ألف قطعة اثرية في منزل أبسط مواطن.. الآثار تجارة رائجة دعمها القانون في اليمن وروج لها الإعلام الرسمي (2- 2) بقلم| رياض الزواحي
بقلم| رياض الزواحي
من الأمثلة على المتاحف المنزلية متحف مقولة في قرية سنحان نفسها، والذي أنشئ بموافقة الجهات الرسمية و بتصاريح رسمية، طبعا بهدف جمع أهم آثار المنطقة وغيرها من المناطق الأخرى، لكن للأسف لم يبادر بقية الأهالي لتسليم مقتنياتهم الأثرية إليه باستثناء هدايا بسيطة لا تُذكر لعدم وجود الثقة بحيتان الآثار الكبار، كما استمر التقرير في الإسهام على تشجيع نهب الآثار من خلال شرعنة اقتنائها بالتأكيد، والتغني بأن أهالي قرية مقولة والقرى المجاورة يتميزون بحبهم الشديد للآثار، فهناك الكثير ممن يحتفظ بقطع أثرية تزيّن مجالس منازلهم، حيث يقول المواطن قايد أحمد مقولة من أبناء القرية، والذي يحتفظ بالعديد من القطع الأثرية في منزله: أحتفظ بهذه الآثار، وهناك أناس آخرون مثلي، لأننا نعرف قيمتها التاريخية، وهذا عمل وطني، يجب أن يتحلى به الجميع ويضيف أحتفظ بتمثال والعديد من الأحجار والأواني الفخارية وأحجار تماثيل لرؤوس الوعل، والتي ترمز للقوة وغيرها، وقد قمت بعرضها على العديد من الباحثين والمهتمين، حتى تكون موثّقة ومصوّرة ويعرفها الجميع، لأن من يقوم بعملية المتاجرة بالآثار يقوم بالحصول عليها وإخفائها عن أعين الناس ولم يكن دافع الكثيرين من أبناء قرية “مقولة” الاحتفاظ بالآثار في منازلهم سوى نتيجة لانعدام الثقة في الجهات المفترض أن تحتفظ بهذه الآثار (خوف من الدولة) طبعاـ وهذه من غرائب وعجائب تجارة الآثار في اليمن دون غيرها من دول العالم؟
وانصافا فقد ذكر نفس التقرير قصص مؤلمة عن نهب الآثار في نفس قرية مقولة بسنحان التي تقع في منطقة أثرية يجاورها جبل يسمى “كُنن”، وهو جبل مقدس مشهور منذ عصور ما قبل الإسلام، بدأت شهرته في القرن الأول الميلادي، وارتبطت بشهرة قبيلة ذي جرت -ذي جرة التي اتخذتها كحاضرة لها إلى جانب مدينة “نعض” القديمة التي يحتضنها الجبل في جهته الغربية و يقع جنوب القرية ويبعد عنها حوالي 5 كيلومترات تقريباً، حيث تعرضت آثار هذا الجبل للنهب، حسب تأكيدات مواطن معروف من أبناء المنطقة يدعى مبارك غشام من خلال عملية الحفر العشوائي والتي يقوم بها أشخاص في جبل كُنن واعد هذا الأمر من أكبر المشاكل التي تواجه الآثار في اليمن بشكل عام، والتي تجعل هذه الآثار عُرضة للبيع.
كما أكد غشام قيامة بإبلاغ الهيئة العامة للآثار، وقد تجاوب معه رئيس الهيئة آنذاك الدكتور عبد الله باوزير، وقام بإرساله بصحبة شخص آخر، وأبلغنا المناطق المجاورة للمنطقة المعرّضة للحفر العشوائي، بإبلاغنا في حال شاهدوا أعمال حفريات لاسيما وهناك أشخاص قاموا بحفر عدّة مناطق في القرية القديمة للبحث عن الآثار واستمرت حوالي ثلاثة شهور، وتم العثور على العديد من الأواني الفخارية وتماثيل برونز ومومياء، إلا أنه، وبسبب العشوائية في الحفر تعرّضت هذه الآثار للضياع والتهريب.
