تقارير وتحليلات

القضية الجنوبية و حرب الخمس سنوات ( 5 ــ 4 )

بقلم د/ حسن زيد بن عقيل

الحراك الجنوبي و ثورة فبراير 2011م

الحراك الجنوبي ، هي حركة معارضة فضفاضة نشأت 2007 .لا يوجد للحراك الجنوبي حتى الآن برنامج سياسي متكامل و رؤية إستراتيجية متسقة . هو عبارة عن لفيف من الحركات من بينها الهيئة الوطنية العليا لاستقلال الجنوب ، و المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب ، التجمع الديمقرطي الجنوبي و اتحاد شباب و طلاب الجنوب . كان المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب الفصيل الرئيسي للحراك الجنوبي . بالاضافة إلى شخصيات اخرى  مثل  الأمين العام  للمجلس الأعلى للحراك الجنوبي عبدالله حسن الناخبي و حسن باعوم ، الذي عاش نازحا في الشمال بعد أحداث 1986 و كان من انصار الرئيس علي ناصر محمد و هما من أبرز قيادات الحراك في الداخل . أما من قيادات الخارج كان أبرزهم علي سالم البيض .

بعد عام 2007 تحولت المطالب الحقوقية للعسكريين و الموظفين الجنوبيين الذين تم إقصاؤهم بعد حرب 1994 إلى مطالب سياسية ، على أساسها  بدأ  الحديث عن القضية الجنوبية . خاصة بعد عام 2009 يوم خرج البيض لأول مرة بخطاب أعلن فيه العمل لـ ” استعادة دولة الجنوب ” . في نفس العام 2009 أعلن القيادي الإسلامي الجنوبي البارز طارق الفضلي ، الذي حارب مع المجاهدين في أفغانستان أثناء الحرب ضد السوفيات ، و كذلك أعلن طارق الفضلي عن نهاية تحالفه مع الرئيس صالح و الانضمام إلى الحراك الجنوبي . استمرت الإحتجاجات السلمية للحراك الجنوبي بالتصاعد حتى عام 2011 مع انطلاق الثورة الشبابية ضد الرئيس صالح .

في مطلع عام 2011 عمّت معظم المدن اليمنية حركة تمرد مدنية متعاظمة ضد حكم الرئيس صالح . عُرفت بثورة الشباب ، مطالبة باستقالة الرئيس صالح و إسقاط النظام . حينذاك أعلن الحراك على لسان  أمينه  العام عبدالله حسن الناخبي إلى وقف المطالبة بالإنفصال بشكل مؤقت ، و الإنضمام إلى المظاهرات و الاحتجاجات التي تعم البلاد . لكن بعض فصائل الحراك رفضت اعلان عبدالله الناخبي و رفضت المشاركة في المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية . السبب هو إن تمثيل الجنوبيين في المجلس غير منصف ، حيث طالبوا بـ 50% من المقاعد . رُفض هذا الطلب تخوفا من تثبيت  أحقية المناصفة بين ( شمال / الجنوب ) في باقي الأمور السياسية في المستقبل  كمجلس النواب أو الوزارات و الهيئات الأخرى .

الفريق المؤيد للناخبي ساهموا بفعالية في الثورة السلمية ضد الرئيس صالح من منطق ، حسب رأي الناخبي ، أن ما جرى حينها يعطي اليمنيين إمكانية لأن تقدر التضحيات التي قدمها الشعب في شمالا و جنوبا . و حسب قوله انهم أعلنوا فك الإرتباط مع الرئيس صالح و نظامه و لم يعلن فك الإرتباط مع الشعب اليمني . بالتالي يجب ان تعطى فرصة للشعب في الشمال و الجنوب لإعادة صياغة الوحدة من جديد ، بعقد اجتماعي جديد و تعديل الدستور بحيث يكون نظام الحكم في المستقبل عبر مجلس انتقالي و ينص الدستور الجديد على أن نظام الحكم ــ اتحاد فيدرالي .

