عودة طالبان وانفصال الجنوب بقلم| وضاح اليمن الحريري
وضاح اليمن الحريري
لا يبدو أن عودة طالبان إلى سدة السلطة في أفغانستان بقوة السلاح من جديد، سوى إنه خيار استراتيجي أمريكي، بعد عشرين سنة من محاصرة الحركة في جبال افغانستان، والتمكن من اختراقها واعادة تشكيل فكرها السياسي والحكومي، لتظهر بثوب جديد يليق بإخراجها إلى العالم بصورة مقبولة، بغض النظر عن الهدف المكشوف والمشبوه، في أن تقوم بالدور المزعج لدول جوارها، وتخفيف اعباء التكلفة العالية للوجود العسكري الأمريكي المباشر، لقد طورت الولايات المتحدة الحركة، من حركة عنفية متطرفة وشديدة الخصومة مع العالم ومع مجتمعها، إلى حركة تمد يدها اولا إلى الداخل الأفغاني لتشكل معه وضعا متماسكا، يكافئ ما قد تتعرض له من ضغوط، وثانيا التمويه بشأن حلفائها المستقبليين الذين سيظهرون قريبا، وعلى الارجح ان الولايات المتحدة ستكون في مقدمة هؤلاء وأهمهم.
لقد وصلت الرسالة بمفهومها السياسي، عدو اليوم صديق الغد والعكس، وقد يحدث بين الغرماء احيانا ما يمكن الاستفادة منه في تحقيق مصلحة ما أو مجموعة من المصالح والأهداف.
وبالنظر إلى سرعة انجاز هذا الحل الذي يغلب عليه الطابع السياسي على الطابع العسكري، يقودنا السؤال إلى مشكلة الحرب في اليمن، ببعديها الاقليمي والمحلي خصوصا، إذ تظهر مجموعة من الملاحظات تفرض نفسها، على ورقة أي مهتم بالشأن السياسي في اليمن، بعد سبع سنوات من الحرب أدت إلى حالة من الركود، بعد أن استنفدت ثلاثة من المبعوثين والرابع يعد لدورة عمله الجديدة، كما استنفدت طاقات ومقدرات البلد من البشر والثروة، سبع سنوات من الحرب المهملة دوليا، حيث لا عجلة في ايجاد الحل الراسخ والشامل، محليا تتكئ الأطراف المتحاربة بشدة على كاهل المواطن الذي وحده يتحمل أعباء الحرب من أمانة وامنه المعيشي اليومي واستقرار حياته، بعد أن قادت الحرب إلى تجزئة الجنوب أكثر مما قادت إلى انفصاله واستقلاله، بل وتفاقمت تبعات التناقضات في داخل معسكر الشرعية والتحالف، لتصبح موازين القوى مختلة في سبيل تحقيق مصالح وأهداف غامضة وغير مرئية بالنسبة للكثيرين ومنهم قيادات كبيرة على رأس السلطة والهرم السياسي، الجنوب الذي لم ينجح الانتقالي حتى هذه اللحظة فيه، في فرض شروط انفصاله أو استقلاله، يعني أنه لم يحصل فقط إلى ما سمح له به، الجنوب الذي لم تنجح الشرعية فيه تثبيت حضورها وسلطتها عليه وعلى المناطق المحررة بعد ان دحرت من عدن العاصمة المؤقتة منذ عامين تقريبا.
بين سيناريو طالبان وسيناريو الانفصال اذن، بون شاسع لا يرتبط بمقادير الرغبة السياسية الممزوجة بالقوة العسكرية، بقدر ما يرتبط بالإيرادات التي تفرض نفسها، على مسار الخيار واتجاهه، وهذه الإيرادات تتكون من مستويات عدة لعل أضعفها إرادات القوى المحلية المكونة للشرعية ومن بينها الانتقالي، اذ لا أهمية تذكر كما يبدو للخيارات السياسية لمشاريع القوى المكونة للشرعية، بناء على التفاوت الكبير والتباين فيما بينها.
يظل البعد الإقليمي إذن هو المهيمن على طبيعة القراءة الامريكية، وفهمها لموضوع الحرب في اليمن، ومدى امكانية فرض حلول منسجمة مع خيار شركائها الإقليميين الأساسيين، وفي مقدمتهم المملكة السعودية فالمبعوث الأمريكي لا يمكن ان يقدم او يخدم اي فكرة للسلام، خارج اطار الارادة السعودية، والتي بدورها لن تقرر امرا حاسما بشأن الجنوب، الا بعد ان تجد حلا ترعاه الولايات المتحدة مع غريمها الحوثي، طال الزمن او قصر، وهذا يمهد لأن يكون الحوثي وحركة انصار الله، هما الحل القادم بلبس أمريكي جديد كما طالبان، أكثر وأكبر احتمال من أن تقوم السعودية بمنح الجنوب انفصاله أو استقلاله المفترض.. وللحديث بقية.