استطلاعات وتحقيقات
كورونا يهدد العالم بأزمة غذائية !!
من المبكّر ربما، أن نحدد بدقة تبعات فيروس كورونا، على حياتنا السياسية والاقتصادية بل وحتى الشخصية، لكن التحذيرات من مؤسسات دولية وشركات استشارية، تدفع إلى رفع حالة الترقب والحذر من الآثار المباشرة وغير المباشرة للفيروس.
وفيما يفرض فيروس كورونا على أكثر من نصف سكان العالم البقاء في المنازل هذه الأيام، يجد الملايين حوال العالم أنفسهم، غير قادرين على تحمل عبء استهلاك المدخرات القليلة، أو حتى تحمل أذى الجوع الذي يهددهم، في حال استجابوا للسطات المحلية واستقروا في منازلهم.
الفنزويلية غلاديس رانجيل، الساكنة في أحياء الصفيح المعرضة لتفشي الوباء نتيجة الاكتظاظ، سئمت من لعبة القط والفأر مع قوات الأمن التي تلاحق المخالفين.
تقول بعد خلعها قناعها الواقي اليدوي الصنع، إن خروجها من المنزل مسألة بقاء “لأننا نحارب الجوع”، لذلك تجد نفسها مضطرةً لخرق تدابير العزل التي فرضتها الحكومة الفنزويلية قبل شهر، لوقف تفشي فيروس كورونا.
وتضيف المرأة الخمسينية التي تعيش مع حفيدها البالغ من العمر 9 سنوات، أنه “في حال لم أتوفَ بسبب الوباء سأموت من الجوع”.
الخوف من الجوع ليس فقط في فنزويلا التي تعيش تحت حصار أميركي خانق، بل يمتد ليطال دولاً أخرى تعاني من أزمات اقتصادية ضاعف خطرها الوباء العالمي.
في نهاية آذار/مارس، حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، من أن العالم قد يشهد أزمة غذائية، ما لم تتخذ إجراءات سريعة للحفاظ على استمرار سلاسل إمدادات الغذاء العالمية.
وقالت المنظمة إن العالم يخاطر بحدوث أزمة غذائية، ما لم يتم اتخاذ تدابير سريعة لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، والحفاظ على سلاسل الإمداد الغذائي العالمية، والتخفيف من آثار الوباء عبر النظام الغذائي.
المشكلة الرئيسية تتمثل في أن المزارعين في أوروبا والهند وروسيا وغيرها من الدول المصدّرة للغذاء، لا يتمكنون في هذه الأيام بسبب الإغلاقات الواسعة، من الوصول إلى أراضيهم من أجل حصاد المحاصيل، كما أن إيصال المنتجات من المزارع إلى المستهلك تعطلت جزئياً بسبب التوقف الجزئي في حركة النقل، وإغلاق المطاعم والأسواق.
في الولايات المتحدة، منتجات غذائية من كالفورنيا إلى فلوريدا، تواجه خطر التلف بسبب الفائض الذي لا يصل إلى المستهلكين، فيما يتوقع التحالف الوطني للزراعة المستدامة (NSAC)، أن تكون الخسائر الزراعية بين شهر آذار/مارس وأيار/مايو حوالي 1.32 مليار دولار.
الأمر لايختلف كثيراً في ولايات أخرى، مثلاً في ولايتي ويسكونسن وفيرمونت، عمد منتجو الألبان إلى التخلص من الحليب الزائد بشكل جماعي، نظراً لإنخفاض الطلب على الخدمات الغذائية، لا سيما من المدارس التي كانت قبل إقفالها تشتري منتجات الألبان بشكل كبير.
العقبة الأخرى التي تسبب بها فيروس كورونا، هي استحالة إيجاد يد عاملة فاعلة لحصد المحاصيل، كما هو الحال في معظم دول أوروبا الغربية، التي تعتمد بشكل رئيسي على العمال القادمين من الدول الأوروبية الشرقية أو من شمال أفريقيا.
وتتوقع فرنسا أن لا يتمكن 200 ألف عامل من الحضور إلى البلاد، فيما تتوقع مؤسسة “كوديلرتي” للمزارعين الإيطاليين، أن بلدها سيفتقد إلى 80 ألف عامل أجنبي في المزارع في أيار/مايو، في وقت لم يظهر فيه، سوى جزء صغير من هذا العدد هذا العام، وفقاً لوزيرة الزراعة جوليا كلوكنر.
النقص في اليد العاملة، دفع الوزير الفرنسي ديدييه ويليام نهاية آذار/مارس، إلى دعوة أي شخص عاطل عن العمل أن يبادر إلى الزراعة بحيث “نتمكن جميعاً من الأكل”.
الحكومة الألمانية هي الأخرى، بادرت وأنشأت موقعاً الكترونياً عددت فيه الآلاف من الأشغال الشاغرة في قطاع الزراعة. فيما سجل أكثر من 7 آلاف شخص في النمسا على أعمال مشابهة، مذ توقف العاملون القادمون من شرق أوروبا عن المجيء إلى البلاد، إلا أن الحكومة تعتبر العدد غير كاف، وأنها تحتاج 3 أضعاف هذا العدد.
وتتوقع “فاو” أن يظل إنتاج القمح هذا العام مرتفعاً عند 763 مليون طن، مقترباً من المستوى القياسي المسجل في العام الماضي، لكن ذلك لا يعني أن سكان العالم سيتمكنون من الحصول على المقدار نفسه من القمح، كما في العام الماضي، والسبب هو في تراجع القدرة الشرائية لملايين الأشخاص حول العالم.
فقبل أيام، نشرت منظمة العمل الدولية تقريراً، تتوقع فيه أن تمحو جائحة فيروس كورونا 6.7% من ساعات العمل حول العالم، في الربع الثاني من هذا العام، أو ما يعادل عمل 195 مليون عامل بدوام كامل، الأمر الذي يعني ببساطة أن عدداً إضافياً من الأشخاص لن يتمكنوا من توفير حاجاتهم الغذائية بشكل طبيعي.
ودفعت الجائحة دولاً مصدّرة للحبوب، إلى الحد من حجم صادراتها أو تقييدها بشكل كامل، فاتخذت فيتنام (ثالث أكبر مصدر للأرز)، وكازاخستان (تاسع أكبر مصدر للقمح)، خطوات لتقييد بيع هاتين السلعتين الأساسيتين، فيما دعا اتحاد منتجي الزيوت النباتية في روسيا، إلى تقييد بيع بذور دوار الشمس، كذلك قيدت الهند صادراتها من الأرز، حفاظاً على مخزونها الاستراتيجي من الحبوب.
قد يكون فيروس كورونا فرصةً لإعادة التفكر في الإنتاج الغذائي، وسبباً يدفعنا لإعادة الاعتبار للزراعة، بعد عقود من الاستيراد والاستهلاك غير المحسوب.
المصدر : الميادين