الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

اجماع شعبي ضد الفساد في تعز.. هل ينجح هذه المرة؟

تعز – راشد محمد – مكين العوجري

“لم تعد المسيرات والتظاهرات المناهضة للفساد في تعز، مجدية لوحدها، فالسلطة اعتادت التعامل مع التظاهرات والنقد كفعل عابر لا يستحق التعليق، عوضًا عن كونها تلوّح بالتهديد ضد كل من ينتقدها”.

ينتقدها!”.

هكذا علّق المحامي والناشط الشبابي في الاحتجاجات السلمية بمدينة تعز، عمر الحميري، حول لجوء الاحتجاجات الشبابية في المحافظة إلى القضاء لمحاسبة المسؤولين في مكاتب السلطة المحلية، بحسب خيوط.

وفي خضمّ تدهور الأوضاع الخدمية والمعيشية في اليمن، تشهد مدينة تعز -الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا- موجة احتجاجات شعبية وشبابية مناهضة للفساد الإداري والمالي المستفحل في أروقة مؤسسات الدولة، والذي ضاعف من معاناة الناس، خاصة في المدينة التي تتعرض لحصار منذ اندلاع الحرب.

ففي مطلع يونيو/ حزيران 2021، كانت مدينة تعز على موعد مع اندلاع شرارة الاحتجاجات السلمية التي نظمتها عدد من المكونات الشبابية والنقابية في مدينة تعز، للمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية، وإزاحة المسؤولين الضالعين في قضايا فساد ترتب عليها افتقار المدينة لأبسط الخدمات، كالماء والكهرباء والنظافة وغيرها، وسط تفاعل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة.

يطالب الحراك الشعبي والقانوني بعدة مطالب تتصدرها إقالة المسؤولين في قيادة مكاتب مؤسسات الدولة بمدينة تعز وتقديمهم للعدالة، وإعادة الخدمات العامة كالكهرباء والمياه.

الحراك القانوني.. تحرك لافت في مسار الاحتجاجات

رامز الشارحي، أحد شباب الرقابة المجتمعية في تعز، يصف النشاط الذي يقوم به وزملاءه، بالقول: “نحن نعمل وفق إمكانيات شخصية ولدينا خيارات كثيرة لمواجهة الفساد والفشل الحكومي. اعتمدنا في بداية الأمر على النشاط الإعلامي ولقينا تفاعلًا كبيرًا”، لافتًا إلى أن الفريق القانوني تتفرع عنه فرق طوعية تعمل في رسم الإجراءات والترافع أمام الجهات القضائية ضد من ثبت تورطهم بقضايا فساد أو تقصير في أداء الواجب الوظيفي. ويضيف: “هناك فِرَق ميدانية تزور المكاتب الحكومية ومقرات الأحزاب السياسية، وتطرح رؤيتها وتسمع منهم لتخرج بتصور تُبنى عليه تحركات قادمة”.

من جهته يصف المحامي عمر الحميري التحرك الواعي للشباب في بتعز، بأنه أحدثَ “صحوة” لدى المؤسسات الرقابية في تعز، لافتًا إلى أن الشباب كان لهم دور محوري في التنسيق والربط بين المؤسسات الرقابية والقضائية، وتحريك ملفات الفساد من خلال الزيارات واللقاءات بالمختصين، والذي رافقه الضغط بالمسيرات ذات الأهداف المحددة، بعيدًا عن الشعارات العامة، حسب تعبيره. ويضيف الحميري: “أعتقد أن هناك عدة ظروف تواءمت مع بعضها وأدّت إلى هذه الظاهرة غير المسبوقة منذ ثورة فبراير/ شباط2011 “، مشيرًا إلى أن الوظيفة العامة كانت مغيبة عن المسألة وبعيدة عن قرارات الاتهام والمحاكمة في السابق.

ويؤكد الشاب محمد علي الفقيه، عضو شباب الرقابة المجتمعية، أن عدد ملفات الفساد يبلغ ٦٥ ملفًا بين جرائم جسمية متعلقة باختلاس المال العام ومخالفات إدارية.

ويضيف أن من الملفات المكتملة، تم تحويل ملفات مكتب النقل والضرائب وضرائب كبار المكلفين والكهرباء، إلى القضاء، وهي ملفات متعلقة أيضا باختلاس مال عام ومخالفات إدارية.

من جهته يقول الشارحي إن شباب الرقابة المجتمعية “نجحوا في إعادة ضبط ضريبة القات التي كانت تورد إلى جهات ليس لها علاقة بالضرائب، وذلك من خلال الضغط على محافظ المحافظة الذي لجأ لإخضاع مهمة تحصيل ضريبة القات للمزايدة القانونية، وبأضعاف المبلغ السابق”.

الشارع بين الاستخدام السياسي والحقوقي

منذ العام2011 ، والتظاهرات مستمرة بعناوين ومطالب مختلفة، لكنها بدأت تفقد زخمها، خاصة أنها لا تفضي إلى نتائج ملموسة، عوضًا عن كونها موجهة في الغالب، وتقف خلفها عادة أحزاب وقوى سياسية، ومع ذلك فإن تأثيرها الإيجابيّ أقل انعكاسًا على حياة الناس ومعيشتهم، الأمر الذي يكشف عدم جدوى الاعتماد على التظاهرات وحدها، حد تعبير الشباب المحتجين مؤخرًا في تعز.

