مأرب: الفرصة الأخيرة بقلم| علي ظافر
بقلم| علي ظافر
لا تزال جبهات مأرب المشتعلة ترجح كفّة قوات صنعاء على حساب الطرف المقابل الذي تتأكل الأرض من تحت أقدامه وتتعاظم خسائره الميدانية والمادية والبشرية من فترة إلى أخرى. وفي جديد الإنجازات العسكرية ما أعلنته القوات المسلحة اليمنية السبت 11 أيلول/سبتمبر على لسان المتحدث العسكري العميد يحيى سريع من تحرير شامل لمديريتي ماهلية ورحبة ضمن المرحلة الثالثة من عملية “النصر المبين” في محافظة مأرب، متجاوزين صعوبة التضاريس وكثافة الغطاء الجوي لطيران تحالف العدوان الذي لامس 500 غارة أثناء العملية التي تكلّلت بتحرير مساحة جغرافية تعادل مساحة دولة البحرين مرتين، فضلاً عن الخسائر المادية والبشرية.
ورغم الأهمية الاستراتيجية لهذه النتائج، بما تمنحه من أفضلية ميدانية للجيش واللجان الشعبية باتجاه مديريتي الجوبة وجبل مراد، فإن السؤال اليوم لم يعد عن الإنجاز بحد ذاته، بقدر ما هو مطروح عن ماذا بعد، وخصوصاً مع استمرار التقدم الميداني من عدة مسارات.
في جديد المعلومات، تؤكّد مصادر محلية غير رسمية أنَّ قوات صنعاء خلال الأيام الماضية (أي ما بعد تحرير رحبة وماهلية) حقَّقت تقدماً مهماً في محور الجدعان، أي شمال غرب مدينة مأرب، إذ تمكنت من تحرير وتطهير حمة الذئاب والقاعد الأعلى وتبة الفتيخة.
وتكمن أهمية هذه المواقع في أنها تمكن الجيش واللجان الشعبية من قطع خطوط إمداداتهم باتجاه منطقة أسداس مركز مديرية رغوان. وبهذا، يضيق الخناق أكثر على الطرف المقابل في الجهة الغربية لمدينة مأرب من الجهتين الغربية والشمالية، وتقترب قوات صنعاء من معسكر صحن الجن ومعسكر تداوين، إلى جانب استمرار المعارك في محاور موازية.
ومع تضافر المعطيات عن التقدم الميداني لقوات صنعاء، فإنَّ الأخيرة تؤكد أن عملياتها لا تستهدف قبائل مأرب، بقدر ما تهدف إلى تحريرهم وتحرير محافظتهم النفطية من “الدخلاء” الذين فاقوا عدد السكّان الأصليين، سواء من قوات التحالف أو من يقاتلون في صفها من المرتزقة ومجاميع “القاعدة” و”داعش”.
أضف إلى ذلك أنَّ صنعاء لم تلغِ مبادرتها بخصوص مأرب، ولم تقفل أبواب العودة أمام المخدوعين من سكان المحافظة، وتحرص على إعطاء أبناء المحافظة حقوقهم في الوظيفة العامة، وفي إدارة السلطة المحلية والقوات الأمنية والعسكرية، ومنحهم حقوقهم المسلوبة من النفط والغاز، مع ضمان توزيع حصص الغاز على بقية المحافظات، وإعادة تأهيل أنبوب صافر- رأس عيسى، وتشغيل غازية مأرب للكهرباء، وإخلاء المحافظة من الوجود الأجنبي والتكفيري، وحفظ أمن المواطنين فيها والمسافرين عبرها، وهذا ما نصت عليه “مبادرة مأرب” التي قدمتها صنعاء عبر الوفد العماني مطلع حزيران/يونيو المنصرم، ولم يتعاطَ معها الطرف الآخر بإيجابية حتى اللحظة، رغم المأزق الميداني الذي يواجهه، إما خوفاً من السعودية أو طمعاً في ريالاتها التي لا تساوي فتات ما ينهب من ثروات مأرب النفطية والغازية.
