بعد تطورات أفغانستان… هل ينجح بايدن في إغلاق معتقل غوانتانامو؟
صنعاء – صفية مهدي
بينما تتوجه أنظار العالم نحو أفغانستان، التي تُطوى فيها أحداث بدأت منذ 21 عاماً، تراقب أسرة المعتقل اليمني بشير المرولة ومثلها عشرات أسر المعتقلين اليمنيين في سجن غوانتانامو سيئ السمعة، أو في سجون أخرى نقل إليها السحناء في السنوات الأخيرة، ما إذا كان الوقت قد حان، لطي معاناة طال أمدها، في ضوء المستجدات الأخيرة وإعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نيتها إغلاق المعتقل.
وبينما يتوزع ما تبقى من المعتقلين اليمنيين بين غوانتانامو وسجون دول أخرى نقلتهم إليها واشنطن، أبرزها في الإمارات العربية المتحدة، شهدت الأسابيع الماضية، تطوراً لافتاً، بإفراج أبوظبي عن 6 معتقلين لديها، من أصل 18 سجيناً يقول أهاليهم، إن مواصلة اعتقالهم تتم بصورة تعسفية.
ويكشف حسين المرولة، وهو شقيق المعتقل اليمني بشير المرولة، عن جانب من المعاناة التي واجهتها أسرته، فبعد 15 عاماً من تغييب بشير في سجن غوانتانامو، استبشر والده ووالدته بأنه بات طليقاً عندما نقلته الولايات المتحدة إلى الإمارات عام 2016، وشرعا بخطبة الفتاة التي كان من المقرر أن يتزوجها بمجرد عودته، لكن المفاجأة أن أبوظبي واصلت اعتقاله، وكأن شيئاً لم يتغير، بحسب درج.
ويضيف أن والده ووالدته وبعد جهود مضنية، نجحا في زيارة الإمارات، لمدة شهر واحد، وسُمح لهما بخمسة لقاءات لا غير مع بشير بعد تغييب دام 16 عاماً، بظروف أمنية مشددة، وإلى اليوم، ما زال معتقلاً، دون توضيح الأسباب.
وتابع، “بشير تم اطلاقه ومن معه من اليمنيين لإعادة التأهيل النفسي والعلمي، فاحتضنتهم الإمارات كعمل إنساني”، كما هو حال سلطنة عُمان، والمملكة العربية السعودية وغانا والجبل الأسود، ومع ذلك “زجت الإمارات بالشباب في السجن. ونالوا منها أسوأ المعاملة”، في حين أن يمنيين آخرين أطلقت سراحهم القوات الأميركية وتسلمتهم عُمان، أصبحت لديهم “بيوت وتزوجوا”، ومنهم من أكمل دراسته.
معاناة طال أمدها
بشير المرولة، هو واحد من عشرات اليمنيين، الذين كانوا ذات يوم يمثلون ثالث أكبر الجنسيات عدداً في سجن غوانتانامو، بعد الأفغان والسعوديين. إذ بلغ عدد اليمنيين الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 144 يمنياً، 90 في المئة منهم اعتقلوا عام 2002.
بين عامي 2004 و2017، تم الإفراج عن نحو ثلث المعتقلين، من دون أن تذكر المراجع بدقة وجهتهم بعدها. وبعد سنوات طويلة من المعاناة، بدأت الولايات المتحدة الإفراج عن دفعات جديدة، إذ نقلت 24 في المئة من المعتقلين بين عامي 2015 و2017 إلى سلطنة عُمان و16 في المئة نقلوا إلى الإمارات خلال عامي 2015 و2016، كما نُقل 7 في المئة إلى السعودية عام 2016. وتوزع الآخرون على كلٍ من غانا وإثيوبيا والرأس الأخضر وصربيا.
وبحسب البيانات السابقة، فإن 15 يمنياً، أي ما نسبته 13 في المئة من إجمالي المعتقلين، ما زالوا في غوانتانامو، في حين أن اثنين من المعتقلين تُوفيا داخل المعتقل الأشهر في العالم.
وعود بايدن والملف المؤرق
مع تولي الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما السلطة مطلع عام 2009، أطلق وعوداً متكررة بإغلاق غوانتانامو، في ضوء ما خرج من فضائخ عن الانتهاكات. لكن الرئيس الذي استمر في منصبه ولايتين متتاليتين، غادر البيت الأبيض، من دون أن يكون قادراً على تنفيذ وعوده، ما اعتبر مؤشراً على حجم التعقيدات الأمنية والعسكرية.
ومع انتقال السلطة منذ شهور إلى رئيس جديد هو جو بايدن، أطلق الأخير وعوداً جديدة بإغلاق المعتقل، وهي الوعود التي قُوبلت بالتشكيك.
ويقول الصحافي المهتم بملف يمنيي غوانتانامو محمد الأحمدي، إن قضية اليمنيين في المعتقل،
من الملفات الحقوقية المؤرقة التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن الحديث عن إغلاق المعتقل ليس وليد اللحظة وليس توجه إدارة جو بايدن فقط، فهذا التوجه بدأ من عهد أوباما، ولكن يبدو أنه قوبل بعراقيل.
