أفارقة ولدوا في اليمن.. يروون معاناتهم بسبب التمييز العنصري
منى محمد
“اسمي صادق، ويلقّبني الناس هنا في صنعاء بـ”المولّد”، كوني من أم “حبشية” وأب يمني، وبرغم أنني فهمت من خلال ما سمعت وقرأت بأنيّ هجّين، أي أب من دولة وأم من قارة أخرى، فإنهم لم يعوا أو حتى يتساءلوا ما يعني “مولّد”، كل همّهم طعني في هويتي وَالسَّلام!”.
هكذا افتتح الكاتب اليمني سامي الشاطبي روايته “أنف واحد لوطنين” حيث نقل على لسان بطل الرواية “صادق” معاناة الأفارقة الذين ولدوا في اليمن، ملخصًا نظرة المجتمع لهم؛ “هل نحن أمام صراع ألوان؟ لا أدري، لكن ما أدريه أن المولّد مخلوق نصف شبحي، يسمّى في تعاريف الفلاسفة “إنسان”، وفي تعاريف الجهلة “نصف إنسان” من أب يمني وأم أفريقية”.
ثمة تشابه كبير بين المجتمع اليمني وبعض المجتمعات الأفريقية في العادات والتقاليد وبعض الأكلات ومضغ نبتة القات والحالة الاقتصادية والتركيبة القبلية وأمور أخرى كثيرة، لكن هذا التشابه لا يحمي المولد من التنمر والعنصرية في المجتمعين.
“صرت أكره نفسي، ملامحي، ذاتي”، تلخص الرواية واقع الأفريقي الذي ولد في اليمن وحالة الندم والبؤس والاضطراب النفسي التي يعيشها، والتي كان المجتمع ومعاييره الأخلاقية سببًا فيها وفي تأنيب الضمير لذنب ليس ذنبه، بل ليس ذنب أصلًا”.
لا زواج للأسمر
الأفريقي المولود في اليمن إنسان منقسم بين ثقافتين، ويحمل في شكله ولونه ملامح أبيه اليمني وأمه الأفريقية معًا، ينصهر في المجتمع اليمني بسلاسة، لكونه ببساطة مواطن يمني أصلًا وقانونًا، لكنه رغم ذلك يواجه عنصرية مقيتة لا أساس لها سوى لون بشرة أمه الداكنة.
تقول نسيم البعداني”، وهي وأختها متزوجتان من أخوين أفريقيين وُلدوا في اليمن: “أواجه أسئلة كثيرة مع نظرة دونية وسخرية؛ لماذا وافقت على الزواج؟ وكيف تقبلت حياته؟ وهل هم مثلنا؟ إلى آخره من الأسئلة التي تنتقص من زوجي”. بحسب خيوط.
إجراءات مجتمعية قاسية تواجه الأفارقة مواليد اليمن، إذ لا تقبل غالبية العائلات تزويجهم أو الزواج منهم إلا فيما ندر، فهم في نظر المجتمع أدنى سلم الطبقات الاجتماعية، ومن يقبل تزويجهم كان كمن اقترف جرمًا كبيرًا، تقول البعداني عن ردة فعل أقاربها بعد قبولها وأختها بهذه الزيجة “قاطعونا لفترة كبيرة في الكلام والسلام؛ لأننا، حسب تعبريهم، أسأنا لسمعة العائلة بقبولنا هذا الزواج”.
تفاخر البعداني في كل مكان بأنها متزوجة من أفريقي وُلد في اليمن، لا ينقصه شيء سوى هذه التهمة العنصرية، مضيفة: “لا أخفي هذا عن أي شخص يسألني، وأتحدث بكل فخر عن زوجي وعن عاداتهم وأكلاتهم المختلفة واللذيذة”، مشيرةً إلى النظرة الدونية التي تواجهها في كل مرة تتحدث فيها عن أسرة زوجها، وأسئلة الانتقاص والاحتقار، التي تواجهها أو تُلمز بها.
نظرات محبطة وأسئلة وشتائم تدفع الكثير من “الأفارقة اليمنيين” لإخفاء هويتهم المزدوجة، تتابع البعداني: “استغربت من زميلتي في العمل، والتي تخفي حقيقة أن أحد أبويها يمني والآخر أفريقي؛ خوفًا من ردة الفعل السيئة التي ستُواجَه بها، وبعد أن رأتني أتحدث بكل فخر عن زوجي دون خجل أو ارتباك أخبرتني بذلك”.
