الساحر والممثل والسائح.. قصص نجاح لثلاثة شباب من اليمن
أحمد النجار
شباب يمنيون برتبة سفراء مبدعون تحدوا حواجز القهر، وكسروا أسوار الحصار، فخاطبوا العالم بلغته الرقمية التي يفهم، أخبروه أن اليمن بوجعه المنسي لايزال موجوداً على الخريطة، هؤلاء “اليوتيوبرز” جمعهم الإبداع الإنساني في صناعة محتوى بالحب والسحر والابتسامة، هم ثلاثة نجوم من محافظات مختلفة، لم يفكروا بالحدود بل بالقلوب، ما يهمهم حقاً هو أن يصنعوا بهجة حقيقية في وجدان متابعيهم.
صوت ينصت له الملايين
هؤلاء “اليوتيوبرز” الثلاثة يريدون أن يكون لهم صوت ينصت له الملايين لكي يثبتوا حقهم الإبداعي في قارة “يوتيوب العظمى”، ليكون لهم بيت باسمهم لا يهدد أركانه عنف أو قصف، ولا يزالوا يدركوا أن برقيات الفقر والجوع واستغاثات جرحى الحروب لم تعد تعرف طريقها إلى بريد الإنسانية.
كما يدركون أيضاً أن قليلين فقط يتذكرون مأساة شعب يرزح منذ عقد كامل على خطوط النار، شعب لم يعد يتذكر طعم مرارته عند احتساء قهوة “موكا” التي لطالما كان يقطفها من حقول جباله ليشحنها إليهم عبر ميناء “المخا”.
الفلاح الذي أصبح من أشهر صناعي المحتوى في الشرق الأوسط
صدام العزي، الملقب بـ”الساحر” الذي كشف أسرار الخدع وألعاب الخفة لأشهر محترفي ألعاب الخفة في العالم عبر قناته في “يوتيوب”.
صدام الذي يعد من أشهر صناع المحتوى الترفيهي في الشرق الأوسط، يدير اليوم قناة رقمية مختصة بكشف أسرار الخدع السحرية وألعاب الخفة، يتابعها أكثر من 3 ملايين مشترك، ينتظرون فيديوهاته التي تحقق أعلى المشاهدات بأرقام مليونية.
اعتمد صدام وهو ابن محافظة ريمة، على ذكائه الفطري لتخطيط خارطة مستقبله، بعد أن تعثر تعليمه بالمرحلة الإعدادية، فلم يكمل دراسته لظروف قاهرة دفعته إلى العمل فلاحاً في ريف قريته، لمساعدة أهله في تأمين قوتهم المعيشي، لينتقل بعدها للعمل في محافظة ذمار في متجر إلكترونيات، ثم قرر صدام في العام 2017، أن يفتح قناته الخاصة على “يوتيوب”.
أصبحت قناته هي الأكثر مشاهدة في اليمن، فعندما يطل صدام في فيديو فإنه ينتصر بأرقام المشاهدات على كل الهالات الإعلامية الأخرى.
صفحة صدام وحدها على “فيسبوك”، امتلكت خلال 3 أشهر مئة مليون مشاهدة، واقتربت من حاجز المليون متابع، وكسب الولد الريفي البسيط الذي تجمهر حوله الملايين مؤيدين ومتابعين، كما امتلك قلوب الجميع بابتسامته التي فكت طلاسم السحرة.
درع ذهبية وصفقات تعاون صينية
لم ينته طموح صدام هنا بل سعى إلى التعاقد مع مصانع صينية لإنتاج وصناعة منتجات ألعاب الخفة، وافتتح متجراً خاصاً به لبيع منتجات ألعاب الخفة على “أمازون” و”سوق.كوم مصر”، وأصبح صدام ساحر خدع سحرية ويمارس ألعاب الخفة في المقابلات والشوارع.
يقول صدام: “لا زلت أشعر كأنني أعيش في خيال” لا أصدق أنني أصبحت أول يوتيوبر يمني يحصل على الدرع الذهبية من يوتيوب. وأضاف: “هل فعلاً أنه أصبح لديّ مليون صديق حول العالم؟! هل فعلا هناك مليون شخص ينتظرون فيديوهاتي؟! هل فعلا أنا صاحب أكبر قناة في اليمن؟”، وتابع: “أرجوكم قولوا لي إن ما يحدث الآن هو حقيقه، وإن الجميع يستطيع أن ينجح وإني فعلاً نجحت”.
شركة إنتاج في هاتف نقال
وبعيداً عن صناعة السحر، قريباً من هموم الإنسان اليمني، يبدع “يوتيوبر” آخر، هو نشوان الرزمي 33 عاماً، شاب عاطل لم يكمل دراسته الثانوية، أدار مؤشر طموحه نحو الدراما، فقرر إنتاج مسلسل وهو الذي لا يملك أي خبرة فنية، وتم بالفعل تصويره في محافظة إب، على سفوح قريته الريفية المستلقية على جغرافيا جبلية يبلغ ارتفاعها نحو 3000 متر فوق سطح البحر، نشوان الذي عاش المرارة بألوانها، ليوفر قوتاً يومياً لإعالة أسرته، فعمل سباكاً وعامل بناء وسائق دراجة، ليقرر أخيراً أن يفتح قناة رقمية على يوتيوب، ويصنع محتوى كوميديا بلهجة ريفية بيضاء، ليحول طموحه من هواية إلى مصدر رزق يدر عليه دخلا شهرياً، واستطاع نشوان خلال 4 سنوات من اجتهاده الإبداعي من تصوير مقاطع كوميدية تكورت إلى إنتاج مسلسلات اجتماعية ترصد مشكلات مجتمعية وتجسد معاناة المزارعين وقضايا غلاء المهور والبطالة والغربة يتناولها بأسلوب كوميدي طارحاً لها حلولاً شعبية ورؤى درامية لعلاجها.
استديو ريفي مفتوح
أبدع نشوان تصوير محتوى بلا كاميرات تلفزيونية ولا استديو وإضاءة أو مونتاج وأدوات بث، مستعيناً فقط بهاتف نصف ذكي سعره 25 دولارا، ورفقة 13 طفلاً من أبناء قريته، ينتج مقاطع مسلية تفوق في إبهارها دراما تلفزيونية بميزانيات ضخمة، وحوّل الرزمي هموم ومعاناة وقضايا مجتمعه إلى سلسلة حلقات كوميدية، يبثها بالفيديو على قناته في “يوتيوب”، يتابعها نحو 400 ألف مشترك، فتحظى فيديوهاته بمشاهدات مليونية، فهو المخرج والمؤلف والمنتج والمصور وكاتب السيناريو.
ينتج نشوان دراما تعالج قضايا وهموما سائدة في المجتمع يعانيها الكثيرون، ليقدم قصصاً مهمة ملهمة توازي ما تقدمه مؤسسات صناعة الدراما في اليمن، يوصف بأنه شركة إنتاج في هاتف شخصي، حيث يقدم محتوى توعويا بصبغة مشوقة في استديو ريفي مفتوح ضمن قصص كوميدية متنوعة أبطالها ممثلون صغار بمواهب ربانية لم تصقلها أكاديميات أو معاهد تمثيل، تديرهم عقلية مخرج يمتلك إرادة الإنجاز، يصرّ ترجمة رؤيته من صفر إمكانات لتقديم صورة من الوجع اليمني من خلال جرعات خفيفة من الفرح لتكون فسحة أمل لتلطف آلام الناس.
https://www.youtube.com/watch?v=NMtXTrBYzAw
سياحة داخلية بلا عنف
ويحاول عياش شبيل، صانع محتوى حائز على لقب أول يوتيوبر يمني يصور “فلوقات” من اليمن، أي التدوين المرئي من خلال نشر فيديوهات عن واقع الشخص وحياته على السوشيال ميديا، تكون هذه المنشورات في قالب فيديو، ويمتلك عياش أكثر من 230 ألف مشترك، تحقق بعض فيديوهاته المليون مشاهدة، تتضمن أجواء جاذبة من الأرياف في مختلف محافظات اليمن، ومواقع تاريخية وأثرية تساهم في تعريف الشعوب بما لا يعرفونه عن البلاد الجاثمة تحت رحمة الحرب.
https://www.youtube.com/watch?v=Q0NhGkVkTqc
ويقول عياش إنه عاشق للسفر والاستكشاف، ويسعى إلى توثيق رحلاته الشخصية في قناته من أجل تشجيع السياحة الداخلية في مناطق نائية ومنتجعات جبلية وتلال وجزر يمنية، وتعريف المتابعين والمهتمين على عناصر التقاليد والعادات من محافظة لأخرى، من دون أن يفوته بالطبع نشر قيم التآخي والسلام عبر فيديوهات تحث على التصالح وتدعو إلى نبذ كافة أشكال العنف ووقف الحرب ليعم السلام كل ربوع اليمن.
https://www.youtube.com/watch?v=mABctU5XkdU