استطلاعات وتحقيقات
نيويورك تايمز : صمت كوريا الشمالية يعزز الشكوك حول مصير “الزعيم كيم “
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقاً حول مصير زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بعد انتشار الشائعات حول تدهور صحته ووفاته واختفائه. والآتي ترجمة نص التحقيق:
لا تزال كوريا الشمالية ترسل رسائل وهدايا إلى القادة الأجانب والعمال في الداخل باسم زعيمها، كيم جونغ أون. إن وسائل إعلامها الاخبارية، كالمعتاد، تضج بدعاية هائلة تشيد بقيادة الزعيم كيم. وكررت كوريا الجنوبية أنها لم تكتشف “شيئاً غير عادي” في الشمال. وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب التقرير بأن كيم “في خطر شديد” بعد إجرائه جراحة بأنه “غير صحيح” و”مزيف”.
كل هذا لم يفعل سوى القليل لوقف الشائعات حول صحة كيم ومصير الدولة النووية – لسبب بسيط هو أن كوريا الشمالية لم تبلغ عن ظهور علني من قبل زعيمها لمدة أسبوعين. كما أنها لم تستجب لمزاعم سخيفة عن صحته.
يؤدي الافتقار إلى معلومات حقيقية من البلد المحكم الإغلاق إلى انتشار الشائعات، مما يترك الخبراء في شؤون كوريا الشمالية والمسؤولين الأجانب ووكالات الاستخبارات يبحثون في كل ذلك عن علامات الحقيقة.
واعتمادًا على المنافذ الإخبارية أو مشاركة وسائل الإعلام الاجتماعية، فإن كيم، الذي يعتقد أنه يبلغ من العمر 36 عاماً، يتعافى بعد مشكلة صحية بسيطة مثل التواء الكاحل، أو أنه “في خطر شديد” بعد جراحة في القلب، أو أصبح “ميتاً دماغياً” أو في “حالة حرجة” بعد أن جرى خطأ في جراحة صمام القلب على يد جراح عصبي كوري شمالي أو أحد الأطباء الذين أرسلتهم الصين لعلاجه. أو أن كيم أصيب بفيروس كورونا لكن من أين جاءته العدوى؟ ربما من أحد هؤلاء الأطباء الصينيين.
تزعم إحدى الإشاعات المنتشرة في تطبيقات المراسلة الكورية الجنوبية أن الأطباء الفرنسيين لم يتمكنوا من إيقاظ كيم من “غيبوبته”، وأن كيم بيونغ إيل، الأخ غير الشقيق لوالد كيم، استولى على السلطة بمساعدة النخب الموالية للصين في بيونغ يانغ. وتضيف أن أخت كيم القوية، كيم يو جونغ، محتجزة بينما تتفاوض بكين سراً مع واشنطن بشأن مستقبل كوريا الشمالية وأسلحتها النووية.
شككت سيول في دقة التقارير غير المؤكدة، في حين يبدو أن وسائل الإعلام الكورية الجنوبية ترفض معظم هذه التقارير وتعتبرها شائعات على الإنترنت تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية وخارجها. لكن لا يمكن تجاهلها بالكامل، حيث أن كوريا الشمالية سرية للغاية لدرجة أن أقوى وكالات الاستخبارات في العالم لم تتمكن من اختراق الدوائر الداخلية للزعيم كيم.
ظهر السيد كيم علانية آخر مرة في 11 نيسان / أبريل، عندما ترأس اجتماع المكتب السياسي. بدأت التكهنات حول صحته تتفاقم بعد أن غاب عن احتفالات الدولة في أكبر مناسبة في بلاده، وهي عيد ميلاد جده ومؤسس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ في 15 نيسان / أبريل.
ازدادت الشائعات بعد أن أفادت صحيفة “ديلي إن كي” الالكترونية، ومقرها سيول والتي تعتمد على مصادر مجهولة داخل الشمال، يوم الاثنين الماضي أن كيم يتعافى من جراحة القلب التي أجريت له في 12 نيسان / أبريل.
وفي اليوم التالي، ذكرت شبكة “سي إن إن” الأميركية أن واشنطن كانت تراقب المعلومات الاستخباراتية التي تفيد بأن كيم “في خطر شديد”. يوم السبت، قال موقعTMZ ، أحد مواقع المشاهير على الإنترنت في الولايات المتحدة: إنه ورده “أن الدكتاتور الكوري كيم جونغ أون قد مات بعد جراحة قلب فاشلة”.
