قصر دار الحجر فخْرُ اليمن.. بقلم ليسا جاردنر
حيروت – ثقافة وفن
بقلم الكاتبة / ليسا جاردنر
ويطمس الموت أسرارا و علومًا لا علم لنا بها..! و ما هو التاريخ سوى رحلة تنتمي إليها البشرية لترتوي من معارفها المخفية. وقد لا نبالغ في الابتعاد عندما نعبُر إلى بلاد الأندلس لنرى ونشاهد آثار اليد اليمنية وهي تُزيِّن أرض غرناطة، ويصدق حينها قول الكاتب اليمني عفان عبد الله نعمان ” لو لم تكن يمنيّا لتمنَّيت أن تكون يمنياَ” استوقفتني هذه الجملة من يتمنى أن يكون يمنيًّا، ألا يريدون أهل بقاع الأرض أن يحصلوا على جواز إنجليزي أو أمريكي؟!
فكرتُ في تلك العبارة و أنا أقرأ عن قبائل همدان اليمنية.. و ليس غريبا على همدان أن يترك آثارًا من فئة البناء المعماري في الاندلس و كأن منازل و قصور هذا البلد تتغزل بفتون عجيبة لقصر ” دار الحجر ” الساكن في وادي ظهر و هذه اللوحة الفنية المعمارية بُنِيَتْ على بقايا أنقاض ” ذي سيران ” ذلك القصر السَّبَئِيّ التي بنيتْ بأيدٍ همدانية في 3000 قبل الميلاد، ويقع قصر ” دار الحجر” في جهة الشمال الغربي من العاصمة صنعاء . قصر ” دار الحجر ” في وادي ظهر في همدان يتزين ويحتضن الأرض بحقول من العنب والفواكه المختلفة والقات وادي ظهر و كأنه وادي الجنة السبائية الخفيّة عن العيون أو الجنة المفقودة التي تبحث عنها قلوب البشر، هذا الوادي الذي يُنعش الروح و يُفْرح القلب و يتخيل الناظر من حسن الوادي بأنها حورية همدانية ترتدي ” المصر الطالعي”، و كان قصر دار الحجر تاج راس الوادي و همدان، ليُغذّى بصر الناضر ببهاءٍ و شموخٍ يعكس بهاء و شموخ المرأة اليمنية بجمالها الساحر و نسماتها الليلية العليلة تحكي الف قصة و حكاية تحت زخات الأمطار التي تداعب وجوه الصبايا أمام المروج الخضراء الراوية التي ترتديها السهول و الجبال في المنطقة. … هناك يقف القصر “قصر دار الحجر” فوق صخرة عالية يقال عليها حجر، و ما كانت الجبال الا حجارة أمام الإنسان اليمني ليسمِّي هذه الصخرة العالية التي بُنِيَ فوق سطحها القصر ليتحدى جميع التضاريس و الرافعات الحديثة… فليعلم الاجيال بأن الجبال ما هي إلا حجارة أمام شدّة الباس و عمق الحكمة و روعة الهندسة اليمنية، ليقف العقل حائرًا و يسأل نفسه كيف تم بناء هذا القصر العجيب فوق الصخرة “الجرانيتية” الضخمة التي ترتفع 35 مترا عن سطح الأرض؟! أهو جن طائر بنى هذا القصر! وكيف تحدى الإنسان اليمني الهندسة المعمارية وقام ببناء هذا القصر؟!
ويقول الباحث “فكري آل هيري” بأن بناء قصر دار الحجر ربما يرجع الى العصر الخامس من عصورِ حُكْمِ مملكة سباء وهو ما يُعرف حاليا بعصر المملكة الحميرية التي قامت على يد الملك الاغر ” أديم ملشان ذو يزن ” وقد نوَّه كتاب الاكليل الهمداني بأن القصر كان يسمى باسم ” ذو سيدان ” مشتقا من اسم “ذو ريدان” و على الأرجح قد تم بناء القصر في عهد الملك “أديم ملشان ذو ريدان. “و عند دخولك وادي ظهر في مديرية همدان يخيل إليك بأن جبالها تُلقي إليك التحية و تعتقد للوهلة الأولى بأن هذه الجبال هي بمثابة حرّاس القصر تحرسه بعين النسر المدافع عنه من المعتدين… وكان القصر جوهره نُدرتهُ يرتدي الوادي بكل فخر و عزّ. وبعد أن تتسلق الصخرة وتدخل مرآب القصر تستهويك الرغبة والدهشة في آن واحد، و كأنك تسافر إلى زمن مختلف و عصر فريد! وتشتم رائحة الحجارة القديمة التي صُمِّمَت من كوكب آخر لينتقل إلى أرض همدان الابية في ضيافته الكريمة. ..!
