أزمة الغاز تفاقم معاناة سكان تعز.. والسبب: “الوكلاء أم هوامير وتجار السوق السوداء”!
تعز – محمد علي محروس، محمد عبدالله:
يستيقظ الخمسيني سالم علي، مبكرًا؛ من أجل الحجز في مقدمة طابور التسجيل للحصول على أسطوانة غاز في مدينة تعز، جنوبي البلاد. لا يبارح الرجل مكانه؛ فالعشرات من خلفه ينتظرون دورهم من أجل أسطوانة الغاز صعبة المنال في تعز التي تعيش تحت وطأة أزمة مستمرة منذ نحو أسبوعين.
يقول سالم: “أحمل أسطوانتي، وأسابق الشمس لأحجز مكاني، ويا ليت بعد هذا كله تصل الأسطوانة في موعدها، من يوم لآخر والغاز لا يتوفر، كان من قبل في الأسبوع مرة، وبعده كل أسبوعين، والآن بلا موعد، وكلما سألنا نجد أعذارًا جديدة”.
يتشارك سالم الحالة ذاتها مع آلاف السكان في مدينة تعز، في ظل أزمة يشبهها كثيرون بذات الأزمة التي شهدتها المدينة خلال عامي 2015 و2016، في أوج المعارك العسكرية بين القوات التابعة لحكومة الشرعية وقوات جماعة الحوثي.
وتشهد مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، أزمة في غاز الطهي، بينما قفزت أسعار تعبئة الأسطوانة إلى الضعف في السوق السوداء.
وقال سكان محليون في أحاديث منفصلة إن أسطوانة الغاز في السوق السوداء بلغ سعرها 12 ألف ريال يمني، بعد أن كانت تُباع في السابق لدى وكلاء الغاز بخمسة آلاف ريال، بحسب المشاهد.
ويتهم المواطنون وكلاء الغاز بالمتاجرة بحصة المدينة من الغاز المنزلي، وبيعها في السوق السوداء، مطالبين الجهات الرسمية بوضع حدٍّ للأزمة المفتعلة، ومحاسبة من يقف وراءها.
توصيف الأزمة
إجازة مرضية لمدة 3 أشهر تقدّم بها بلال القميري، مدير فرع شركة الغاز في تعز، ليُكلّف على إثرها أحمد الصبري، قائمًا بأعماله، وهو ما استدعى البدء بآلية عمل جديدة من أجل توزيع عادل، ومبني على الاحتياج السكاني لكل حي، وفق ما يقوله المهندس لبيب المقرمي، نائب المدير لشؤون التموين.
11 متعهدًا جديدًا في بعض الأحياء السكنية، تضمنتهم الآلية الجديدة لتوزيع 2680 أسطوانة بشكلٍ أسبوعي، أدى ذلك إلى رفض الآلية من قبل بعض وكلاء التوزيع المعتمدين، وعملوا على صنع أزمة غاز في عدد من الأحياء السكنية للضغط على شركة الغاز بالمحافظة من أجل التراجع عن قرار العمل بالآلية الجديدة، كما يقول.
ويرى المقرمي أن هؤلاء يعملون من أجل بقاء الوضع على حاله؛ ليستفيدوا من الحصول على فائض عددي في أسطوانات الغاز وبيعها في السوق السوداء بسعر مضاعف، لذلك لم يتجاوبوا مع التعميم الذي يلزمهم بكشف فيه أسماء سكان الحي المستفيدين، تتم طباعته ووضعه في واجهة مكان التوزيع.
84 وكيلًا، يعملون على توزيع 38,175 أسطوانة غاز بشكل أسبوعي في مديريات المدينة الثلاث، بحسب كشف من محطة الفرشة التي تقوم بعملية التعبئة الخاصة بالمديريات التابعة لحكومة هادي.
لكن ذلك لا يسير بشكله الصحيح منذ أكثر من أسبوعين؛ بفعل محاولة البعض عرقلة العمل بالآلية الجديدة، وهو ما أدى إلى صدور لفت نظر بحق الوكلاء الرافضين، مع الشروع بإجراءات ضبطية غير معلنة.
ويقول القائم بأعمال مدير فرع شركة الغاز في تعز، أحمد الصبري، إن اتهامات وكلاء الغاز لا أساس لها من الصحة، وأن الكميات هي ذاتها لم تتغير، وإن نقصت في بعض الأحيان، فإنها ترجع لأسباب تشغيلية وصيانة لمعامل الإنتاج.
وأرجع الصبري أسباب الأزمات السابقة واللاحقة للغاز، إلى تهريب وإخفاء الكميات من قبل من سماهم “هوامير الغاز وتجار السوق السوداء”.
وأضاف: “عندما شعروا (إشارة إلى تجار الغاز) أن مصالحهم ستتضرر، وخصوصًا عندما بدأنا بتطبيق نظام آخر لتوزيع الكميات، وبالذات تغطية احتياج كبار المستهلكين وبالسعر الرسمي 5000 ريال، تعمدوا إحداث الفوضى، وقاموا بتحريض زملائهم وبعض المواطنين”.
واتهم الصبري الوكلاء بالوقوف وراء الأزمة، بعد رفضهم تحميل مخصصات مناطقهم، موضحًا أن الآلية الجديدة لتوزيع المخصصات، ستتم بعدة مراحل، أبرزها إنزال مخصصات المناطق، وفقًا للكثافة السكانية، لضمان توزيع عادل يشمل جميع المناطق بلا استثناء.