أكثر من مرة، تمنى ترامب لكيم أن يصبح أفضل إذا كان مريضاً بالفعل.
قال ليف إريك إيسلي، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة إيوا ومانز في سيول: “سرية كوريا الشمالية وافتقارنا إلى معلومات موثوقة تخلق أرضية خصبة للشائعات. لكن غيابه المستمر سيكون مزعزعاً للاستقرار حيث يتساءل المزيد من الناس داخل وخارج البلاد عما إذا كان عاجزاً أو ميتاً”.
ففي الأيام الأخيرة، قام الكوريون الجنوبيون وحلفاؤهم في واشنطن بجولة في كوريا الشمالية بمساعدة الأقمار الصناعية للتجسس وبمساعدة مصادر أخرى للبحث عن إشارات عن كيم وعن أي استعدادات لإطلاق الصواريخ. قادتهم جهودهم إلى مدينة ونسان، وهي مدينة ساحلية شرقية حيث تمتلك عائلة كيم مجمعاً ساحلياً مليئاً باليخوت، والجيت السكي، ومسار للخيول ومحطة قطار خاصة.
وثمة قطار هناك منذ الثلاثاء على الأقل ربما يخص كيم، بحسب موقع 38North ، وهو موقع إلكتروني متخصص في كوريا الشمالية ومقره واشنطن، يوم السبت، نقلاً عن صور الأقمار الصناعية التجارية.
ونسان هي أحد مواقع كيم المفضلة لإجراء اختبارات الصواريخ. وقال تقرير إخباري كوري جنوبي يوم السبت إن الولايات المتحدة اكتشفت استعدادات لاختبار صاروخي في سوندوك، أعلى الساحل الشرقي، حيث أطلقت كوريا الشمالية صواريخ في آب / أغسطس من العام الماضي ومرة أخرى في آذار / مارس الماضي بحضور كيم.
يقول المسؤولون الكوريون الجنوبيون على انفراد إن وجود كيم في تجربة صاروخية يمكن أن يكون طريقة إستراتيجية لتهدئة التكهنات. لكن كوريا الشمالية استخدمت أيضاً هذه الاستعدادات لإبقاء خصومها الخارجيين حائرين يتعمدون التخمين.
هناك انبهار جيوسياسي عميق مع كوريا الشمالية، الدولة البوليسية الأكثر عزلة في العالم.
فقد قامت البلاد بتفجير ست قنابل نووية في تجارب تحت الأرض وتدعي أنها صنعت صواريخ قوية بما يكفي لإيصالها إلى الولايات المتحدة القارية. ويدير كوريا الشمالية رجل تم تعيينه كرئيس صوري عندما تولى السلطة في عام 2011 في العشرينات من عمره.
ومنذ ذلك الحين، فرض كيم سيطرة صارمة، وأثبت أنه وحشي بما يكفي لإعدام عمه، الذي كان يشكل تهديداً محتملاً لسلطته، ووصف ذات مرة ترامب بأنه “أميركي مختل عقلياً”.
إن رحيل كيم المفاجئ يمكن أن يخلق فراغاً في السلطة له آثار بعيدة المدى. فعلى مدى عقود، ناقش المسؤولون الأميركيون والكوريون الجنوبيون خطط الطوارئ السرية للغاية، بما في ذلك كيفية منع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية من الوقوع في أيدي خاطئة، وماذا سيفعلون إذا أرسلت بكين قواتها إلى الشمال لتحقيق الاستقرار في جارتها، والتي تخدم منذ فترة طويلة كعازل بين الصين والقوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية.
