
تجدر الإشارة إلى أن أبناء المحافظات الشمالية وأبناء تعز على وجه الخصوص يتعرضون باستمرار لأعمال تضييق وحملات ترحيل وتهديم وحرق لبسطاتهم التي يعلمون عليها في عدن، والتي تعتبر مصدر دخلهم الوحيد.
كما تشهد عدن بين فترة وأخرى عمليات اقتحامات لمنازل بعض أبناء المحافظات الشمالية من قبل قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي دون ادنى اعتبار لترويع الأطفال والنساء.