هل نحن على موعد قريب مع موجة “الخريف” العربي الثاني؟! بقلم| سفيان الجنيدي
بقلم| سفيان الجنيدي
ما زالت الغربان تحوم فوق الوطن العربي، وتنذر بمآلات سوداوية، إذ إن الأوضاع المأساوية التي تعيشها المجتمعات العربية واستفحال القيم السلبية فيها، من قبيل الفساد والرشاوى والمحسوبيات والظلم والقهر السياسي وغياب العدالة الاجتماعية وبيع ممتلكات الشعوب، ناهيك بدرجة غليان الشعوب وضيق الرؤى السياسية الحكومية والظروف الاقتصادية المزرية وانعدام ثقة المواطن العربي بالحكومات العربية… كل هذه المؤشرات تجعل جميع الدول العربية بلا استثناء بيئة خصبة للاحتجاجات والتظاهرات والثورات والتصادمات الدموية والانفلات الأمني، وصولاً إلى الهاوية (لا قدر الله).
ومما يجعل موجة “الربيع العربي” الثانية تلوح في الأفق، ويجعل سيناريو إعادة إنتاج “الفوضى الخلاقة” من السيناريوهات المُرجّحة في المنطقة، جملة من الأمور، يمكن إيجاز أهمها بما يلي:
أولاً: تصريحات السياسي المخضرم وزير الخارجية العماني السابق السيد يوسف بن علوي في نيسان/أبريل المنصرم، والتي تنبأ فيها بموجة “ربيع” عربي ثانٍ.
ثانياً: تصريحات الوزير الأول المغربي السابق السيد عبد الإله بن كيران، والذي أفاد في المؤتمر الثاني للمجلس العربي بأن ثورتي مصر وتونس لم يكتب لهما النضوج والاكتمال.
ثالثاً: تصريحات الرئيس الجزائري في مقابلته في إحدى الفضائيات في الثامن من حزيران/يونيو المنصرم، والتي أكد فيها أن “لحم الجزائر مُر”، وأن البلاد كانت مدرجة في قائمة الاستهداف مباشرة بعد سوريا.
رابعاً: ما أوردته مجلة “مليتاري ووتش” في تقرير نشر في الأسبوع قبل الماضي، حين قالت: “إن مناورات الأسد الأفريقي، والتي قادتها القوات الأميركية في شمال أفريقيا في 17 و18 حزيران/يونيو المنصرم، تحاكي الهجوم الافتراضي على الأراضي الجزائرية”.
خامساً: قرار القوات الأميركية سحب قواتها من منطقة الشرق لا يعني بأي حال من الأحوال تخلّيها عن المنطقة، ولكنها ستعمد في ظل عدم تواجدها فيها إلى المضي بسياستها القديمة الجديدة الرامية إلى بقاء الشرق الأوسط في حالة “الفوضى الخلاقة” وعدم الاستقرار.
سادساً: الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يعيشها لبنان، وآخرها أزمة النفط، والتي تجعله بامتياز قنبلة موقوتة، وخصوصاً في ظل غياب القرار والإرادة السياسيين في الخروج من عنق الزجاجة.
سابعاً: محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدها الأردن في نيسان/أبريل المنصرم، إضافةً إلى الحراكات العشائرية وارتفاع سقف مطالبها في التغيير، حتى نالت مؤسّسة القصر، والتي كان آخرها حراك النائب المشاكس أسامة العجرمي.
ثامناً: المحاولات المستمرة لتضييق الخناق على مصر، من خلال افتعال مسألة سد النهضة. ومن جهة أخرى، خط الشحن البري المزمع إنشاؤه بين مينائي إيلات وجبل علي، والمقصود به تقويض قناة السويس وتحويل مصر إلى دولة فاشلة.
تاسعاً: التظاهرات والاحتجاجات المستمرّة في السودان المندّدة بالتطبيع، والمطالبة بتصحيح مسار الثورة، والرافضة للظروف الاقتصادية الخانقة والمتردية التي تمر بها البلاد.
عود على بدء، لا شكَّ في أن تصريحات الرئيس الجزائري، إضافة إلى تصريحات وتنبؤات السياسيين المخضرمين، واللذين شغلا المناصب السياسية المرموقة، وكانا حتى وقت قريب ضمن الحلقة الضيقة في صنع القرارات، لم تأتِ من فراغ، ولا بدّ من أن لدى كل منهم معلومات تجعلهم يخرجون علينا بتنبؤات وتصريحات هي أقرب إلى رسائل تحذيرية يودون إيصالها إلى فرقاء عدة؛ الحكام والساسة والشعوب على حدٍ سواء.
ولكن من هم أصحاب الأيادي الخفية التي تحاول جاهدة تأجيج الأوضاع في الدول العربية؟! في حال تحقّق تنبؤات ومخاوف الساسة المخضرمين، هل ستندلع موجة “ربيع عربي” ثانٍ، وفقاً للنموذج التونسي – المصري أو النموذج السوري – الليبي؟!