في هذا السياق، يرى المحامي عمر الحميري أن “أغلب التظاهرات التي كانت تخرج سابقًا يغلب عليها الطابع السياسي، وبالتالي تنتهي إلى تفاهمات بين القادة في مقرات الأحزاب، حيث تتم تسوية الخلافات. والفرق من وجهة نظر الحميري بين استخدام الشارع كأداة سياسية وأداة مجتمعية حقوقية، “كبير جدًّا”، إذ يرى أن الخروج السياسي لا يعدو أن يكون مجرد استعراض لتحقيق مكسب سياسي، فيما خروج المواطنين للتعبير عن رفضهم للفساد، يجعلهم يفكرون في عدة خيارات لتحقيق أهداف احتجاجهم، “ولذلك كان اللجوء إلى القضاء، والضغط لإحالة الفاسدين إلى المحكمة، هو ضمن خيارات الشباب المحتجين، وحقق تقدّمًا ملموسًا”.

وعن التقاسم أو ما يسمى الشراكة في الوظيفة العامة، يقول رامز الشارحي، إن موجة الاحتجاجات السلمية مؤخرًا في مدينة تعز، “كشفت زيف المحاصصة الحزبية والتقاسم والمحسوبية في الوظيفة العامة، وذلك بمجرد تحريك المياه الراكدة بعد وصول الأمر إلى مرحلة متقدمة”.

تجيير سياسي

وعلى ضفة الأحزاب والقوى السياسية في تعز، لا تختلف التصريحات والبيانات عمّا يبحث عنه الشارع، حسب حديث سكرتير الدائرة السياسية في منظمة الحزب الاشتراكي اليمني، فهمي محمد. يقول محمد لـ”خيوط”: “كأحزاب سياسية، لا نستطيع القفز على معاناة المواطنين في ظل الفساد والفقر وغلاء الأسعار وانخفاض سعر العملة، كل ذلك يجعل مثل هذا الحراك مقبولًا ومنطقيًّا في الوقت نفسه”، موضحًا أن الحزب الاشتراكي في تعز، “أعلن موقفًا واضحًا مع الحراك الشعبي، ويدعو إلى الانخراط فيه”.

رغم ذلك، لم يعد الرأي العام يثق كثيرًا بالأحزاب السياسية في مدينة تعز، نتيجة ما آلت إليه الأوضاع في المدينة، ذلك أن الأحزاب باتت أكثر حذرًا وتطرح مخاوفها هي الأخرى من استمرار استخدام الشارع “لخدمة جهات معينة”.

وفي السياق، لا يستبعد فهمي محمد، وجود رغبة لمن سمّاهم “البعض” في “تجيير الحراك الشعبي والقانوني ضد أشخاص في السلطة المحلية للتخلص منهم”، مشيرًا إلى أن قيادة الاشتراكي بتعز “تدرك خطورة ذلك، وعلى هذا الأساس صدر بيان مشترك مع التنظيم الوحدوي الناصري، يتحدث عن الاختلالات والفساد كظاهرة تمارس في تعز، وعن المعالجات كرؤية تساهم في محاربة الفساد وتعمل على إصلاح الوضع بشكل عام.”

ضغط الشارع ومماطلة السلطة

يصف محمد علي الفقيه تجاوب السلطة المحلية مع الضغط الشعبي والقانوني، بـ”الضعيف والمخادع”، ويستدرك بأن “الشباب يتابعون الملفات لدى كلٍّ من النيابة وجهاز الرقابة والمحاسبة ومكتب الشؤون القانونية”.

ويوضح الفقيه: “على سبيل المثال، ملف الواجبات تم تحويله إلى النيابة، وكان المفترض قبل ذلك قيام المحافظ بإلغاء قرارات الإعفاء لـ110 من كبار المكلّفين قبل الإحالة للتحقيق. وبخصوص ملف ضرائب كبار المكلّفين، كان يجب على المحافظ تشكيل ما تسمى “لجنة الطعون”، كي يتم التحقيق في النيابة بشكل صحيح وقانوني”.

ويتهم الفقيه السلطة المحلية بـ”المماطلة والتلاعب في عملية التحقيق بشكل كبير”، ويعتبر ذلك دليلًا على تورطها في عملية الفساد. وفي السياق، تحدث الفقيه عن أن أبرز العوائق أمام مساءلة المتورطين في الفساد، هي مماطلة السلطة المحلية في تحويل الملفات من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، إلى مكتب الشؤون القانونية لكي يفصل في تصنيف قضايا الفساد ما إذا كانت “مخالفات إدارية” أو “اختلاس مال عام”، بالإضافة إلى مماطلة مكتب الشؤون القانونية في بعض الملفات، مشيرًا إلى أن “هناك ضغوطًا من قبل السلطة المحلية لإطالة التحقيقات في الملفات”.

رغم ذلك، لا يرى الشارحي أن معركتهم ضد الفساد في تعز بالأمر السهل، ولكنه “يتطلب الاستمرار بنفَس طويل في مواجهة ما سمّاها “لوبيهات ومافيا متجذرة ومترابطة يصعب تفكيكها بسهولة”.

ويعتقد المحامي عمر الحِمْيَري أن “هناك رغبة كبيرة في المضيّ بعيدًا بمساعي محاربة الفساد، وتحريك كافة الملفات التي تحتاج إلى عمل قانوني، وذلك برفع دعاوى إدارية”. ومن أجل المضيّ قدمًا في ذلك، يرى أنه “لا بد من تحريك ملفات جديدة مسكوت عنها وتوثيق الانتهاكات وجرائم الفساد التي تمارس من قبل موظفين في أجهزة الدولة، وخاصة تلك المرتبطة بتحصيل الضرائب والرسوم والواجبات، وإساءة استغلال الوظيفة العامة والإثراء غير المبرر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى