مقالات

أمريكا.. مما عرفناه عنها سنعرف ما سيحدث! بقلم| أنور العنسي

بقلم| أنور العنسي

إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها من الدول الغربية بحق الشعب اليمني في الثورة على نظام الإمامة التقليدي ، وأيدت طموحه في الذهاب نحو نظام جمهوري أفضل وتنمية عامة أشمل.

لكن البيت الأبيض الأمريكي لم يستطع الحؤول دون اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين معسكرين يمنيين في اليمن ، ملكي وجمهوري ، أحدهما تدعمه السعودية بذهبها ومالها ، والآخر يدعمه القومي المصري جمال عبدالناصر بآلاف من جنوده وسلاحه السوفياتي وقتذاك.

حين عرفت سفيراً أمريكياً خبيراً ،في شؤون العلاقات الأمريكية بالعالم ،وطرحت عليه سؤالاً بهذا الشأن فوجئت بجوابه الذي كان ملخصه أن “البيت الأبيض ليس بالضرورة ولا التحديد هو من يصنع قرارات البيت الأبيض” بل أن “شركات صناعة السلاح وتجارة النفط ومؤسسات صناعة المصالح الكبرى للولايات المتحدة هي من يفعل ذلك”.

أكثر وضوحاً مما قاله هذا السفير الفيلسوف هو أن “الولايات المتحدة ، الدولة الأكبر في العالم ، ليست كذلك ، بل هي الشركة الأعظم التي لا يمكن جعلها تترك العالم يعيش بدونها مالم تتمول باستيراد النفط منه وبتصدير الأسلحة إليه”.

بعد عقود من الزمن يبدو أن استراتيجية امريكا هذه لم تعد استراتيجية أمريكا.

تضخمت الولايات المتحدة كدولة بشكلٍ مرعب ، ووصلت مؤسساتها الاستشارية في صنع القرار إلى درجة أن واشنطن أصبحت بحاجة للتفكير بالعالم الأمريكي الداخلي ، العالم الذي يصل الفارق في التوقيت بين شرقه وغربه نحو ثلاث ساعات ، وفي السفر بين الإتجاهين ، نيويورك وسان فرنسيسكو ما يقرب من ست ساعات.

بعد الاسفار التي قطعتها بين أكثر من ثماني وعشرين ولاية امريكية كان تساؤلي الدائم مع أصدقائي الأمريكيين ، ما هي حاجة واشنطن للانشغال بما يحدث في الشرق الأوسط إذا كانت هي عالم لوحدها ، فكان رد العالمين بالأمور وليس بالضرورة الحكماء “كيف يمكن لدولة كبرى كالولايات أن تعيش دون تدوير الأزمات وتصدير السلاح”.

باعت واشنطن لدولة واحدة في الخليج طوال ستين عاماً ما يكفيها لخوض حرب عالمية بعشرات المليارات من الدولارات ، وفي النهاية إتضح أن هذه الدولة ظلت بحاجة إلى السلاح الأمريكي الأحدث ، بل الأهم من ذلك ، ربما مابدى هو أن الولايات المتحدة تريد من هذه الدولة استخدام هذا السلاح لاختبار فاعليته وذكائه ودقته وليس تماماً لتحقيق أهداف هذه الدولة.

في عهد رئيس الإدارة الأمريكية الحالية لا يبدو أن الولايات المتحدة باتت هي الولايات المتحدة المتحدة التي نعرف ولا العلاقات الدولية بينها والعالم ستظل هي التي عرفنا.

صحيح أن واشنطن ليست في وارد الانكفاء على نفسها ، لكن لديها انقساماً مجتمعياً هائلاً ، وعدداً كبيراً من الفقراء ، وبالتالي فإن أولويتها اليوم هي ترميم هذه الشروخ في مجتمعها ، ودعم فقرائها لتمكينهم من دفع إيجارات البيوت ، وبناء عائلات ، وإرسال أطفالها إلى المدارس ، والحصول على رعاية صحية جيدة.

لم يكن سحبها لقواتها من أفغانستان والعراق وأوكرانيا إنسحاباً من المشهد العالمي ، فلا يزال لديها وجود في قلب أوروبا مثلاً من خلال قواعدها العسكرية في ألمانيا وغيرها لضمان أمنها القومي على المدى البعيد لكنها تخطط لخفض مزيد من الانفاق على تدخلاتها العسكرية في ما بات يُنظر إليه في واشنطن على أنها دول (هامشية) خصوصاً بعد القضاء على تنظيم القاعدة وما سمي بتنظيم الدولة الإسلامية.

تأمل الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) الحالية أن تساعدها هذه الاستراتيجية في الاحتفاظ بالسلطة ، لكن أبعد هدف من هذا هو الحد من تفاوت أكبر بين أغنياء وفقراء أمريكا يمكن أن يقود إلى حرب شوارع في بلد لا يعوز مواطنيه السلاح ولا دوافع المواجهة مع الآخر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى