أسرة “الحَرِق”.. جرائم غير مسبوقة تكشف خطورة الوضع في تعز
تعز – رأفت الوافي
أدى الانفلات الأمني في مدينة تعز، الواقعة جنوبي غرب اليمن، إلى انتشار مجاميع مسلحة تقوم بعمليات السطو على الممتلكات العامة والخاصة وأراضي المواطنين؛ إذ يعمل نافذون على السطو ونهب أراضي المواطنين بقوة السلاح، في ظل إهمال متعمد من قبل الجهات الأمنية والعسكرية في المحافظة لضبطهم.
وزادت الخلافات، والتي تتطور إلى حدوث اشتباكات مسلحة على الأراضي، بشكل كبير مؤخرًا، سواءً الأرض التي يقوم مالكها بمسحها والبَدء في بنائها أو الأراضي البيضاء التي يتم مسحها بهدف السطو عليها من قبل عصابات مسلحة مُنفلتة تسرح وتمرح في المدينة، وتؤدي هذه الاشتباكات إلى سقوط ضحايا من المدنيين بين قتيل ومصاب.
حرب الأراضي
الكثير من هذه الحوادث تعيشها مدينة تعز، والتي كان آخرها ما حدث في الـ10 من شهر أغسطس/ آب الجاري، عندما قام المدعو ماجد الأعرج، أحد منتسبي القوات العسكرية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا بتعز، ومعه عصابة مسلحة، بالاعتداء على أرضيّة لأسرة الحَرِق في منطقة عمد في بير باشا (غربي المدينة)، والتي نشب على إثر الاعتداء الأول اشتباكات مسلحة، أدت إلى مقتل 6 أشخاص؛ منهم 4 من أسرة واحدة، واختطاف 4 آخرين من الأسرة نفسها، بينهم طفل.
انتهت الاشتباكات بمقتل الأعرج ومرافقه، و3 من أولاد الحرق، وإصابة آخر، لكن سرعان ما تجمعت مجاميع مسلحة، البعض منها تتبع محور تعز العسكري التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا، وتهجمت هذه الجماعات وبقوة سلاح الدولة على منازل المواطنين من أسرة الحرق وإحراقها بعد الاعتداء على النساء والأطفال وتهديدهن بالقتل، إضافة إلى اختطاف أحد أفراد أسرة الحرق ورميه جثة هامدة صباح اليوم التالي على خط الضباب (غربي تعز)، ليرتفع عدد القتلى إلى أربعة من أسرة الحرق.
تقول أم عيسى عبده الحرق، والتي قَتَل مسلحو الأعرج زوجَها وابنها، إن إطلاق نار كثيف قد استهدف منزلهم، حيث أصابت إحدى الرصاص زوجها الذي حاول التحرك من مكانه وقت إطلاق النار، أدت إلى مقتلة على الفور.
تصف أم عيسى واقعة الاعتداء عليهم بحسرة وألم، وتضيف أن جماعة الأعرج قتلوا ثلاثة من أسرتها، وهم عصام وعبده وخالد، وأصابوا اثنين آخرين وقت حدوث الاشتباكات، بحسب خيوط.
وتتابع: “بعد الاشتباكات عاد المسلحون مرة أخرى وتهجموا علينا. والله، إنهم لم يحترمونا كنساء، ضربونا وجمعونا لغرفة وهددونا بالقنابل، حتى إنهم ضربوا الأطفال الصغار وتوعدوا بقتلنا جميعًا”. قاموا بإطلاق النار لإخافتهن، ووضعوا الأسلحة على روؤسهن، وهددوهن بالاختطاف؛ ليخرج الرجال الهاربون من بطش المسلحين، في ظل غياب تامّ لأجهزة الدولة الأمنية.
تفاعل وتنديد
لاقت حادثة الاعتداء على أرض أسرة الحرق وقتل 4 أشخاص من أفرادها، والانتهاكات التي طالت النساء والأطفال والمنازل، تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين حقوقيين وإعلاميين، معتبرين الحادثة نتيجة للانفلات الأمني الذي تشهده مدينة تعز خلال السنوات الأخيرة.
الناشط الحقوقي أكرم الشوافي، قال إن ثمّةَ إبادة جماعية يتعرض لها أفراد أسرة الحرق في مدينة تعز من قبل مجاميع مسلحة تابعة لمحور تعز، بوقائع قتل واعتداء بحق كلِّ من له صلة بأسرة الحرق، بعد أن تم تشريد النساء، واختطاف طفلين، واقتحام عدد من المنازل ونهبها، ومن ثَم إحراقها.
وأضاف الشوافي، في منشور على صفحته بالفيسبوك: “استمرار الجرائم التي تُرتكب من قبل أفراد ينتمون لما يُسمى بالجيش في تعز، والتي يتم فيها استخدام الأسلحة والآليات العسكرية التابعة لمحور تعز، وما يتبعه من إفلات كامل للعقاب وحماية هؤلاء المجرمين من قبل نافذين وقادة عسكريين وسياسيين يعزز من المسؤولية الجماعية لهذه الجرائم والانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، يجعلهم جميعًا في إطار المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبت وتُرتكب وفق نمط سلوك يقوم على التعددية والتكرار وعلى نطاق واسع”.