ويضيف: “الولايات المتحدة الأميركية تعتقد أن الحكومة اليمنية ضعيفة وغير قادرة على إعداد برامج لإعادة تأهيل هؤلاء المعتقلين، وبالتالي لدمجهم في المجتمع، أتت فكرة استضافتهم لدى دول أخرى”.
مجموعات نُقلت وأخرى تنتظر
تتضمن المجموعات التي أفرجت عنها واشنطن ونقل أفرادها إلى دول مختلفة، العشرات ممن كانت اللجان المتخصصة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية- البنتاغون، أعلنت أنهم لم يعودوا يشكلون خطراً على مصالحها وبالتالي يمكن إطلاق سراحهم.
ويقول الأحمدي إن “حكومات عدة استقبلت مجموعات من معتقلي اليمن في غوانتانامو من بينها الإمارات وسلطنة عمان، والأخيرة نجحت في الوفاء بالتزاماتها تجاه المعتقلين ووفرت لهم ظروف حياة كريمة بخلاف دولة الإمارات التي لم تفِ بالتزاماتها تجاه 18 معتقلاً يمنياً، استقبلتهم بالاتفاق مع الحكومة الأميركية وحرمتهم حقوقهم ولم تلتزم باتفاقها مع الولايات المتحدة الأميركية بخصوصهم”.
أما من تبقى في المعتقل، فيشير الأحمد إلى أن نصفهم تقريباً يمنيون، بعضهم أقرت هذه اللجان بإطلاق سراحهم، لكن إلى الآن لا أحد يعرف إلى أين سيتوجهون، هل سينقلون إلى اليمن أم إلى دولة أخرى تستضيفهم، وهناك آخرون لا يزالون في نظر اللجان التابعة للبنتاغون يشكلون خطراً على الأمن القومي الأميركي”.
المعتقل كمشكلة…
يوضح المستشار القانوني والخبير الدولي في قضايا حقوق الإنسان جمال الجعبي، أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تواجه مشكلة في التعاطي مع معتقلي غوانتانامو.
ويضيف أنه أثناء الحملة الانتخابية لأوباما كان من ضمن الوعود إغلاق المعتقل ولكنه تراجع في الأسبوع الأول، تحت تأثير ملفات الحالة الأمنية التي تقدمها له المخابرات. وبدلاً من إغلاق المعتقل “قام بخطوات تخفيفية على السجناء كالسماح لهم بالاتصال بعائلاتهم، وتسريع المحاكمات. وواجه الرؤساء الأميركيون حوادث غريبة منها اتهام رجال دين مسلمين مكلفين من الإدارة الأميركية، بالتآمر مع السجناء”.
وبشأن الوضع القانوني للمعتقل، يقول الجعبي إن الأجهزة الاستخبارية والمؤسسة القضائية في الولايات المتحدة تواجه جدلاً أخلاقياً وقانونياً وقيمياً شديداً منذ يوم الاعتقال الأول، ومع ذلك، فإنه فيما تقر السلطات الأميركية بوجود معتقلين لا اتهامات محددة ضدهم، فإن “بعض من تم الإفراج عنهم شاركوا في استهداف المصالح الأميركية”.
وفيما كان لكتابات بعض الإعلاميين الذين اعتقلوا في غوانتانامو، دور في تسليط الضوء الجدل القانوني، يقول الجعبي إن “اختيار موقع المعتقل في خليج غوانتانامو الواقع في الأراضي الكوبية يستهدف رفع الحرج والتخفيف من الجدل القانوني حول المعتقلين”.
وبشأن دور الجهات المعنية في الدول التي يحمل المعتقلين جنسياتها، يقول المتحدث إنه اتسم بالضعف والخوف من الاتهامات الأميركية، ورغبة في التخلص من عبء استقبالهم، ولهذا ناقشت الإدارة الأميركية في فترات مختلفة فكرة فتح معتقلات تحمل طابع التأهيل للمعتقلين، في السعودية أو اليمن، ولكن الخشية من وجودهم في مناطق ينشط فيها تنظيم “القاعدة” وإمكانية تعرض هذه المعتقلات للهجوم لتحريرها. كما تم نقل بعضهم إلى معتقلات سرية في دول عربية لم يعرف موقعها.
ويخلص الجعبي إلى أن الضربات التي يقوم بها تنظيم “القاعدة” ضد المصالح الأميركية، تجعل الإفراج عن المعتقلين عرضة للتأخير، كما أن ما يزيد صعوبة الموقف الأميركي أن الأرضية القانونية للاتهامات ضعيفة. لهذا يكون أسهل الإجراءات بالنسبة إلى الرؤساء الأميركيين، ترحيل الموضوع. ويبدو أن الرئيس الأميركي الحالي يريد إنهاء الملف كما فعل في موضوع إعادة حركة طالبان إلى السلطة”.