التيار الآخر الذي يترأسه علي البيض يصر على مطلب فك  الارتباط مع الشمال . كثف البيض تحركاته العربية و الدولية لحشد الدعم لمشروع استعادة دولة الجنوب السابقة ، التي كان يحكمها قبل إعلان دولة الوحدة عام 1990 . لكن أمين عام الحرك الجنوبي العميد عبدالله الناخبي حذّر البيض  من خطورة مد يده لأي قوى خارجية .

توسعت انتفاضة 11 فبراير ضد الرئيس صالح على الصعيدين الاجتماعي و الجغرافي ، لتشمل علماء الدين و الشيوخ و القبائل الرئيسية و المسؤولين الحكوميين و الأكاديميين و المحامين و المهندسين و غيرهم ومن كل المحافظات . استقال بعض البرلمانيين من المؤتمر الشعبي العام و بعضهم مسؤولين في الدولة و الحزب ، و بعضهم تركوا وظائفهم . حصل أولئك الذين طالبوا بسقوط الرئيس صالح على دعم من الحوثيين و الاتحادات القبلية الحاشدية و البيكيلية المؤثرة ، و من المؤسسات الدينية و الجماعات السلفية ، و حزب اللقاء المشترك ، و زعماء الجنوب المنفيين و من الحراك السلمي في الجنوب . في 21 فبراير 2011 أعلن الحوثيون و اللقاء المشترك دعمهم لانتفاضة الشباب . و في 19 مارس 2011 أصدر شيوخ القبائل و علماء الدين اليمنيون بيانا يدعو الرئيس صالح إلى التنحي لمنع الفتنة ( أي الحرب الأهلية ) . أضعفت هذه المسيرات و الحشود الضخمة نظام صالح ،و لم يستطع بعدها الوقوف ضد الجماهير اليمنية المتعطشة للحرية و العدالة و سيادة القانون . حاول صالح مرة اخرى أن يمارس لعبته ” الرقص على رؤوس الثعابين ” و أن يتحاور مع اللقاء المشترك ( تكتل أحزاب المعارضة ) على أمل أن يُفشل ثورة الشباب اليمني ، لكنه أخفق في ذلك . بعد ذلك تدخلت القوى الاقليمية و بدعم من المجتمع الدولي لانقاذ الرئيس صالح و فرض تسوية سياسية على جميع الأطراف ، سُمّيت بـ ” المبادرة الخليجية ” ، التي كان من ضمن نصوصها ” تشكيل حكومة مناصفة ” بقيادة المعارضة ، و منح الحصانة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد استقالته .

ضغط مجلس التعاون الخليجي على الرئيس صالح من أجل تنحيته ، و ذلك بعد أسابيع من عودته من السعودية ، أخيرا وافق صالح في 23 نوفمبر على الاستقالة مقابل الحصانة . كجزء من الصفقة وافقت المعارضة على هادي ليكون مرشحا توفيقياً لرئاسة الجمهورية في 2012 . على الرغم من  أن هادي  من  جنوب  اليمن الا أنه لم  يستطع  تهدئة  الأوضاع في الجنوب و يقنع  الحراك على  التراجع عن المطالبة بالإنفصال ، اضف إلى ذلك ان الحراك الجنوبي قاطع الإنتخابات الرئاسية . هذا يؤكد على استمرارية تأثير حرب يناير 1986 ، الرئيس هادي و مجموعته هم من الفصيل الذي نزح إلى الشمال بعد حرب يناير 1986  . بينما قيادة الحراك الجنوبي أغلبهم من الفصيل الذي استمر في الحكم مع البيض بعد يناير 1986 . التأثيرات السلبية لاحداث يناير 1986 استخدمها الرئيس صالح من اليوم الأول للوحدة ، و الدليل على ذلك هو مماطلة القيادة الشمالية بجناحيها المؤتمري و الإصلاحي في دمج القوات المسلحة ( الشمالية و الجنوبية ) بعد الوحدة . و زاد الأمر تعقيداً مقاطعة الحوثيين  الانتخابات  الرئاسية . هذا اعطى متنفس للرئيس صالح للتفكير في إسترجاع ما فقده ، بعد ان خرج من السلطة بصورة شكلية 2012 . أضف إلى ذلك الرئيس صالح عرف ان الرئيس هادي عاجز عن قيادة الدولة شمالا الحوثيون يرفضونه و جنوبا الحراك الجنوبي يرفضه .

