ما الجديد لديك يا سيد هانز؟ بقلم| نبيل البكيري
نبيل البكيري
عُين، مؤخرًا، الدبلوماسي السويدي السيد هانز جرندبيرغ، مبعوثًا جديدًا لليمن، خلفًا لسلفه البريطاني مارتن جريفيث، الذي جاء هو الأخير عقب مبعوثين عربيين، هما المغربي جمال بن عمر، والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، ليأتي السيد هانز على سلسلة إخفاقات كبيرة لسابقيه في فهم طبيعة صراعات الأزمة والحرب في اليمن، ليدفعنا هذا الوضع المعقد للتساؤل: ما الذي لدى السيد هانز ليقدمه في هذا الجانب؟ وما هي إمكانياته المختلفة التي قد تحدث فارقًا في الملف اليمني؟
ندرك جميعنا، أن الملف اليمني وصل مرحلة من التعقيد والفوضى، ما يجعل مسألة البحث عن حلول أشبه باللعب داخل لعبة متاهة، في ظل صراعات داخلية معقدة، تكبر يومًا بعد آخر، في ظل طول أمد الحرب، وسعي الجميع لتحويلها إلى حرب منسية لاستدامتها كورقة سياسية لصراع دولي مفتوح، وهذا ما رأيناه مؤخرًا في الجدل الدائر حول تعيين هانز نفسه، بتحول الملف اليمني لورقة سياسية يتم تجاذبها بين هذه القوى الدولية.
لكن، قبل هذا كله، باعتبار السيد هانز جرندبيرغ، ببلوماسيًا غربيًا اقترب كثيرًا من الأزمة اليمنية، ربما منذ بداية الحرب، نتساءل: هل تشكل لديه تصور كافٍ لمقاربة هذا الأزمة، يختلف عن مقاربة من سبقوه، بخاصة تلك المقاربات التي فشلت جميعها في تقديم أي تصور للأزمة يقف على جذورها وأسبابها ومعالجاتها؟
وهو ما يجعلنا أكثر جدية في القول بأن تكرار المقاربات القديمة الفاشلة سلفًا، لن تقدم جديدًا في الأزمة اليمنية، بخاصة وتلك المقاربات كلها كانت تنطلق من فرضية خاطئة تتجاوز حتى المقاربة الأممية التي تمثلت بالقرار الأممي 2216، الذي قارب لدرجة كبيرة جذور الأزمة والحرب في اليمن، ووضع لها إطارًا للحل، للأسف تم تجاوزه في كل مقاربات مبعوثيه الأمميين، مما جعلهم يبدون كلهم أكثر انكشافًا وتؤاطؤًا من جماعة الحوثي المنقلبة على الدولة اليمنية.
أتمنى أن يدرك السيد هانز، أن المسألة اليمنية، لا تحتاج سوى لقليل من التواضع من قبله، والابتعاد كثيرًا عن كل إطارات وتصورات المبعوثين السابقين للأزمة، وتغيير أدواته وآلياته للبحث عن حلول عن تلك المقاربات والآليات السخيفة التي استنفد فيها سابقوه جهودًا وأوقاتًا وأموالًا كبيرة لوضع تصور متماسك للأزمة والحرب في اليمن، وكلها تصورات أقل ما يقال عنها أنها سخيفة، اختزلت وحولت الأزمة اليمنية لأشبه بأزمة نوع اجتماعي “جندري”، وأن الحل يكمن في حل هذه الأزمة من خلال آليات ومقاربات الكوتات النسائية والشباب.
ليس هذا فحسب، بل الأخطر من هذا كله، هو التصور المسبق والسائد لديهم، للحديث عن أطراف نزاع، وكأن ما جرى في اليمن مجرد سلسلة حروب غير معروفة الأسباب والمسببات، مما جعل المقاربة الأممية أكثر ركاكة في كل مراحلها، مما كتب عليها الفشل المطلق، لأنها لم تنطلق من واقعية الأزمة، بقدر ما انطلقت من تصورات سخيفة تم بناؤها في جولات مكوكية وندوات وورش عمل فارغة لمجموعة من الناشطين والناشطات، الذين لا علاقة لهم بالشأن العام، ولا يمتلكون أية رؤية معرفية لحقيقة التاريخ والمجتمع اليمني وتركيبتة المعقدة اجتماعيًا وقبليًا.