طوابير انتظار
على مد البصر تنتشر طوابير انتظار الحصول على أسطوانة الغاز، تتشارك الحالة أحياء سكنية عدة، ورغم أن أزمات الغاز لم تنفك عن تعز منذ اندلاع الحرب فيها، إلا أن هذه تعد من أشدها وقعًا؛ كونها جاءت بعد عيد الأضحى، وكثيرون عادوا من قراهم عقب قضاء الإجازة، وفي مخيلتهم أنهم سيحصلون على أسطواناتهم دون عناء.
نسي حمدي محمد، آخر مرة ذهب فيها إلى وكالة الغاز في حارته، منذ 6 أشهر وهو يقوم بالتعبئة من محطة غاز مخصصة للمركبات، لا يدري ما السبب ومن المتسبب، ولا يريد أن يبقى كل شيء بالحالة السابقة دون عدالة توزيع أو تنظيم للعملية على الأقل مع ضمان توفير كميات تكفي للتعامل مع بوادر أية أزمة في مهدها.
وتتفاوت أعمار المنتظرين على امتداد الطوابير، أطفال وشيوخ ونساء، منهم من لم يذهب إلى عمله الذي يعول به أسرته، وحتى بعض الطالبات الجامعيات لا خيار أمامهن إلا انتظار دورهن في الطابور المصحوب بالفوضى، والهوشلية، والتلاسن، والاشتباك بالأيدي، وقد يصل أحيانًا إلى إطلاق النار.
يعيد محمد مارش، عضو اللجنة المجتمعية للرقابة في تعز، ما يجري، إلى ضعف فاعلية التعامل مع الأزمة من قبل شركة الغاز في تعز، التي تملك كل القدرة على تجاوز الأزمة من خلال تفعيل كافة الإجراءات تجاه من يتعمدون تأزيم الوضع ومفاقمة معاناة المواطنين، حسب قوله.
ويبدي مارش تخوفه من خروج الوضع عن السيطرة بحيث يصبح الوكلاء هم المستفردين، ويعيدون الأمور إلى سابق عهدها، بسبب ما وصفه بتواطؤ مدير شركة الغاز مع عدد منهم.
ويقترح أن يتم مسح الأحياء السكنية مع منح بطاقة استحقاق لكل أسرة من قبل شركة الغاز، على أن تُفعّل من الشركة عبر الوكيل المعتمد في حيه، مع ختم فيه تاريخ استلام الأسطوانة الشهرية أو نصف الشهرية.
ويؤكد المهندس المقرمي أن الشركة بصدد تعميم الآلية الجديدة على جميع الوكلاء، مع إعادة توزيع الكميات للأحياء وفق احتياجها، وبشكل محدد، بما يضمن عدم تسرّب الأسطوانات المخصصة للسكان إلى المطاعم أو الباصات، ترافق ذلك حملة رقابة موسعة تنفذها الشركة من وقت لآخر.
مسؤولية مشتركة
لا يكفي الناس في تعز أن يبدأ كثيرون منهم يومهم بانتظار دوره للحصول على مياه الشرب أو المياه المستخدمة، أو موعده الشهري لاستلام مساعداته الغذائية، وكذا المعاملات الحكومية أو أية خدمة مفتوحة، حتى تكون أزمة الغاز محورًا آخر من محاور الانتظار في بلد ينتظر هو الآخر فرصته للسلام بعد 7 سنوات من حرب بلا نهاية.
تتحمل السلطة المحلية وشركة الغاز على حد سواء، كافة الممارسات التي يقوم بها وكلاء الغاز في تعز، هذا ما قاله المحامي والناشط الحقوقي ياسر المليكي، واصفًا ما يحدث من قبيل الاستغلال المنظم لمعاناة الناس، وهذه جريمة لا تغتفر، ولا بد من وضع حد لها، وتفعيل الرقابة المشددة لكف مثل هذه الممارسات، كما يقول.
ولا يختلف الأمر لدى المليكي عن غيره من تلاعب للأسعار واحتكار للسلعة وانعدام المعالجات الملموسة، وهذا أثر من آثار الحرب.
وقانونيًا، هناك قانون يفرض عقوبات تصل إلى حد السجن لمن يعملون على احتكار السلع رغم توفرها، تسبقها غرامة مالية من 10 إلى 100 ألف ريال، وإن ثبت استمرارهم فإنه تتم مصادرة الأرباح، والكلام هنا للمحامي المليكي.
حتى الانتهاء من هذه المادة، تظل حالة الشد والجذب بين الوكلاء وشركة الغاز، قائمة، وبينهما أزمة أجبرت مواطنين على العودة للحطب أو الشراء من المطاعم، والأخير لمن استطاع إليه سبيلًا.
حلول منتظرة
ويقول الصبري إن شركة الغاز بتعز ستبدأ بترتيب الوكلاء والفصل بينهم، وإعادة هيكلة لمواقعهم لأنها تقع حاليًا على “الشوارع الرئيسية، الأمر الذي يسهل على الوكلاء إخفاء الكميات أو توزيعها على الباصات أو أصحاب الدراجات النارية، ليتم بيعها في السوق السوداء”، وفق قوله.