قبل الإجابة عن هذين التساؤلين الجوهريين، لا بدَّ من الرجوع إلى انتفاضات الشعوب العربية الأولى، وخصوصاً انتفاضتي الشعب التونسي والمصري، اللتين كانتا في مجملهما ثورتين تصحيحيتين، اندلعتا للمطالبة بكرامة العيش والعدالة الاجتماعية وضد جميع مظاهر الفساد والقهر السياسي، ويتفق معظم المتابعين على أنهما لم تندلعا وفقاً لأجندات أجنبية أو بفعل مؤامرات ضد النظامين الفاشيين السابقين.
لكن بالنظر إلى بقية الثورات العربية التالية للثورتين التونسية والمصرية، لا بد من الإشارة إلى أن معظمها اندلع وفق أجندات ومؤامرات استعمارية، أو على أقل تقدير تم اختطافها وأدلجتها والتآمر عليها. وما يؤكد وجهة النظر هذه، ما شاهدناه من تسهيل دخول القوات الإرهابية والمرتزقة إلى سوريا وليبيا، والمآلات المأساوية والسوداوية التي آلت إليها الأحداث في كلا البلدين العربيين الشقيقين.
عود على بدء، وللإجابة عن التساؤلين، لا بد من أخذ التطورات الأخيرة في المنطقة بعين الاعتبار، والتي ستوصلنا بكل تأكيد إلى الإجابات المثلى، كالأحداث التي حدثت مؤخراً في الأردن، والتي كان هدفها زعزعة نظام الحكم وإثارة القلاقل والفتن، وكانت – باعتراف الحكومة الأردنية نفسها – تدبّر وتدار ضمن أجندات خفيّة لحكومات أجنبية، وكذلك سلسلة تصادم القطارات المتتالية في مصر وخروجها عن مساراتها، والتي تزامنت مع حالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشها حكومتا مصر والسودان، تداعياً لبناء سد النهضة، والمراد من خلاله إعدام الحياة في مصر والسودان، إضافة إلى المخططات الجهنمية لوأد شريان مصر الحيوي “قناة السويس”.
ومن جهة أخرى، قصف حركة “أنصار الله” للأهداف السعودية بشكل كثيف، وكشفها ضعف إمكانيات النظام السعودي العسكرية، والتي لم تفلح في اعتراضها والتصدي لها، وما لها من تداعيات إثارة الخوف والرعب في المجتمع السعودي، الذي بدأ يفقد تدريجياً ثقته بنظامه الحاكم بشقيه السياسي والعسكري، ناهيك بمعركة “سيف القدس” التي كشفت مدى ضعف إمكانيات الكيان الصهيوني الدفاعية، ما أثار حالة من الرعب والهلع غير مسبوقة بين مستوطنيه، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها “دولة” الكيان الصهيوني، لعدم تمكّن ساستها من تشكيل حكومة مستقرة وثابتة منذ عدة سنوات.
جميع هذه القلاقل والتطورات السياسية الدراماتيكية التي كابدتها وعايشتها منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، تنبئ بأن المنطقة تنزلق إلى هاوية المجهول. وبعيداً عن نظريات المؤامرة، يحتم علينا المنطق السياسي – وبوجود الأيادي الخفية التي أرادت زعزعة الحكم في الأردن، وأججت الحرب في سوريا وليبيا واليمن، والتي تحاول بجميع الطرق إدخال مصر والجزائر في أتون حرب طاحنة – الجنوح إلى القول إن هذه الأيادي الخفية هي نفسها التي تسعى لإثارة القلاقل وتأجيج الأوضاع في مختلف الدول العربية، لإشغال ما تبقى من دول عربية بمشاكل داخلية ملتهبة، حتى تتمكن من تنفيذ سياستها الخبيثة من جهة، وتخفيف الضغط على الداخل الصهيوني المضطرب من جهة أخرى.
أما بالنسبة إلى التساؤل الثاني، فالمرجّح أن النموذجين سيكونان حاضرين، إلا أنَّ موجة “الربيع العربي الثاني”، في مجملها، في حالة حدوثها، ستكون أكثر دمويةً وخراباً من الموجة الأولى.
ختاماً، إنَّ المنطقة برمّتها على صفيح انفجاري ملتهب. وقد تنفجر الأوضاع وتتصاعد الأحداث بلمح البصر في الوطن العربي، ما يتطلَّب من جميع الفرقاء، “الأنظمة الحاكمة والنخب السياسية والشعوب”، درجة عالية من الوعي، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية، لإفشال المخططات الجهنمية الخبيثة التي تُحاك ضد الأمة على مدار الساعة. وعلى الحكومات العربية الشروع في عمليات الإصلاح السياسي الشامل الفعلي، وأخذ الدروس والعبر، والاستفادة من المآلات المأساوية التي تشهدها الحالتان السّورية والليبيّة.