أما اليوم، فإذا ما أراد السيد هانز، أن يتقدم خطوة واحدة للأمام، فعليه تجاوز كل تصورات من سبقوه، ولا يبني على تلك التصورات أي شيء، هذا عدا عن إدراكه مدى التعقيدات الداخلية للملف اليمني، فضلًا عن التحولات الأخيرة في هذا الملف من خلال حالة الصراع والاستقطاب الدولي الذي ظهر مؤخرًا أثناء عملية اختياره مبعوثًا لليمن، وكيف تدخلت أطراف دولية متحكمة في تعيينه، واضعة خطوطها الحمراء والخضراء، التي طرأت على القرار الأممي برمته.
قد يعتقد البعض، أنني متشائم هنا، ولدرجة كبيرة من التشاؤم، وعدم وجود أية نسبة تفاؤل لدي، تجاه المبعوث الجديد، ككل سابقيه، وهذا الأمر لا علاقة له بالتفاؤل والتشاؤم، بقدر علاقته بواقع أزمة مر عليها 7 سنوات، دون أي جديد يٌذكر في مساراتها وتصوراتها المفترضة، وأن كل ما طُرحت من تصورات أقل ما يٌقال عنها أنها تصورات طفولية سخيفة، سواء تلك التي اشتغل عليها المبعوثون الأمميون السابقون، أو تلك التي قُدمت لهم من خلال أنشطة وفعاليات ما يٌعرف بالمجتمع المدني ومنظماته الكثيرة.
وحتى نخرج من هذا المسار المتشائم، نطرح بين يدي السيد هانز، جملة من المقترحات، علها تصل إليه، وتضعه في صورة الأزمة والحرب وحلولها، أو تسهم على الأقل في تنويره قليلًا، وتخرجه من دائرة ودوامة “جَمل المعصرة”، كما يقول اليمنيون.
ونطلاقًا من ذلك، نقول إن الحرب والأزمة في اليمن، لا يمكن بحال من الأحوال، فهمها وفهم تعقيداتها، بدون قراءة تاريخية علمية لجذورها وأسبابها، وأن تجاوز هذا الإطار حتمًا هو تأسيس للفشل، لأنه لا يمكن حل هذه الأزمة بناءً على تصورات مغلوطة تمامًا، فالحرب والأزمة في اليمن ليست وليدة أحداث ما قبل وما بعد 11 فبراير، وإنما تلك الأحداث هي محطة من محطات هذه الحرب والصراع بين مشروعين، إمامي ثيوقراطي وجمهوري ديمقراطي.
الأمر الآخر، صحيح أن الحرب في اليمن لها أبعاد إقليمية واضحة، لكن هذه الأبعاد هي أبعاد ثانوية تمامًا، فأصل المشكلة تمكن في الداخل اليمني وتعقيداته أولًا، وما العامل الإقليمي سوى عامل ثانوي يوظف المشكل الداخلي، ويمكن تجاوزه لحد ما، في حال تم فهم أسباب الأزمة الداخلية وجذورها، دون رتوش، والدفع باليمنيين المعنيين بهذه الحرب والفاعلين فيها، إلى مكاشفة حقيقية بعيدًا عن الأطراف الكرتونية وتصوراتها السطحية كمنظمات المجتمع المدني والناشطين والناشطات الذين لا يقدمون ولا يؤخرون في هذا الحرب شيئًا.
على السيد هانز، أيضًا، أن يعي جيدًا، لكي يفهم الوضع في اليمن بشكل أدق، عليه أن يتحول لمجرد باحث حقيقي بعيدًا عن التصورات المسبقة المُعدة سلفًا من قبل الأطراف الغربية، في رؤيتها لإدارة الأزمات واستدامتها في المنطقة العربية، من خلال ورقة الأقليات الطائفية، والعمل من خلالها على إيقاف وإعاقة أي تحول ديمقراطي وانتقال سياسي حقيقي في المنطقة العربية.
أعتقد أني حاولت هنا جاهدًا، أن أكون صريحًا وجريئًا في أن أقول ما أعتقد أنها محاولة جادة في البحث عن مخرج طوارئ للأزمة والحرب في اليمن بعيدًا عن اللغة الدبلوماسية المخاتلة، والاشتغال الرمادي، وبعيدًا أيضًا عن لغة موسم السوق وأدواته التي تحول أية أزمة في مجتمعاتنا إلى موسم أرباح طائلة ممثلة باشتغالات منظمات المجتمع المدني والعمل الإنساني، التي تحول هذه الأزمات لمواسم أرباح وأرصدة كبيرة لها وللعاملين فيها، والتي تستهلك ما يقارب 80% من دعم المانحين في إدارة واستدامة مشهد الحرب على البحث عن حلول جذرية لها.