في هذا المجتمع السري، فإن أي خليفة محتمل لكيم يرقى إلى مستوى لعبة التخمين، حتى بالنسبة للمحللين الخارجيين الذين قضوا حياتهم المهنية الأكاديمية في تحليل الشمال. هل ستكون أخته الوحيدة، كيم يو جونغ، التي وسعت مؤخراً دورها في حكومته؟ ماذا عن كيم بيونغ إيل، الذي عاد إلى بلاده العام الماضي بعد أن خدم لعقود كسفير لكوريا الشمالية في دول أوروبا الشرقية؟
يتوقع البعض قيادة جماعية يقودها تشوي ريونغ هاي، الرجل الثاني في التسلسل الهرمي الحكومي. ماذا لو قام جنرال غير معروف ولكنه طموح بهندسة انقلاب؟ كيف سيستجيب الكوريون الشماليون الذين تدربوا على عبادة عائلة كيم؟
وقال إيسلي: “في حين أن جيران كوريا الشمالية غارقون في السياسة الداخلية خلال تفشي وباء عالمي، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين متوترة، والمنظمات الدولية متوترة، والعالم ليس على استعداد جيد لوفاة كيم جونغ أون”.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يختفي فيها كيم من المشهد العام لأسابيع متوترة أو يواجه تكهنات حول صحته. لكن عبادة الشخصية الغريبة التي تحيط بكيم – كلامه المنمق، سمنته وحتى قصة شعره – تضمن ترسخ الشائعات.
يحرص المسؤولون على عدم قمع الشائعات بشكل صريح، ويعود ذلك جزئياً إلى أن توقعاتهم السابقة بشأن الشمال أثبتت خطأً في بعض الأحيان. كما أن التقارير عن كوريا الشمالية كانت مليئة بالأخطاء.
وكثيراً ما ظهر لاحقاً كبار المسؤولين الذين قيل إنهم أُعدموا. بعض المنشقين، الذين يغذون المعلومات لوسائل الإعلام الإخبارية، اتهموا أو اعترفوا بتجميل رواياتهم.
في عام 1986، نشرت صحيفة كورية جنوبية “سكوباً عالمياً” زعم أن جد كيم، الرئيس آنذاك كيم إيل سونغ، توفي في هجوم مسلح. ظهر كيم إيل سونغ مبتسماً بعد يومين.
في عام 2014، اختفى كيم جونغ أون لأكثر من شهر، مما أثار شائعات بأنه ربما أطيح به في انقلاب. وأظهرته وسائل الإعلام الكورية الشمالية في وقت لاحق يمشي متكزاً على عصا بعد ما قالت الاستخبارات الكورية الجنوبية أن أجرى جراحة في كاحله.
في عام 2015، زعم منشق كوري شمالي أن كيم أمر بقتل عمته بالسم. لكن العمة، كيم كيونغ هوي، عادت للظهور في بيونغ يانغ في كانون الثاني / يناير.
مع ذلك يمكن أن تتحول الشائعات إلى حقيقة. ففي عام 2008، كان والد كيم وسلفه، كيم جونغ إيل، غائباً عن الأنظار لمدة شهور. وتكهن محللون كوريون جنوبيون ووسائل الإعلام، بشكل صحيح، بأنه مصاب بجلطة دماغية. وقد توفي بعد ذلك بثلاث سنوات.
ولعل بعض أكبر المشككين في أحدث الشائعات هم المنشقون عن كوريا الشمالية أنفسهم.
وقال ثاي يونغ هو، وهو دبلوماسي كوري شمالي سابق انشق إلى كوريا الجنوبية، إن من الصعب تصديق أن أي معلومات موثوقة عن صحة كيم تم تسريبها من أكثر مساعديه ثقة. وأوضح ثاي أنه لم يكن أحد في مكتبه في وزارة الخارجية الكورية الشمالية على علم بوفاة كيم جونغ إيل في عام 2011 حتى تم جمعهم في قاعة محاضرات “لإعلان مهم” ورأوا مذيعة تظهر على شاشة التلفزيون وهي ترتدي اللون الأسود الجنائزي.
وقال جو سونغ ها، الصحافي الكوري الشمالي الذي أضحى صحافياً في صحيفة كورية جنوبية، في منشور على فيسبوك إن من المعقول الاعتقاد بأن كيم يعاني من مشاكل صحية. لكنه لم يكن لديه ثقة في التقارير الإخبارية التي توضح بالتفصيل ما إذا كان الزعيم الكوري الشمالي يواجه حالة طبية خطيرة ولماذا. وأضاف أن مثل هذه التفاصيل حول “صحة عائلة كيم هي سر الأسرار”، واصفاً الأشخاص الذين يدعون أنهم يعرفون بـ”الروائيين”.
المصدر : نيويورك تايمز