اليمن.. قبل 11 سبتمبر ليس كما بعده! بقلم| أنور العنسي
بقلم| أنور العنسي
عند الساعة التاسعة من مساء أحد الأيام بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك اتصل بي مسؤول من القناة التي كنت أعمل لديها .. قال لي “نريد منك السفر غداً إلى حضرموت، وأن تنجز تقريراً خاصاً عن منزل بن لادن القديم هناك”.
قلت لنفسي لماذا الانتظار حتى الغد، وعلى الفور أخذت كاميرا صغيرة وتوجهت إلى مكتبي، ومن هناك أدرت محرك سيارة (اللاندكروزر) وقررت الذهاب وحدي دون سائق أو مرافق أو مسدس، أو خنجر، وسافرت عبر أربع محافظات (ذمار، البيضاء، أبين وشبوة) حتى وصلت فجراً إلى المكلا عاصمة الساحل الحضرمي فجراً.
سألت أحد الأشخاص في المطعم الذي تناولت فيه قهوة الصباح وإفطاري المبكر عن موقع المنزل القديم لأسرة بن لادن في وادي دوعن، غيل باوزير أو حضرموت الوادي، فدلني عليه.
عندما وصلت إلى الموقع المقصود، لفتت سيارتي ثم شخصي المعروف انتباه سكان المنطقة، لكن هذا لم يمنع بعضهم من مساعدتي للوقوف على الديار القديمة لآل بن لادن وتصويرها دون أي ارتياب بل ان بعضهم تكرم بتزويدي بمعلومات مهمة .. أهمها أن آخر من غادر هذا الدار إلى السعودية تركها قبل نحو خمسة وثلاثين عاماً للحاق بأسرته.
كان لدي شيئ من التوجس لا الخوف من أن أحداً يتابعني في مهمتي، وكان شعوري في محله، فأجهزة الأمن اليمنية كانت تراقبني ولكن دون مضايقتي، لعلها كانت تريد أن تسمح لي بالعمل لتعرف إلى أين أريد الذهاب.
لم أكن مستعداً للنوم قبل إتمام مهمتي، قررت العودة إلى صنعاء عبر سيؤون ثم مأرب، بمجرد عودتي إلى منزلي في صنعاء اتصل بي مسؤول في أحد الأجهزة الأمنية ليخبرني بأنهم علموا بمخطط رحلتي وما فعلته خلالها، آملاً كما قال ألاّ أتورط في شيء قد يشكل إساءة لبلدي أو يرتب عليها أي نوع من المسؤولية بسبب ما قام به بن لادن، وهذا مالم يكن واردا بالنسبة لي في أي يوم.
ليس هذا فقط ما قصدت الحديث عنه أو الإشارة إليه، الأهم منه أنني أردت الإشارة أيضاً إلى كيف أنه كان بمقدور اليمني أن يسافر في بلاده المترامية الأطراف، من أقصاها إلى أدناها، ليلاً أو نهاراً، دون خوفٍ أو قلق على حياته وسيارته وحاجاته.
اليوم لا يكاد اليمني للأسف يعبر في وضح النهار من شارع إلى آخر في مدينته دون أن يعتريه الخوف من عصابة أو ميليشيا تتربص به هنا أو هناك، مع هذا فالكل يتهم الكل بالإرهاب بيد أن ما يمارسه المستبدون على الأرض من توقيف وتفتيش تعسفي واختطاف واحتجاز للمسافرين والعابرين هو الإرهاب عينه!
كل هذا العبث تحت شعار (محاربة الإرهاب) لم يكن ليحدث لولا التركة التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر!