شد وجذب بين تجزئة الحلّ في اليمن والسلّة الواحدة.. والرياض تتجه شرقاً نحو طهران
حيروت – حمزة الخنساء
تُلقي التطورات الميدانية المسجّلة على تخوم مدينة مأرب، بظلالها على التطوّرات السياسية الجارية خلف الكواليس ربطاً بالملفّ اليمني. هنا، لا يَفصل البعض أيّ حراك سياسي بين الدول الفاعلة على خطّ اليمن، عمّا يرشح عن اللقاءات السعودية – الإيرانية الجارية في العاصمة العراقية، ما بات يُحمّلها تأويلات وتفسيرات «متسرّعة» تارةً، وتارة أخرى يُقصد منها «جسّ النبض» عبر ردود فعل الأطراف المعنيّة. الثابت الوحيد حتى اللحظة هو أن المفاوضات الإيرانية – السعودية جارية في العاصمة العراقية، وأن الجولة الرابعة منها، والأولى في عهد حكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، قد تمّت بالفعل. إلّا أن مصادر مطّلعة على أجواء اللقاءات البغدادية تؤكد وجود «فصل تامّ بين تفاصيل الملفّ اليمني، وتفاصيل المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين»، موضحةً أن البحث في الشأن اليمني «يقتصر على تشديد إيران على ضرورة توجّه السعودية مباشرة إلى حكومة صنعاء من أجل التفاوض معها حول تفاصيل الملفّ، بما يؤدي إلى تفاهمات تفضي إلى وقف الحرب ورقع الحصار»، مضيفة أن «الموقف الإيراني هذا يأتي على الدوام جواباً على أسئلة سعودية كثيرة حول ما يمكن أن تقدّمه طهران للرياض في الشأن اليمني». وتشير المصادر إلى أن «العلاقة بين طهران وأنصار الله تميزّها الندّية والاحترام المتبادل»، وعليه فإن «طهران لا تنوب عن أنصار الله في المفاوضات المشتركة مع السعودية، إنْ في بغداد أو حتى في ما لو تطوّرت العلاقة بين البلدين إلى حدود عودة العلاقات الدبلوماسية والزيارات المباشرة». وتُبيّن المصادر أن نتائج المفاوضات الدائرة في بغداد «ليست استثنائية، ولم تَنتج منها أيّ تحوّلات جوهرية حتى الآن، فالمفاوضون من الطرفَين ليسوا من المستوى الدبلوماسي الذي يسمح لهم باتّخاذ قرارات، أو الالتزام بتعهّدات جوهرية»، مستدركةً بأن «الجولة الأخيرة، على وجه الخصوص، حملت استمراراً للبوادر الإيجابية التي سادت في الجولات السابقة، لكنها كانت تأسيسية بالنسبة إلى الوفد الإيراني في ظلّ الحكومة الجديدة»، بحسب الأخبار.
وبالعودة إلى اليمن، يمكن القول إن قناعة بضرورة وضح حدّ للحرب في اليمن، باتت متشكّلة لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والفريق المقرّب منه المعنيّ بالملفّ اليمني. ولا فرق في ما إن كانت هذه القناعة قد تبلورت تحت «الترغيب أو الترهيب»، إلّا أنها تعزّزت إثر زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الأخيرة للرياض، والتي سبقها تصريح لـ«مسؤول كبير في الإدارة الأميركية»، نقلته وكالة «أسوشيتد برس»، قال فيه إن «البيت الأبيض أدرك أن إنهاء الصراع الأكثر تعقيداً في العالم ربّما، لا يمكن أن يتمّ من دون التعامل مع كبار المسؤولين السعوديين وجهاً لوجه»، ما وُضع في إطار الضغوط التي تحاول واشنطن ممارستها على الرياض للتحرّك نحو وقف إطلاق النار. على أن الكباش الدائر الآن يتمحور حول وجهات نظر متعدّدة في شأن الحلّ الشامل في اليمن، أهمّها اثنتان:
– الأولى سعودية، تَعرض الحلّ على أجزاء أو مراحل، وتقوم على مبدأ «خُذْ وهات»، بمعنى أن تعرض السعودية حلّاً لمشكلة المشتقّات النفطية مثلاً، وتطلب مقابلها من «أنصار الله» وقف التقدّم نحو مأرب، وهكذا… ما يضع كلّ الملفات اليمنية، الداخلية منها والمرتبطة بمتعلّقات خارجية، في بازار المقايضة والتسويف.
– الثانية يمنية، وتُصرّ بموجبها حركة «أنصار الله» على أن يكون الحلّ «سلّة واحدة» متكاملة، بمعنى أن يتمّ وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الأجنبية من كامل الأرض اليمنية، على أن يلي ذلك انطلاق جلسات الحوار / المفاوضات اليمنية – اليمنية، بحيث يتولّى اليمنيون بأنفسهم اختيار الشكل المناسب لإدارة البلاد في مرحلة ما بعد العدوان.
هكذا، «تخطّى البحث اليوم جزئية ما إن كانت السعودية تقبل بوقف إطلاق النار أم لا تقبل، ووصل إلى مرحلة كيفية إقناع ولي العهد السعودي بأنه قد خسر الحرب، وبالتالي لا يحق له وضع الشروط، ولا شيء أمامه سوى الموافقة على وقف النار وفق السلة المتكاملة التي تعرضها أنصار الله»، بحسب المصادر نفسها، التي تكشف أن «الأوروبيين وحتى الأميركيين باتوا يتصرّفون على هذا النحو»، متابعة أن «موقف صنعاء قوي، وهو يزداد صلابة ربطاً بالتطورات الميدانية من جهة، وربطاً بتطوّرات الكواليس السياسية من جهة أخرى، فالسعودية صارت مستعدّة للتواصل مع أيّ طرف تعتقد أنه يستطيع أن يجد لها سبيلاً للخلاص من وحول اليمن المتحرّكة بأقلّ الخسائر الممكنة، حتى ولو شكلياً، وهذا ما دفعها إلى طرْق باب طهران ظنّاً منها أنها قد تجد لديها مخرجاً مشرّفاً».
الأكيد أن التحوّل الاستراتيجي الذي بدأته الولايات المتحدة في المنطقة، يمثّل، بالفعل، أحد العوامل التي تدفع السعودية إلى فتح باب الحديث عن إنهاء العدوان على اليمن، بعدما ظلّت ترفض طويلاً مجرّد التفكير في الأمر، وهو ما حدا بها أيضاً إلى التوجّه نحو «حلحلة» علاقاتها مع إيران، والتي ظلّت على الدوام تتأثّر بالتوجّه الأميركي العام، وهو لا يزال قائماً إلى اليوم. وفي هذا الإطار، تلفت المصادر إلى أن «إيران كانت دوماً تريد لعلاقاتها مع السعودية أن تكون قائمة، إلا أن السعودية هي التي قطعت هذه العلاقات، أمّا اليوم، وقد عادت بعض الحرارة، فإنه من المفيد التذكير بأن طهران أعلنتها مراراً بأنها لا تنوب عن «أنصار الله» في أيّ مفاوضات، فيما يعرف الجميع أن «أنصار الله» لا تتنازل عن مطالبها، خصوصاً بعد سنوات من العدوان وسيل الدماء التي قدّمها الشعب اليمني».