في قصر دار الحجر تتعلم بأن الإنسان اليمني هو من أعظم من سكن هذا العالم وهو كل ركن وحجر في اليمن و إنّ بقاع الأرض المختلفة تشهد على عظمة الإنسان اليمني. ..! تتراقص أدوار القصر السبع ذو الطابع الهندسي اليمني الفريد وكانه قلب همدان النابض، و عند دخولك عبر الممرّ الواسع المرصع بأحجاره الضخمة كأنك في مملكة خيالية لا يستطيع حتى جن النبي سليمان تصميم قصر بهذا الجمال و هذا الإبداع الهندسي..! وهنا يطل على الزائر الشاذروان الأخضر في خجل لتسقيه النفورات العذبة وكأنها تغني لأروقة القصر، و جدرانه و زواره… في القصر غُرف كبيرة المساحة لاستقبال الضيوف من الرجال و النساء، كما يوجد غرف نوم ، و يجب أن لا ننسى ذكر “المفرج” و هي حجرة لاستقبال كبار الضيوف تُطل على حوض من الماء و يتألق الحوض بالحجر الأسود الدائري الانيق و يتلألأ الماء عليه مثل بلورات بيضاء تعانق الحوض بمحبّة وحنيّة نادرة…و في كل دور نجد الاحتياجات الشخصية لساكني القصر مثل الخزانات و خزانات بارده استخدمت كثلاجات للمياه و الفواكه، و نجد أيضا طاحونة لطحن الحبوب ، وبئر للحصول على المياه الجوفية، و حمامات ومطابخ ، كما يوجد خطوط قديمة على بعض الجدران وهناك مغارات حفرت في الصخر يقال انها استخدمت كمقابر قديمة لدفن الموتى. وكيف لا! فكم دَفَنت من الأعداء و قبائل همدان اشتُهرت بالقوة و الشجاعة و شدّة البأس، ولا يخفى علينا أن اسم همدان من الأسماء السبئية القديمة و قد جاء اسم همدان في الخطوط المسندية ليعرف همدان بخصال القوة و بصيغة شعب همدان.
همدان هو همدان بن مالك، بن زيد، بن أوسلة، بن ربيعة بن الخيار، بن مالك ، بن زيد، بن كهلانبن سباء، بن يشجب، بن يعرب، بن قحطان. و يتفرع همدان من قبيلتي حاشد و بكيل و منهما تتفرّع عدة قبائل، و علماء و شعراء و فلاسفة، و مؤرخين و مقاتلين، و نخص بالذكر محمد ابن الحسن الهمداني مؤلف كتاب الاكليل و غيرها من الكتب القيمة. و تنحدر أصول الدولة الصليحية من أصول همدانية، و أهم ملوكها كانت الملكة أروى بنت أحمد الصليحي.، وقد قادت همدان حروب لا عدَّ لها بمقاتلين لا يهابون الموت بل الموت يفر منهم خوفا و جزعا، قد خاضت همدان حرب مع القبائل اليمنية ضد الاحباش، تحت إمرة المل” شاعر أوتر” و حاربت المتمردين في بقاع شمال الجزيرة العربية، و قامت بحرب على ملك كندة، “ربيعة ذو الثور” و في 25 ق.م حاربت الغزالي الرومان تحت قيادة ” إيلي يخصب الهمداني” و بسبب المعارك المستديمة بين كلا من قبيلة همدان و ريدان قام الملك “إيلي شرح يخصب الهمداني ” باتفاق مع حكام قبيلة ريدان لوقف الحرب و إحلال السلام و قد حكم الريادانيين و الحميرين إلى أواخر الملك السبئي و الحميري . و هناك نقوش مسندية تثبت آلهة همدان باسم ” تألب ريام” و يقال بأن قبيلة همدان هي التي تحدث عنها القرآن الكريم وسمى أهلها “بأصحاب الجنة” و يزيد همدان عزة و فخرا دون قبائل العرب في الجزيرة لأن همدان أسلمت عن بكرة أبيها و قاموا و شاركوا في الفتوحات الإسلامية و نشر رسالة الإسلام و قد قال فيهم الإمام علي عليه السلام لهمدان اخلاق و دين يزينها وبأس اذا لاقوا و حسن كلام و لو كنت بوابا على باب الجنة لقلت لهمدان أدخلوا بسلام. اذن فلا عجب أن يكون في غرناطة حصن همدان و في كتاب أقوال العرب عن جغرافية الاندلس، يذكر الكتاب ” و الاندلس المسماة إشبانية أهالي عده و في كل اقليم منها عدة مدن نريد ان نأتي بذكر، مالك بن زيد، بن أوسلة، بن الخيار، بن مالك ، بن زيد، بن كهلان. و منزل همدان معروف و مشهور على بعد ستة أميال من غرناطة” و كيف لا و همدان الإباء و النور التي أضاءت من اليمن و أشاعت في بقاع الأرض و ما قصر دار الحجر إلا شهادة معمارية في حضارة و إبداع اليد اليمنية لكل هذا.. .. أقول لك:”ارفع راسك فأنت يمني”.