الوقائع الميدانية جعلت المرتزقة الذين يقاتل بهم تحالف العدوان في مأرب محصورين بين خيارين، إما التفاوض المباشر أو غير المباشر وقبول مبادرة صنعاء أو الاستعداد للهزيمة الميدانية، في ظل استمرار تقدم الجيش واللجان الشعبية الذين ينتهجون سياسة القضم التدريجي أو بالأحرى التحرير المتأني، بما يوائم طبيعة المعركة وتحدياتها وحجم الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وقد نجحوا حتى اللحظة في تثبيت سيطرتهم الكاملة في 8 مديريات من أصل 14 مديرية، وهي صرواح، وحريب القراميش، وبدبدة، ومجزر، ومدغل، ورحبة وماهلية ورغوان، فيما تعد معظم المديريات المتبقية مطوقة أو نقاط اشتباك، باستثناء مديرية الجوبة. وفي العمليات الأخيرة التي توجت بتحرير رحبة وماهلية، بات الجيش واللجان الشعبية على مشارف الجوبة المديرية التي ظلت خارجة عن دائرة الاشتباك طيلة الفترة الماضية، ما يعني أننا اليوم أمام سيناريوهين:
– السيناريو الأول هو دخول سكان الجوبة “المرفهين”، بحسب توصيف أبناء المحافظة، في مفاوضات علنية أو سرية مع الجيش واللجان الشعبية. وثمة جناح يرجّح هذا الخيار ويفضّله، بحسب مصادر قبلية.
– السيناريو الثاني هو دخول أبناء المديرية بقيادة مفرح بحيبح، أحد قيادات مرتزقة العدوان المرتبطين بالسعودية، والمتحدر من مديرية الجوبة، في اشتباك مع الجيش واللجان الشعبية.
وفي كلتا الحالتين، فإن اليد العليا لصنعاء، إن بالتفاوض أو بالحرب، والتفاوض هو الأسلم لأبناء المديرية الذين رحَّب بعضهم بمبادرة صنعاء، واعتبروها منصفة وتعطيهم حقوقهم في الثروة والوظيفة العامة، وسط انقسام في المواقف ووجهات النظر، وفق مصادر مطلعة.
ومن الغريب أنَّ الطرف الآخر، ونقصد تحالف العدوان والموالين له، لم يتّعظوا، رغم توالي النكبات في صفوفهم خلال الفترة الماضية، وخسارة أهم قياداتهم الميدانية وأبرز المعسكرات التي كانت تمثل خط الدفاع الأول بالنسبة إليهم من الجهتين الشمالية والغربية، وأبرز تلك المعسكرات “ماس” في مديرية مدغل ومعسكر “كوفل”.
وبخسارتهم هذين المعسكرين، لجأوا إلى استحداث خطوط دفاعية أخرى، من خلال إنشاء 5 مخيمات “نازحين” تضمّ أسر المقاتلين في صف التحالف. والهدف من إنشاء تلك المخيمات توفير دروع بشرية، والاحتماء بالمدنيين، واستعطاف الرأي العام والمجتمع الدولي، وبالتالي استجرار المزيد من أموال المانحين لتمويل الحرب، إلى جانب أموال النفط والغاز التي تنهب من المحافظة.
لكنّهم، ورغم كلّ تلك المحاولة البائسة، باتوا مطوّقين من مختلف الجهات، وبخطّ هجوميٍ من العُطَيف وإيدات الراء إلى مفرق نخلاء، مروراً بحمة الذئاب، وصولاً إلى الفتيجة، وباتجاه العجوز والقاعد الأسفل ووادي نخلاء، وربما إلى مدينة مأرب. ولاستنقاذ أنفسهم من مغامرات التحالف، ثمة فرصة وحيدة، وربما أخيرة، وهي التعاطي بإيجابية مع المبادرة التي قدمتها صنعاء.