وفي منطقة يطلق عليها اسم يفعان، شمال القرية، تم العثور على مومياوات محنطة، وتم رميها بعد العثور عليها، وكذلك تم العثور على العديد من الأواني الفخارية في المنطقة، وذلك عند الحفر في الجبال القريبة، حيث كان القدماء يقومون بوضع كل ما يمتلكون بالقرب من الميت، ويوضح ذلك الحفريات والمعافد (مقابر جماعية تحفر في (الصخور) التي حفرت من قبل أهالي القرية ويؤكد أيضا أن هناك حفريات قام بها أناس مجهولون، وأخرى قام بها أهالي المنطقة والمناطق المجاورة في العديد من المناطق غربي القرية خاصة في المنطقة التي كانت تتواجد بها مدينة “ذي جرة”، والتي ما زالت آثارها باقية، امتدادا من “سيّان” ومرورا بـ”مقولة” وصولا إلى “نعض”.
ويؤكد مبارك أنه في منطقة “حصن القادر” غربي القرية وجدوا آثارا قديمة وأحجار مكتوبة.. ذهبت للاتجار بها، خاصة أن التجارة في الآثار أصبحت رائجة”، حسب تعبير التقرير الذي أشار الى إهمال تراكمي غريب في تلك الفترة.
فمثلا في عام 1995 تبنّت جامعة صنعاء بعض الحفريات الأثرية في منطقة “مقولة”، ولم يستمر المشروع، فقد أصبحت عُرضة للإهمال.. وتم تحويل غالبيتها إلى أماكن لرمي القمامة، وتم تحويل النّفق الذي يربط الحصن الأثري في المنطقة ببئر إلى مجاري.
يقول أهالي القرية إن النفق الأثري يحتوي على العديد من الآثار، بالإضافة إلى مميزات تمتاز بها عمارته، حيث تغطّيه أحجار كبيرة يتجاوز طول الحجر ثلاثة أمتار، ومحفور في الأرض بطريقة إستراتيجية، ومغطى بحوالي 5 أمتار بالتراب، حتى يستطيع سكان القصر جلب الماء من البئر إلى الحصن في أشد الأوقات.
وكان فريق يمني، يضم اختصاصيين من الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات وجامعة صنعاء، قد تمكن من الكشف عن آثار لمدينة متكاملة، كانت مقراً لكبار الشخصيات والأعيان في الدولتين السبئية والحميرية، ويعود تاريخها إلى القرن الميلادي الأول في قرية مقولة.
ومقولة” هي مفردة قديمة، وتعني المدينة التي كانت مقراً للأقيال أو الأقوال، وهم عليّة القوم وكبار الشخصيات والأعيان، في دولتي سبأ وحمير. وأردف: إن الدراسات الأولية التي أجريت على المخلفات الأثرية، تشير إلى أن مدينة “مقولة” اشتهرت في القرن الأول الميلادي كمقر للأقيال، وهي تابعة كمنطقة “مخلاف مقر أقيال ذي جرة”، الذين وصل بعضهم إلى كرسي العرش وسدة الحكم في مارب، ويضم المخلاف عدداً من المُدن التاريخية المشهورة، أبرزها: “السريين”، “لغض”، “سيان غيمان”، وأخيرا “مقول”.
وقد أسفرت الحفريات الأثرية التي قام بها قسم الآثار في جامعة صنعاء، عامي 97 – 1998، عن اكتشاف موقع هام يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الإسلام، حيث عُثر على أساسات لمبنى ضخم يعتقد أنه أحد معابد الآلهة القديمة أو أنه أحد قصور الحكام الذين كانوا يحكمون في هذه المنطقة ولم يعد لقصتها نهاية منذ تاريخ اكتشافها وحتى اليوم.
وسيفسر القادم ما لم يتم تفسيره في الحلقة الاخيرة من سيناريو نهب قرية مقولة الاثرية الصغيرة وكذا دور التحالف الخليجي في تدمير الأهم من المعالم الأثرية والتاريخية اليمنية، ولن ينتهي الحديث هنا بالتحديد.