ودعت منظمات حقوقية ونقابية إلى محاسبة كل مرتكبي الجرائم التي حدثت بحق أسرة “آل الحَرِق”، والعمل على إعادة الأمان لهذه العائلة وغيرها من مُلّاك العقارات التي تتعرض لانتهاكات متكررة، داعيةً إلى فتح تحقيقٍ شفاف وشامل لكافة أشكال التنكيل والإجرام الذي حدث بحق أسرة “الحرق”، وجميع الجرائم الواقعة خلال الأيام الماضية من قتلٍ خارج القانون، وتخريب ونهب لممتلكات خاصة وعامة.
كما أن ما شهدته مدينة تعز، من أحداث وانتهاكات مروعة، آخرها تلك التي طالت أسرة الحرق في حي بير باشا من تهجم على منازلهم واختطاف وتصفية جسدية، يكشف خطورة ما يحصل في المدينة من جرائم غير مسبوقة.
وطالَب بيانٌ صادر عن نقابات تعز، السلطات القضائية بمباشرة التحقيق في الواقعة الأخيرة وكافة الانتهاكات السابقة التي شهدتها تعز، والتوجيه بإيقاف كافة المشتبه بتورطهم في الضلوع بالجريمة تنفيذًا ومشاركة وتخطيط مهما كان منصبه وموقعه، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين أسر الضحايا وجبر الضرر.
وقالت نقابات تعز، بحسب ما ورد في البيان، إنّ ما يجري في تعز يستدعي صحوة كافة مكونات المجتمع للمطالبة بتصحيح الوضع الأمني المختل داخل المدينة، كما أنه من الضروري تشكيل لجنة مكونة من محامين وقانونيين وصحافيين ومنظمات مجتمع مدني، لمتابعة مجريات التحقيق والوقوف بجانب الضحايا حتى لا يتكرر المشهد.
إجراءات غير كافية
أثارت الحادثة تنديدًا واستياءً رسميًّا وشعبيًّا واسعًا، وسط مطالبات بإلقاء القبض على جميع المتورطين وإحالتهم للقضاء. إذ شهدت مدينة تعز خلال الأيام القليلة الماضية تظاهرات شعبية منددة بالاختلالات الأمنية وأحداث عمد، الأخيرة التي شهدتها المدينة.
ودعا 32 من أعضاء مجلس النواب في الحكومة المعترف بها دوليًّا، إلى تشكيل لجنة عليا محايدة للوقوف على الاختلالات الأمنية في مدينة تعز.
وأكد أعضاء البرلمان في المذكرة، إن مجاميع معروفة ومطلوبة للعدالة بتهم جسيمة، منها القتل والحرابة وقطع الطرق والاستيلاء على ممتلكات المواطنين والبسط على منازلهم وأراضيهم، قد عكست نفسها وبشكل كارثي ومدمر على حياة كل أبناء مدينة تعز، كما أنهم من المحسوبين على الجيش الحكومي ويلقون كل الدعم والحماية من بعض القيادات العسكرية والأمنية في المحافظة.
وكان رئيس الحكومة في عدن، قد وجه وزارة الداخلية والسلطة المحلية بمحافظة تعز، بوضع حد للأحداث المؤسفة التي شهدتها المدينة مؤخرًا.
في السياق، يقول مدير دائرة التوجيه المعنوي والعلاقات العامة بشرطة تعز التابعة لحكومة عدن أسامة الشرعبي، إن الإجراءات المتعلقة بحادثة أسرة الحرق ما تزال مستمرة، وأن الحملة الأمنية منتشرة في المدينة لملاحقة المطلوبين، مؤكدًا أنه تم إلقاء القبض على 3 من الجناة والمطلوبين، حيث إن الإجراءات مستمرة لملاحقة البقية.
ويشير الشرعبي إلى أن أغلب المطلوبين أمنيًّا في مدينة تعز ينتمون للمؤسسة العسكرية، موضحًا أن تحقيقات حادثة عمد ما تزال قائمة، وسيتم نشرها عند اكتمالها.
ودعا كلَّ أبناء تعز، من ناشطين وإعلاميين وحقوقيين، لدعم الحملة الأمنية من أجل ملاحقة وضبط العناصر الخارجة عن القانون، وبسط الأمن والاستقرار داخل المدينة، وأن يكونوا عونًا للأجهزة الأمنية، وأن يجعلوا كل مجهوداتهم البنّاءة في مسارات التصحيح، وأن يبتعدوا عن التجاذبات والمناكفات الضارة.
من جهته يقول نائب مدير التوجيه المعنوي بمحور تعز التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا، عبدالباسط البحر، إن الإشكالية التي تعاني منها تعز تتمثل في تضخم القوات العسكرية، والتي تحتاج إلى غربلة، مشيرًا إلى أن طرفي النزاع في قضية أسرة الحرق يتبعا مؤسستي الجيش والأمن، سواءً من بيت الحرق أو الطرف الآخر ماجد الأعرج وجماعته المسلحة. وبحسب البحر فإن القانون العسكري لا يجيز خروج أي فرد من منتسبي الجيش بدون مهمّة رسمية، إذ يعتبر في هذه الحالة مواطنًا عاديًّا، ولا يمثل المؤسسة العسكرية التي ينتمي لها.
ويؤكد البحر أن المدعو ماجد الأعرج و12 فردًا من جماعته، أسماؤهم موجودة على كشوفات حالات محور تعز التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا، ويتسلمون رواتبهم من مدينة عدن، فيما اللواء 170 دفاع جوي، والذي كان الأعرج على قواته، تبرأ منه.
ويوضح أن الحملة الأمنية لاحقت المطلوبين المتهمين بحادثة أسرة الحرق، وقبضت على البعض منهم، وسيطرت على المربع -منطقة عمد- وعملت على حماية الأسرة.
المخابئ أو “الأوكار” التي كانت تعتبر ملاذًا للمطلوبين في منطقة شارع الثلاثين ومباني المنشآت غربي المحافظة، قد اقتحمتها القوات الأمنية، وتمكنت الجماعات المطلوبة من الفرار إلى الساحل الغربي، وبعضها إلى جهات أخرى لم يفصح عنها هذا المسؤول الأمني.
غياب القانون
تنص المادة (133) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ على أنه “يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 10 سنوات كل من اشترك في عصابة مسلحة بقصد اغتصاب الأراضي والعقارات أو نهب الأموال المملوكة للدولة أو لجماعة من الناس أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجرائم، وكل من اشترك في عصابة مسلحة هاجمت جماعة من الناس أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة المكلفين بتنفيذ القوانين. كما يُعاقب بالاعتداء حدًّا كلُّ شخص شارك في هذه العصابة إذا نتج عن هذه الأفعال سقوط قتلى مدنيين أو غيرهم أشخاص لا علاقة لهم بالجريمة، سواء كانوا مطلوبين لدى هذه العصابة أم غير مطلوبين على سبيل الخطأ.”
في هذا الخصوص، يؤكد المحامي والناشط الحقوقي عمر الحميري، أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ يعاقب على جريمة الاعتداءات على أرض أسرة الحرق بصفتها جريمة جسيمة، ولها عقوبة استثنائية.
ويبين الحميري أن المقصود بالاعتداء حدًّا، هو أن هذه العقوبة تتحول من حق شخصي لأسرة الضحايا وأولياء الدم إلى حق للمجتمع، حيث لا يمكن لمن يُحكم عليه بالإعدام حدًّا أن يحصل على تنازل من أولياء الدم أو أسر الضحايا، حتى لا يسقط حق المجتمع في معاقبة هذه العصابة.
ويرى الحميري أنه لا يمكن وضع حدٍّ لمثل هذه الجرائم والتي شهدتها مدينة تعز مؤخرًا إلّا بتطبيق قانون الجرائم والعقوبات، وهو نص صارم وواضح وقوي، وكان المشرع اليمني حكيمًا في وضع هذا النص بالنظر لما تسببه مثل هذه الجرائم من إرهاب مجتمع بكامله، وليس فقط أسرة الضحايا كما حدث لأسرة الحرق، والتي أصابت الجميع في مدينة تعز بالرهبة والخوف والذعر.
كما أصبح جميع أفراد المجتمع ضحية لمثل هذه الجريمة، وهي أساسًا سلوك يجب اجتثاثه ومعاقبة مرتكبيه وردعهم، ولا يكون الردع إلّا بعقوبة صارمة ورادعة تمنع أي شخص من التفكير بالإقدام على مثل هذه الجرائم، فعندما يحكم على مثل أفراد هذه العصابات بالإعدام حدًّا، وغالبًا يكون لديهم نفوذ ولديهم أموال، عندما يعجز هؤلاء الأفراد المحكومين عليهم عن إسقاط هذا العقوبة مهما بذلوا من أموال للحصول على تنازلات فإنها لا تسقط هذه العقوبة؛ لأنها عقوبة إعدام حديّة.
ويتحدث الحميري أن حادثة أسرة الحرق فيها العديد من القتلى والضحايا والأضرار، وهناك الكثير من الأشخاص شاركوا في الجريمة بصفتهم أفراد عصابة بعضهم لديه صفة عسكرية، منتمِين للجيش الحكومي، هؤلاء يتم التعامل معهم باعتبارهم مواطنين في هذه الجريمة؛ لأنها تمت في المدينة وليست في موقع عسكري، والمختص بها هي النيابة العادية والشرطة، وليست النيابة العسكرية، ولكن يتم اعتبار أي شخص عسكري قام بارتكاب جريمة خاصة باستخدام أسلحة الدولة أو أطقمها العسكرية، باعتبار هذه الظروف مشددة، وتضاعف العقوبة أفعال إجرامية يعاقب عليها بنصوص أخرى إضافية.