تستخدم العنصرية والطبقية كسلاح لمهاجمة النجاحات وتميز الآخرين من خلال التقليل من أهمية هذا التميز، وإظهار عيوبهم أو ما يمكن أن ينتقص منهم، تحكي “البعداني” قصة بنت أختها المتزوجة من أخي زوجها، وهي طفلة تبلغ من العمر اثني عشر ربيعًا قائلةً: “خرجت البنت للحارة وهي بكامل أناقتها، مرتدية فستانًا جميلًا وربطة شعر تبرز شعرها المجعد، وعندما رأتها إحدى نساء الحارة، قالت لها بطريقة فجة وساخرة: “تتدلعي؟! هذا وعادك “مولدة”!، وعادت البنت باكية تتساءل: “ماذا يعني؟ ألا يحق لنا أن نتفاخر بما نلبس؟!”.
انتكاسات وأحقاد
عنصرية وطبقية وتنمر تخلف مشاكل نفسية كبيرة ؛ انتكاسات سيئة تورث في النفوس أحقادًا تستمر مدى الحياة.
تقول أفراح لـ”خيوط”، وهي طالبة بالمرحلة الثانوية في إحدى مدارس صنعاء الحكومية، “أتعرض لكمّ هائل من السخرية من قبل زملائي في المدرسة، حتى إن البعض يتجنب الحديث معي أو المشي وحتى الجلوس داخل الصف أو في أوقات الاستراحة، بسبب لوني”.
تضيف أفراح: “في كل مرة أحصد درجات أعلى، أجد همز ولمز من زملائي، من كوني “مولدة”، وكأني لا أستحق هذا النجاح طالما بشرتي سمراء، وهو ما ألقى بأثره على مستواي التعليمي، فقد بدأت درجاتي تنحدر كل عام مقارنة بالعام الذي قبله، بسبب ما تركته تعليقاتهم في نفسي”.
وتؤكد أنها رغم محاولتها في مواجهة هذه العنصرية إلا أنها تعاني من مشاكل نفسية وداخلية كثيرة، تقول: “أحاول تجاهل كل ما أسمعه وأتظاهر أني غير مبالية لما يقال، لكني أضطر في أحيان كثيرة إلى الغياب عن المدرسة بسبب ما أواجه من تنمر وسخرية دمرت نفسيتي وأرهقتني حتى صرت أكره كل شيء”.
تمييز عنصري
أن تكون أفريقي مواليد اليمن يعني أن هُويتك ناقصة، فلا يحق لك الترشح للانتخابات، أو العمل في مناصب عليا في الدولة كأن تكون رئيسًا للدولة أو عضوًا لمجالس النواب أو الشورى أو الوزراء والسلك العسكري، حسب القانون اليمني الذي يشترط لشغل هذه المناصب “أبوين يمنيين”.
الجدير بالذكر أنه لا فرق في القانون اليمني بين من يولد في اليمن من أصول عربية أو أفريقية، غير أن المجتمع ينظر بدونية واحتقار وسخرية لأصحاب البشرة الداكنة، تضيف “البعداني” أن أختًا لها تزوجت بشخص يمني لأم عراقية أبيض البشرة ولا تواجه ما تواجهه هي، بل إن زوج أختها –المولد العراقي- وأسرته رغم ذلك يسخرون منها وأختها المتزوجات من أفريقيين ولدوا في اليمن ومن أبنائهن”.
وتقول لينا الفقيه وهي يمنية من أم سورية بيضاء البشرة: “أشعر بالتميز بناء على نظرة الاحترام والتقدير التي ألمسها من قبل المجتمع، بمجرد أن يعرفوا أن والدتي سورية”، وتردف الفقيه قائلةً: “الناس يحبون أن يتعرفوا على حياتنا أكثر، ويودون معرفة تفاصيل لقاء أبي بأمي، بل يذهب المجتمع إلى أكثر من ذلك، إذ يستغرب الكثير لماذا قبلت أمي أن تتزوج بيمني وكيف وافقت عليه”، بحسب الفقيه.
وتضيف الفقيه: “لم أتعرض لأي تنمر بسبب والدتي السورية في المدرسة أو الجامعة أو الحارة، بل كان هذا مصدر فخر أمام أقراني، فقد كنت أشعر دائمًا بأني متميزة كون والدتي سورية، بل الكل أشعرني بذلك”.
لا إحصائية رسمية للأفارقة الذين وُلدوا في اليمن، غير أنهم كثر ويتخذ جماعات منهم أحياء سكنية معينة للتجمع والعيش فيها حماية لأنفسهم من اعتداءات قد تصيبهم لكونهم أفارقة ولدوا في اليمن، فيما يندمج آخرون في المجتمع بكل سلاسة، ضاربين معايير المجتمع ونظرته الدونية عرض الحائط، وأملهم جميعًا في حياة كريمة تحفظ حقوقهم وتصون كرامتهم كغيرهم من أبناء الوطن.