خلف الكواليس.. قضية عبدالله الأغبري ما بين المرافعات المُعلنة ودهاليز القضاء
صنعاء – صامد السامعي
في أربع جلسات عُقدت خلال أسبوعين، توصلت محكمة شرق الأمانة في العاصمة صنعاء، إلى حكم ابتدائي في واقعة تعذيب وقتل الشاب عبدالله الأغبري، تضمن منطوقه إدانة خمسة من المتهمين والحكم بإعدامهم، وسَجن سادس لتورطه بإخفاء أدوات الجريمة وتغيير حالة الأشياء المتصلة بها، وتأجيل محاكمة آخرين لا يزالون فارّين من وجه العدالة، قررت المحكمة النشر عنهم، وفصل الدعوى المقدمة ضدهم عن الدعوى المقدمة ضد المتهمين المباشرين الذين صدر عليهم الحكم في القضية التي شغلت الرأي العام اليمني منذ شهر ونصف.
وإذا كانت جريمة تعذيب وقتل الأغبري بتلك الطريقة الوحشية، فتحت أسئلة لا حصر لها عن الدوافع، فإن صدور الحكم فيها، بدون الحديث عن أسباب ارتكابها، يفتح مزيدًا من الأسئلة، بحسب خبراء قانونيين. هذه المرة اقتربت “خيوط” أكثر من القضية، وحصلت على معلومات جديدة حول الواقعة ومجريات الأحداث المتصلة بها منذ أن ارتكبت وحتى عرف بها الرأي العام، وبعد ذلك عن سير التحقيقات وصولًا إلى إصدار الحكم.
تقول مصادر على علاقة وثيقة بأولياء الدم إن هناك ملابسات لا تزال طي الكتمان حتى اليوم، وإنّ ثمة “أياديَ مجهولة” لا تزال تتستر على الكثير، “بمساعدة أو تورط أو جهل” من السلطات أو نافذين فيها. كما تحدثت عن وساطات لـ”مشائخ” ووجاهات اجتماعية من مناطق مختلفة بما فيهم “مشائخ” من مديرية حيفان التي ينتمي إليها الضحية، يتواجدون في المملكة العربية السعودية، حاولت التدخل عند أولياء الدم للتنازل عن القضية.
وتفيد معلومات من مصادر مطلعة، تحدثت عن قيام مختص بأنظمة الحاسوب باختراق حساب المتهم الأول على منصة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) وعنوانه البريدي، وحصل على معلومات قد تفيد في التحقيق. من ضمنها، أنه قام بشراء 50 رقم هاتف أمريكي عبر الإنترنت. بحسب خيوط، كما تجاهلت النيابة والمحكمة هذه المعلومات، كما رفضت المحكمة طلبًا للفريق القانوني، الممثل لأسرة الضحية، باستعادة محذوفات من هواتف بعض المتهمين وكمبيوتر المحل.
وفي حين تخوف خبراء قانونيون من توجهٍ للمحكمة قد يعني منع إدخال متهمين آخرين وإغلاق ملف القضية على المدونين في قرار الاتهام، وعددهم ثمانية أشخاص؛ ستة منهم صدر بحقهم حكم واثنان لا يزالان فارّين من وجه العدالة. تقول المصادر إن هناك 12 شخصًا على الأقل كان يجب على النيابة والمحكمة استدعاؤهم، لعلاقتهم المباشرة وغير المباشرة، أو لمعرفتهم بالجريمة قبل وأثناء تنفيذها.
وأظهر فيديو كاميرا المراقبة وحده توافد ثمانية أشخاص آخرين إلى الغرفة التي وقعت فيها الجريمة بعد دقائق من ارتكابها، بينما كان هناك تواصل عن بعد، بين ثلاثة من المتهمين وثلاثة آخرين، دار فيه حديث عن الواقعة، فيما حاول شخص آخر التستر على الجريمة في المستشفى.
عن الحكم
يوم السبت 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقف القاضي أحمد شرف الدين على منصة إحدى قاعات محكمة شرق الأمانة، على يساره خلف قضبان حديدية وقف ستة من المتهمين بتعذيب وقتل الشاب عبدالله الأغبري، يرتدون زيًّا أزرق، وإلى جوارهم من الجانب الآخر للقضبان محامُوهم، وعلى يمينه وقف ستة محامِين يشكلون الفريق القانوني الممثل لأسرة الضحية. وفي القاعة تواجدت والدة الأغبري وشقيقاه وعدد من أقاربه، إلى جانب العشرات من المهتمين وأقارب بعض المتهمين.
بمجرد وقوفه شاهد جميع من حضروا الجلسة أن القاضي مرهقٌ وصوته مبحوح. قال أحد الحاضرين، إنه كان يرتعش أيضًا، وإنه كان قد بدأ بقراءة الحكم قبل أن يتوقف ليخبر القاعة أنه متعب بسبب عدم النوم؛ كونه اضطر للسهر طوال الليل وهو يكتب الحكم.
وعلى الرغم من أن الحكم تضمن عقوبة الإعدام بحق المرتكبين الأساسيين للجريمة، وعددهم خمسة أشخاص، كما أنه لقي ارتياحًا لدى أغلبية المناصرين للقضية، ووجدوا فيه أقصى عقوبة يستحقها الجناة، إلا أن خبراء قانونيين، بينهم محامو الأغبري، اعتبروه غير مرضٍ ودون التوقعات، ويشكل “سابقة خطيرة” أيضًا.
يقول المستشار القانوني ومحامي النقض علي مكرشب، إن الحكم في قضية مقتل الشاب الأغبري كان يجب أن يكون إعدامًا وتعزيرًا، حيث “ارتكبت الجريمة بأسلوب ووسيلة وحشية، والظروف المشددة لعقوبة الحكم بالإعدام تعزيرًا المنصوص عليها في المادة 234 من قانون العقوبات توفرت فيها”.
والفرق بين الإعدام قصاصًا والإعدام تعزيرًا هو أن القصاص مقرر لمصلحة أولياء الدم فقط يملكونه ويملكون حق التنازل عنه، أما التعزير فمقرر لمصلحة المجتمع بأجمعه، وإذا سقط القصاص لأي سبب يتبقى الإعدام تعزيرًا لصالح المجتمع. يقول مكرشب: “العدالة تتطلب الحكم بالإعدام قصاصًا وتعزيرًا”.
ويشكل “إغلاق الفصل في التصدي لباقي المتهمين سابقة خطيرة”؛ ففي حين يحق للمحكمة أن تفصل في الدعوى الجزائية تجاه متهمين فارّين من وجه العدالة، وليسوا منفذين مباشرين للجريمة، إلا أن بقية المتهمين في هذه القضية -كما يقول المحامي علي مكرشب- متهمون رئيسيون وغير فارّين من وجه العدالة؛ بل ممتنعين عنها. والأخطر من ذلك، بحسب المصدر نفسه، أن “إرجاء المحكمة للفصل في طلب التصدي، يعني منع إدخال متهمين آخرين، وإغلاق ملف القضية على المدونين في قرار الاتهام فقط وغض النظر عن متهمين آخرين ووقائع جنائية أخرى قد تكون متصلة”.
وفي حين أكد المحامي وضاح قطيش، رئيس الفريق القانوني الممثل لأسرة الضحية، أن القاضي لم يذكر التعزير، إلا أنه فضل التريث حتى استلام الحكم، لمعرفة ما إذا كانت الكلمة قد سقطت سهوًا أو بسبب خطأ في الطباعة، ذلك أن منطوق الحكم صنف الواقعة “جريمة قتل وحشية” ما يعني -وفقًا للقانون- أن الحكم فيها يجب أن يتضمن الإعدام قصاصًا وتعزيرًا.
كما أن الحكم ليس نهائيًّا؛ يقول قطيش إن الاستئناف في أحكام الإعدام وجوبي؛ “لذا من المحتمل أن يستغرق الأمر شهرًا ونصف أو أكثر إلى جانب جلستين أو ثلاث في محكمة الاستئناف التي سيكون بيدها الحكم النهائي”.
قبل المحاكمة
قبل أن يتم إحالته إلى المحكمة، طالب محامو أولياء الدم من النيابة العامة في صنعاء تزويدهم بملف القضية، بما في ذلك محاضر التحقيقات ومعلومات عن كل ما تم ضبطه وله علاقة بالواقعة، وعلى الرغم من أن النيابة وعدت بذلك في البداية، إلا أنها حاولت التملص لاحقًا، بحسب المحامي وضاح قطيش. وفي اليوم الذي انتهت فيه النيابة من أخذ أقوال المتهمين، عاد الفريق القانوني لتكرار الطلب نفسه، وهذه المرة رفضت النيابة بحجة توجيهات عليا من النائب العام، بحسب المصدر ذاته.
وعلى الرغم من أن القانون يعطي المحامِين الحقَّ في حضور تحقيقات النيابة، في القضايا الجنائية، حيث تنص المادة (122) من القانون رقم (13) لسنة 1994، بشأن الإجراءات الجزائية، أن “للمتهم أو المجني عليه أو ورثته أو من أصابه ضرر من الجريمة أو المطالب بالحقوق المدنية أو المسؤول عنها ولوكلائهم -طبقًا للقانون- أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق…”، إلا أن النيابة أجرت معظم التحقيقات بدون علم محامِي الأغبري. يقول قطيش إنه كان يتم تبليغه بموعد التحقيق بعد أن يكون المحققين قد بدؤوا بالفعل، وكان يصل ولم يتبقَ سوى واحد أو اثنين من المتهمين يحضر جلسة التحقيق معهم.
على سبيل المثال –يقول قطيش- أجرى محققو النيابة آخر محضر استيفاء في السجن المركزي قبل يوم من تحويل القضية إلى المحكمة، ويومها بدأ المحققون بأخذ أقوال المتهمين الساعة الثالثة عصرًا ولم يتم إبلاغنا إلا عند الساعة السادسة. ويضيف: تحركت على الفور وعندما وصلت تفاجأت أنهم كانوا يأخذون أقوال آخر المتهمين. وعلى الرغم من أن المحامي طلب نسخة من جميع المحاضر إلا أن طلبه قوبل بالرفض.
كما قال قطيش، إن النيابة عندما أكملت التحقيق وأخذ أقوال المتهمين، أخبرته أنها لن ترسل القضية للمحكمة إلا بعد أن يحصل على الملف، وأنهم سيتواصلون معه خلال ثلاثة أو أربعة أيام، لكنه تفاجأ في اليوم التالي أن القضية تحولت إلى المحكمة.
حضر قطيش وزملاؤه من المحامِين الممثلين لأولياء الدم، جلسة المحاكمة الأولى، التي عقدت بتاريخ 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وليس لديهم أي وثائق “بسبب تعامل النيابة مع القضية”، وبعد ثلاثة أيام من صدور الحكم قال قطيش، إنه غير مقتنع بلائحة الاتهام التي رفعتها النيابة للمحكمة، ولكنه أبدى نوعًا من الارتياح للحكم.
وفي حين تسلمت هيئة الدفاع عن الضحية ملف القضية المعدّ من قبل النيابة لأول مرة في المحكمة، إلا أن قطيش أكد أنهم لم يستلموا كل شيء، حيث كانوا قد طلبوا الاطلاع على محتويات هارد (قرص لابتوب) وفلاشات وجهاز الكمبيوتر الخاص بالمحل، إلا أن النيابة رفضت وكذلك المحكمة، بحجة أن بداخل تلك الذواكر “خصوصيات”، كما يقول.
وكشف قطيش أيضًا عن رفض المحكمة إحضار مختص لاستعادة المحذوفات من هواتف اثنين من المتهمين وكمبيوتر المحل، وهو الطلب الذي كان تقدم به وزملاؤه للقاضي “بغية معرفة الباعث والدافع الإجرامي للجناة، ومن يقف وراءهم في ارتكابهم لهذه الجريمة البشعة”- حسب تعبيره.
وعلى الرغم من ذلك، التمس قطيش العذر للنيابة في حديثه، إذ يقول: “لا نستطيع أن نجزم أن هناك توجهًا مسبقًا من النيابة لإخفاء بعض الدلائل أو التستر على الجريمة وأسبابها، هم تعرضوا لضغط كبير بسبب الرأي العام، وهذا قد يفسر بعض التصرفات التي وجدنا أنها غير قانونية”. إلا أنه استدرك: “لكن حتى لو افترضنا أن النيابة والبحث الجنائي قد اقتنعوا بأن الدافع والسبب لجريمة التعذيب والقتل العمدي للشهيد الأغبري هو سرقة تلفونات، فأنا لم أقتنع، لأنه لا يوجد أي دليل على ذلك”.
عودة للواقعة
حازت جريمة قتل الشاب عبدالله الأغبري بتلك الطريقة الوحشية التي وثقتها عدسات كاميرا مراقبة كانت مزروعة في المحل، على اهتمام المجتمع اليمني بشكل غير مسبوق. وحتى اليوم، لا يزال عدد كبير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون الكثير من المعلومات حول القضية، أغلبها إشاعات.
ووقعت الجريمة في غرفة ضيقة ملحقة بمحل لبيع وإصلاح الهواتف النقالة في شارع القيادة بالعاصمة صنعاء مساء 27 أغسطس/ آب 2020. وعلى الرغم من أن السلطات الأمنية عرفت بها مبكرًا، إلا أنها ظلت محاطة بالكتمان. بعد 12 يومًا وتحديدًا في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي لأول مرة فيديو كاميرا المراقبة ومدته ست ساعات، وهكذا أصبح الرأي العام اليمني بكله شاهدًا على الواقعة.
ودار الكثير من الحديث عن كاميرا المراقبة وعن علم “الجناة” بها من عدمه، كما عن سبب نقل الضحية من شارع القيادة حيث “مسرح الجريمة” إلى مستشفى “يوني ماكس” الواقع في حي الجراف- شمال شرق المدينة، على الرغم من بعد المسافة وهناك مشافٍ أقرب منه، وعن تسرب الفيديو وانتشاره في وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت تحليلات خاطئة استندت على تلك الحقائق.
هذه المادة توصلت إلى بعض المعلومات من مصادر موثوقة، وبحسب خيوط كان “الجناة” على علم بالكاميرا، ولكنهم لم يعتقدوا أن الأمر سيخرج عن سيطرتهم. كما أن نقل الضحية إلى المشفى المذكور لم يكن مخططًا له وجاء بالصدفة؛ حيث نقله اثنان من المتهمين في البداية إلى عيادة خاصة تقع في حي “دارس” القريب من “الجراف”، يمتلكها طبيب على علاقة جيدة بالمتهم الأول، وكان الأخير طلب منه المساعدة؛ ولأن الطبيب وجد حالة الضحية أكبر من قدرته على التعامل معها نصحهما بنقله إلى “يوني ماكس”.
وتم الإعداد للجريمة مسبقًا، كما يبدو. وبحسب المصادر، أخفى أحد المتهمين هاتفه فور معرفته بالوفاة، وحذف آخر جميع محتويات هاتفه، وتم القبض على ثالث بدون هاتف، وأظهرت معلومات شركات الاتصال التي حصل عليها محامو الأغبري، أن الثلاثة كان لهم تواصل بخصوص الجريمة، قبل وأثناء تنفيذها، مع رابع مطلوب للقضاء، ولا يزال فارًّا من وجه العدالة.
ولا يعمل اثنان من المرتكبين للجريمة في متجر بيع وصيانة الهواتف الذي وقعت فيه، غير أن أحدهم (المتهم الخامس) يعمل في متجر قريب يمتلكه شقيق المتهم الأول، فيما الآخر (المتهم السادس) حضر “جلسة التعذيب الوحشية تلك” متأخرًا لكونه يعمل في مكان آخر، ولكنه كان قد عمل سابقًا في المتجر ولا يزال يسكن مع العمال في الغرفة الملحقة به، التي وقعت فيها الجريمة. وتعود ملكية المحل للمتهم الأول، فيما يعمل المتهم الثاني محاسبًا، والثالث مسؤولًا للصيانة، والرابع مندوبًا للمبيعات.
وبحسب المعلومات، لم يكن الخامس والسادس على علم مسبق بالجريمة. وفي ظهر ذلك اليوم “المشؤوم” أخبر عمال المتجر المتهم الخامس أنهم سيقومون بجرد البضاعة، ذلك أن لديهم شكوكًا بالعامل الجديد (الأغبري)، وعند الساعة السادسة مساء بدأت “جلسة التعذيب”. وبسبب الصراخ أغلق الجناة المحل، لكنهم كانوا يضطرون لفتحه وإغلاقه مجددًا عندما يطرق الباب زبائن يريدون هواتفهم. وكان المتهم الخامس قد لاحظ أن المحل يغلق ويفتح ثم يغلق مجددًا، وبعد حوالي ساعتين طرق الباب ليسأل عن سبب الإغلاق، فأخبره أحدهم أنهم اكتشفوا أن العامل الجديد سرق بعض الهواتف، وطلب منه الدخول ومشاركتهم تعذيبه، وشارك بالفعل بحسب اعترافه للنيابة.
كان ذلك اليوم هو السادس للأغبري كعامل جديد في المتجر. عندما وصل المتهم السادس إلى مسرح “الجريمة”، وجد أن الضحية قد تلقى ضربًا وتعذيبًا مبرحًا، فنصح الجناة بنقله فورًا إلى المستشفى. تواصل المتهم الأول مع طبيب يمتلك عيادة خاصة في منطقة “دارس”، وطلب منه القدوم بعد أن أخبره بأن أحد العاملين لديه يعاني من “حالة نفسية” وحاول الانتحار. في البداية وافق الطبيب على القدوم، لكنه اعتذر بعد ساعة بسبب انشغاله، وطلب إحضار “الحالة” إلى العيادة.
نقل اثنان من المتهمين الضحية إلى العيادة (الأول والثالث)، وغادر اثنان مسرح الجريمة على الفور (الثاني والخامس)، وبقي اثنان في المحل (الرابع والسادس)، ولكن قبل ذلك كان مالك المتجر قد طلب من الأغبري كتابة ورقة تفيد بأنه هو من فعل بنفسه كل ذلك التعذيب ويوقع عليها، لكنه رفض، بحسب اعترافات بعض الجناة للنيابة، كما تقول المصادر.
في العيادة وجد الطبيب أن حالة الضحية خطيرة وأكبر من قدرته على التعامل معها، فنصح بنقله إلى مستشفى؛ ولأن علامات التعذيب كانت واضحة، أبدى المتهمان خوفهما من اكتشاف الأمر، لكن الطبيب اقترح عليهما نقله إلى مستشفى يوني ماكس لقربه، ولأنه يستقبل الحالات الحرجة، ولأن لديه علاقة جيدة مع المشفى ويستطيع مساعدتهما.
و”في تمام الساعة 12:00 من مساء يوم الخميس الموافق 27 أغسطس/ آب 2020، تم إسعاف المجني عليه إلى طوارئ مستشفى يوني ماكس الدولي”، بحسب توضيحٍ للرأي العام أصدرته المستشفى، وحين وصوله وجد الطبيب المناوب آثار تعذيب في جميع أنحاء جسد الضحية، فقام بإخبار أمن المشفى ومندوب البحث الجنائي، ليتم التحفظ على المسعفين.
