عالم اليمن بالأمس وعُزلته اليوم! بقلم| أنور العنسي
بقلم| أنور العنسي
عشت في اليمن أكثر من ثلاثة أرباع عمري ، لكنني في الواقع عشت في اليمن دولاً أكثر من نصف اليمن الذي عشت.
لتفسير الأمر هو أن اليمن كان منفتحاً على كل العالم من كل الجهات .. كنت تجد فيه الصيني والروسي والأمريكي والفيتنامي والهندي وغيرهم.
وللتوضيح أكثر ، لابد أن زملائي خلال الدراسة الجامعية يتذكرون ان أرخص مطعم لنا كطلاب لتناول وجبة الغداء كان مطعماً فيتنامياًً في شارع الزراعة بصنعاء كان صاحبه الفيتنامي من أصول يمنية يدعى (أبو إسماعيل)!
وأتوقع أن كثيرين ربما يتذكرون زيارة إبراهيم الحمدي لكمبوديا ولقاءه الشهير بملكها (نوردوم سيهانوك) وإتفاقهما على إعادة من يرغب من الكمبوديبن ذوي الأصول اليمنية العودة إلى اليمن.
وخلال عهد إبراهيم شهد اليمن أكبر هجرة عودة للأجانب من أصول يمنية إلى اليمن ، موطنهم الأصلي ، واحتلوا مواقع مهمة في كل مفاصل الحكومة ، من الجيش إلى الخطوط الجوية الوطنية إلى غير ذلك.
كان لإبراهيم في ذلك الوقت رؤية .. “هؤلاء يمنيون أولاً ، وثانياً كفاءات لم ننفق على تعليمها ريالاً واحداً ، وثالثاً طاقات يمكننا من خلالها تغذية دم الدولة”.
وكان لإبراهيم رأي هو أنه ما كان يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون أعظم دولة “لولا أنها فتحت أبوابها للمهاجرين خصوصاً عندما مولت برامج لاستقطاب ما لا يقل عن خمسة آلاف عالِم من ألمانيا وحدها سنوياً”.
لم تكن هذه رؤية إبراهيم في شمال البلاد بل كذلك وجهة نظر رفاقه في الجنوب.
كانت تلك على ما يبدو وجهة نظر مشركة لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الكفاءات ذوات الأصول اليمنية للعودة إلى الوطن والعمل في اليمن كوزراء ورجال أعمال وغير ذلك.
شهدت حينذاك معتركاً لـ (تخصيب) تجربة العمل الوطني في كلا الشطرين وبالطبع بكل ما اخترقها من غدر المحتالين والنصابين واللصوص!
الآن بعد تغول العصابات والميليشيات كيف يمكن لصاحب (عقل) متعلم في خارج اليمن العودة للعيش والعمل اليمن؟
لا أريد أن أبدو مبالغاً إذا قلت أنني عندما أنظر إلى أن خارطة توزع اليمنيين حول العالم بسبب الحرب في بلادهم تدل على أن معظم البنية البشرية من المتعلمين أصبح اغلبها يعيش في مصر ..
المحزن أكثر أن عشرات المليارات من الدولارات تم جرفها من البلد .. جرَفها معهم بعض المتنفذين الأغنياء إلى دول كتركيا وماليزيا والإمارات وغيرها.
إذاً فلا بد من الإعتراف بأنه لم يبق في اليمن سوى اليمن .. صحيح أنه لا يزال فيه الكثير من (الشرفاء) لكنهم ضعفاء ، أغلبهم أعزل من أي وسيلة للعيش ، مُذَل ومُهان وخائف في مدن يتسيدها المسلحون المنفلتون ، ليس بيده أي شي ، لا سلطة ، ولا نفوذ ، أو رأي ، أو دور في إدارة شؤون بلده ، أو حتى مرتب شهري!
لك الله أيها اليمن!