“بيغاسوس” لم يستثنِ اليمن.. كيف وقع الجميع في المصيدة؟
صنعاء – محمد محروس
كأن اليمن لا يكفيها ما فيها؛ كدولة لم تعد تملك في جعبتها شيئًا؛ بسبب مآلات الوضع المعقّد الذي تعيشه بفعل التباينات السياسية المستمرة، والفجوات الاقتصادية المؤجِّجة لسوء الأحوال المعيشية في جانبي الوطن، إضافة إلى المواجهات العسكرية التي لا أفق لنهايتها منذ نحو سبع سنوات.
لم تتوقف الإمارات عند ما حققته على الأرض بعد تدخلها ضمن نطاق التحالف العربي المعلن في مارس/ آذار 2015، وتجاوزته إلى ما هو أبعد من ذلك؛ كدولة فاعلة ومؤثرة على مجريات الأحداث في بلد يُصارع من أجل البقاء، وهو ما كشفته تسريبات بيغاسوس، التي كان لليمن فيها نصيبٌ؛ بفضل التواجد الإماراتي واسع الانتشار.
“بيغاسوس” المشروع والبرنامج
يُعدّ “مشروع بيغاسوس” تحقيقًا استقصائيًّا تعاونيًّا تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية.
وكشف التحقيق الذي نُشرت نتائجه في الـ18 من يوليو/ تموز الماضي، عن أن برنامج “بيغاسوس” للتجسس -الذي تنتجه شركة “إن إس أو” الإسرائيلية- استُخدِم لاختراق هواتف صحفيين ومسؤولين وناشطين بأنحاء متفرقة من العالم، من بينها اليمن.
ويستند التحقيق -الذي أجرته 18 وسيلة إعلامية دولية- إلى قائمة حصلت عليها منظمتا “فوربيدن ستوريز”(Forbidden Stories) والعفو الدولية.
و”بيغاسوس” من برامج التجسس باهظة التكلفة، فوفقًا لقائمة أسعار 2016 -بحسب موقع “فاست كومباني” -(FAST COMPANY) فإن شركة “إن إس أو” تطلب 650 ألف دولار من العملاء مقابل اختراق 10 أجهزة؛ إضافة إلى نصف مليون دولار رسوم تثبيت البرنامج.
ويعتبر “بيغاسوس” من أخطر برامج التجسس، ويستهدف بشكل خاص الأجهزة الذكية التي تعمل بنظام التشغيل “آي أو إس “(iOS) لشركة آبل، لكن توجد منه نسخة لأجهزة أندرويد تختلف بعض الشيء.
يعمل البرنامج بطريقة “التصيد”؛ كونها أكثر الوسائل شيوعًا لإصابة الجهاز ببرنامج التجسس هذا، حيث يتم إرسال رسالة بريد إلكتروني إلى الضحية تضم رابطًا مشبوهًا، وعند النقر عليه يتم تثبيت الفيروس في الجهاز.
في دائرة التجسس
تتضمن قائمة الاستهداف 50 ألف رقم هاتف يُعتقد أنها لأشخاص تعتبرهم “إن إس أو” موضع اهتمام منذ عام 2016، إضافة لأرقام ما لا يقل عن 180 صحفيًّا و600 سياسي و85 ناشطًا حقوقيًا و65 رجل أعمال، وفق التحليل الذي أجرته المجموعة الصحفية التي حددت العديد من الأرقام في عدة دول.
وأشار التحقيق إلى أن حكومات 10 بلدان على الأقل، من بين عملاء شركة(NSO) الإسرائيلية، أبرزها البحرين وكازاخستان والمكسيك والمغرب وأذربيجان ورواندا، وكذلك السعودية والمجر والهند والإمارات.
وتوصلت التسريبات الجديدة إلى لجوء الإمارات لشركة NSO الإسرائيليّة الخاصّة، وتحديدًا إلى برنامجها الشهير للتجسّس Pegasus، للتنصّت على معظم وزراء الحكومة المعترف بها دوليًّا، وفق ما أورده موقع درج اللبنانيّ، إحدى المؤسسات الإعلامية العاملة على مشروع بيغاسوس.
ووَفق الموقع اللبنانيّ، فقد ورد اسم الرئيس نفسه إلّا أنّ فريق التحقيق لم يتمكّن من التأكّد من أرقامه، ولم يسلم أولاد هادي من الرقابة، ولكن لم يتمكّن فريق التحقيق من التأكّد من أرقامهم، باستثناء جلال.
ولم يخرج رئيس الوزراء السابق في الحكومة المعترف بها دوليًّا، أحمد عبيد بن دغر، من دائرة التجسس التي لاحقته منذ توليه منصبه في أبريل/ نيسان 2016، ولا يُتوقع أنها انتهت بانتهاء ولايته في 2018، بل استمرت باستمرار عمله في الحكومة المعترف بها دوليًّا حتى الآن، إضافة إلى مسؤولين آخرين كوزير الخارجية الأسبق عبدالملك المخلافي، ووزير الكهرباء الأسبق عبدالله الأكوع، ووزير الصحة السابق ناصر باعوم، ووزير الشباب والرياضة نايف البكري، ووزير الخارجية السابق خالد اليماني، وأحمد الميسري وزير الداخلية السابق، ووزير النقل السابق صالح الجبواني، ووزير الإعلام معمر الإرياني، ومدير مكتب عبدربه منصور هادي، عبدالله العليمي، وسياسيين ووزراء سابقين آخرين.
كما تمّ الاشتباه باستهداف قيادات في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهذا متوقّع؛ نتيجة لجوء السعوديّة والإمارات إلى استخدام برنامج “بيغاسوس” للتنصّت على الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، ولكن فريق التحقيق لم يتمكّن من التحقّق من هذه الأرقام لصعوبة القيام بذلك داخل اليمن، وفق ما أورده موقع درج.
دون تنسيق
وتوصل تحقيق “بيغاسوس” إلى أن الإمارات نفّذت عملية التجسس على مسؤولين ووزراء يمنيين في الحكومة المعترف بها دوليًّا، يقيمون في السعودية، في خطوة وُصفت بالتعدّي المعزز للانقسام الحاصل بين البلدين مؤخرًا.
ترى الصحفية هلا نصر الدين، معدة التحقيق، في حديثها لـ”خيوط”، أن الاختلاف الضمني بين تسريبات بيغاسوس في اليمن والدول الأخرى متوقف على ما إذا كانت السعودية على علم بالعملية؛ كون الإمارات تنصتت على وزراء ومسؤولين يمنيين مقيمين في السعودية.
وتستبعد نصر الدين أن السعودية كانت على علم بما حدث، رغم ما اعتبرتها انقسامات حاصلة بين الحليفين في اليمن، ويبدو بأن القرار اتُّخِذ من الإمارات التي تذهب في خطوات أحادية على الأرض كانتهاك للسيادة اليمنية، توجته بهذه العملية التي انتهكت خصوصية مسؤولين يمنيين، كما تقول.
وتتكهن الصحفية اللبنانية بأن ما حدث مؤخرًا بين السعودية والإمارات من خلافات ظهرت للعلن قد تكون تسريبات بيغاسوس جزءًا منها، ولكنها تؤكد بأن مثل هكذا أحداث تتحاشى الدول الحديثَ عنها بشكل مباشر، وهذا ما قد يبرر الصمت السعودي تجاه ذلك، حسب قولها.
لا تعليق!
لم تحرّك التسريبات سكون الحكومة المعترف بها دوليًّا، فلا ردَّ فعلٍ يُذكر من قبيل التنديد أو التفنيد على الأقل، وكل ما أجاده المتحدث باسمها راجح بادي هو تجاهل الرد على التساؤلات، التي بحثنا فيها عن موقفٍ رسمي تجاه ما حدث.
يوصّف الصحفي طلال البيشي صمت الحكومة المعترف بها دوليًّا والمسؤولين الذين وردت أسماؤهم ضمن التحقيق بأنه مثير للتساؤل، ويعكس مدى خضوع تلك الشخصيات، متسائلًا: “هل فعلًا تم توريطهم أم وقعوا في الفخ، وإلا لِمَ السكوت؟!”.
ويرى البيشي أنه يتوجب على الحكومة اليمنية أن تتخذ موقفًا حازمًا، وترفع مذكرة لمجلس الأمن لمحاسبة الإمارات على ذلك؛ لأن التجسس على المسؤولين يشكل خرقًا واضحًا للسيادة اليمنية وتهديدًا للأمن والسلم في البلاد.
إضافة إلى ذلك، تؤكد الحقوقية هدى الصراري رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، أن هذه الأفعال خاضعة لقوانين البلد، والأشخاص الذين تم التنصت والتجسس عليهم، خاصة إذا كانوا يحملون الصفة الدبلوماسية، وتخضع هذه الوقائع للسوابق القضائية في مسألة المقاضاة، والملاحقة القضائية، وتقديم الشكاوى أمام الجهات الدولية كمجلس الأمن، أو عبر الأطر الدبلوماسية لإبداء الاعتراض والمطالبة بالتحقيق ورفع دعاوى أمام القضاء الدولي، والكلام هنا للصراري.
وتضيف الصراري، أنه يجوز للأشخاص كما يجوز للدول تقديم الشكاوى، ورفع الدعاوى من أجل ملاحقة الجناة أو دولهم، لكن التحرك في هذا المسار بالصفة الرسمية يكون أكثر نجاعة وتحركًا أمام القضاء الدولي والجهات الدولية ذات الاختصاص، كما تقول.
ورغم ما تم الوصول إليه عبر مشروع التحقيق فإن الوضع على حاله، إلا من ردود فعل دولية تجاه بعضها بعضًا، حتى وإن كان البرنامج قيد التشغيل يمارس مهمته المفضلة دون رقيب، في بلد لا يعرف نهاية لما هو فيه.