تم إبلاغ إدارة البحث الجنائي في قسم شرطة منطقة “الصيّاح” بالأمر، وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وصل إلى المستشفى ضابط البحث وعدد من الجنود على متن طقم أمني، لكن قبلهم بساعة كان قد وصل شخص آخر يبدو أن لديه نفوذًا، وقدم لمحاولة التستر على الجريمة، حيث طلب من الأطباء إصدار تقرير يفيد بأن المجني عليه انتحر، كما حاول تهريب المتهمين اللذين أسعفا الضحية، بحجة أنه سيسلمهما للبحث الجنائي بنفسه، وذلك بعد أن أخبرته المستشفى بعدم جدوى حصوله على التقرير الذي طلبه، كون ذلك النوع من التقارير لا تصدره المستشفيات إلا بطلب من جهات رسمية ومختصة.
تقول المصادر إنه بعد معرفتهما بوفاة الشاب، تواصل المتهمان اللذان أسعفا الضحية مع آخرين كانوا في المحل، وطلبوا منهم حذف فيديو كاميرا المراقبة، غير أن جميع المتواجدين في المحل لم يكن لديهم دراية بكيفية حذفه. وبحسب المصادر أظهر فيديو آخر سجلته كاميرا مراقبة أخرى كانت مزروعة في المحل، محاولات لعدة أشخاص لحذف الفيديو، قبل أن يقوموا بفصل التيار الكهربائي عن الكمبيوتر المتصل بالكاميرات.
ودار جدل كبير حول مستشفى “يوني ماكس” وتورطه بالجريمة، إلا أن المحامي وضاح قطيش وجه الشكر للمستشفى “كونه كشف عن الجريمة وأبلغ الجهات المختصة بها، وتحفظ على المسعفين، ورفض تسليمهما إلا للبحث الجنائي”. وعلى الرغم أن المستشفى لم يكن صريحًا في التوضيح الذي أصدره بعد انتشار الفيديو -بحسب قطيش- وخاصة عندما لم يتحدث عن محاولات استخراج تقرير خاطئ، وعندما نفى وجود أي صلة قرابة لمديره بأحد الجناة. “إلا أن النيابة ساهمت بظهور شائعات حوله عندما صرحت بأنه لم يسلم فيديو كاميرات المراقبة الخاصة بقسم الطوارئ”، بحسب المصدر ذاته.
كيف تسرب الفيديو؟
بعد أيام من انتشار فيديو كاميرا المراقبة الذي يوثق ارتكاب الجناة للجريمة، قامت السلطات الأمنية في العاصمة صنعاء باعتقال ستة من ضباط البحث الجنائي الذين حققوا في القضية بتهمة تسريب الفيديو، ثم أفرجت عن خمسة منهم، فيما لا يزال الضابط عبد الله الأسدي معتقلًا.
وبعد صدور الحكم قال شقيق الأسدي في تصريح نشره موقع “يمن فيوتشر”، إن شقيقه سلم بالفعل مقاطعَ من التسجيل المرئي لعائلة الأغبري عملًا بالقسم العسكري، بعدما تبيّن له ما سمّاها محاولة التلاعب في ملف القضية.
وبحسب المصادر، طلب الأخ غير الشقيق للضحية وهيب الأغبري من الأسدي نسخة من الفيديو بعد أن تعرض لضغوط كبيرة ومحاولات لجعله يتنازل عن القضية، وبعد أن شعر أن هناك جهودًا لتمييعها. ووعده بعدم نشره واستخدامه فقط لإقناع كل من يحاول التوسط للجناة.
وعلى الرغم من أنه نفى وقوفه خلف انتشار الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، في تصريح له في وقت سابق، إلا أن مصادر مطلعة قالت إن الأغبري بسبب زيادة الضغوط عليه سلم الفيديو لعدد من معارفه، وطلب منهم اقتصاص بعض الأجزاء منه ونشره، بغية الحصول على رأي عام يحدّ من أي محاولات للتلاعب بالقضية.