بدأ الرئيس صالح في تشكيل تحالفات تقليدية مع بعض شيوخ القبائل في صنعاء  و عمران و حجة و صعدة و ذمار و الجوف و أيضا  مع  الطبقة الهاشمية  السياسية  ممثلة بذراعها المسلح ” جماعة الحوثي ” . بهدف إسقاط حكومة الوفاق الوطني المُشكلة من جميع أطراف العمل السياسي ، بما في ذلك حزب صالح الذي كان مسيطراً على نصف الحكومة اليمنية بموجب المبادرة الخليجية . في 21 سبتمبر 2014 أسقط أنصار الله العاصمة اليمنية صنعاء بدعم مباشر من القيادة العسكرية و شيوخ القبائل و الكثير من قيادات الدولة الذين يرفضون سلطة هادي التي فرضها مجلس التعاون الخليجي . بعدها هرب هادي إلى عدن و من ثم إلى السعودية .

تمدّد تحالف صالح / الحوثي جنوبا و شرقا حتى وصل إلى تخوم مأرب شرق اليمن و مدينة عدن جنوبا . في تلك الأثناء شعرت الدولة السعودية بأن الأطراف الرئيسية اليمنية التي كانت تتحكم فيها منذ سبعينات القرن الماضي و التي كانت تدين بالولاء المطلق للنظام السعودي أصبحت خارج المشهد السياسي اليمني . لم يعد بيدها القرار ، و أن من يدير الأمور ليس نظام صالح . إنما جماعة الحوثي و التي تدعي بانها مدعومة من إيران . أدرك السعوديون خطورة الحركة الحوثية على أمنهم القومي ، فحاولت السعودية أن تثني الحوثي عن الحكم ، و تستقطبه من خلال منحه الكثير من الامتيازات لكنه رفض . في فجر 26 مارس 2015 أطلقت السعودية العملية العسكرية ” عاصفة الحزم ” التي دكت المطارات و المواقع  العسكرية و الاستراتيجية في صنعاء ، معلنة دعم الشرعية و ردع انقلاب الحوثي ، حيث أعلنت  السعودية و معها الإمارات و بعض الدول الاخرى مناصرة الحكومة الشرعية . ” بعد أقل من شهر و بالتحديد في 21  إبريل  2015 أعلن التحالف العربي إنتهاء ” عاصفة الحزم ” في اليمن و انطلاق عملية ” إعادة الأمل ” ، إستجابة لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي . لكن لم تنجح عاصفتا الحزم و الأمل حتى الآن .

لكن نجحت الإمارات في إحتواء جزء من الحراك الجنوبي ، أو مجموعة من الإنفصاليين اليمنيين العازمون على إحياء دولة جنوب اليمن كمظلة لتنفيذ مقامرتها العسكرية و السياسية الطموحة . فوعدت الإمارات بتسليح هذا الفصيل من الحراك . رغم معرفتها ان صانعي السياسة الغربيين و الأمريكان قد ناقشوا عدة مرات مسألة تقسيم الشرق الأوسط ، إلى كيانات طائفية و عرقية ، لكن قلة قليلة ناقشت موضوع تقسيم اليمن . البلد الذي كان عملياً مقسما لأكثر من نصف قرن ، يمن شمالي و يمن جنوبي . رغم هذا فشلت محاولة اعادة التقسيم في 1994 رغم الدعم الخليجي ، الا ان المجتمع الدولي رفض الإعتراف بدولة علي سالم البيض في عدن . لذا نبدأ برحلة في هذا الملف ، هل سيتقسم اليمن ؟ و كيف !

كاتب و محلل سياسي يمني     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى