الرياض تقصف وواشنطن تهدد وغريفيث يناور.. من المسؤول عن افشال الوساطة العمانية؟
حيروت – خاص
تضاعف الأمل لدى الشعب اليمني بالحراك العماني الذي تجلى خلال الأسبوع الماضي، سواءً في المباحثات التي أجراها الوفد السلطاني مع قيادة جماعة الحوثي في صنعاء على مدار خمسة أيام متواصلة، أو تلك الزيارة رفيعة المستوى التي قام بها وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، مساء أمس، إلى العاصمة السعودية الرياض، حاملاً رسالة خطّية من السلطان هيثم بن طارق، إلى الملك سلمان.
لكن للأسف فقد منيت كل الوساطات منذ انطلاق عملية “عاصفة الحزم” بالفشل، والوساطة العمانية ليست الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة. لأن نجاح أي وساطة، برأي الكثير من الخبراء اليمنيين، مقرون بالإستعداد الحقيقي والخطوات العملية والفعلية للأطراف المتصارعة، سيما التحالف السعودي الإماراتي الذي بدأ الحرب والحصار على اليمن، والذي لا يبدو أنه جاداً بإنهائها أو تهدئتها، مستدلين بالغارات الجوية التي شنها التحالف صباح اليوم على مناطق متفرقة في العاصمة صنعاء قبيل التوقيع على الملامح الأولى للملف الإنساني الذي سعت مسقط لتحقيق تقدم فيه.
وشنت قوات التحالف السعودي الإماراتي غارت جوية أحدثت انفجارات قوية في مقر معسكر “الفرقة الأولى مُدرّع” بالعاصمة صنعاء، حيث تصاعدت أعمدة الدخان من المكان عقب الانفجارات، بينما شوهدت سيارات إسعاف وعربة إطفاء تتوجه إلى مكان الانفجارات.
الكاتب السياسي محمد الخامري رأى في معرض حديثه أن “انفجارات الفرقة صباح اليوم، واستهداف مأرب مساء نفس اليوم، واتصالات ومباحثات سياسية في أكثر مم عاصمة، كلها تصب في ذات الهدف، وهو رفض السلام”.
وبصورة متشائمة أيضاً، اعتبر الدكتور عبدالقادر الجنيد أن “مصير المباحثات الجارية ستؤول إلى ما آل اليه اتفاق ستوكهولم”، معتبراً أن “ما يطبخه المبعوث الأمريكي لدى اليمن تيم ليدركنج، سيكون بمثابة ستوكهولم (2)، الميت مقدماً، وسيجلب معه مزيداً من الحرب والدمار طال الزمن أو قصر”.
وفي سياق تحركات الأمم المتحدة المتزامنة مع تحركات سلطنة عمان، اختتم اليوم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن مارتن غريفيث، زيارة استغرقت يومين إلى إيران، التقى خلالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وكبار المسؤولين الإيرانيين، لمناقشة آخر التطورات في اليمن. وأكّد غريفيث أن حل النزاع يكون من خلال تسوية سياسية شاملة تفاوضية بقيادة يمنية.
بدورها، قالت الخارجية الأمريكية في بيان، إنه لا يمكن حل الأزمة الإنسانية في اليمن إلا باتفاق سلام، مشيرةً إلى أنها ستواصل الولايات المتحدة الضغط على الحوثيين بما في ذلك عبر العقوبات حتى العودة إلى الحوار.
وتأتي الضغوطات الأمريكية على الحوثيين نتيجة تمسكهم بثلاثة مبادئ قالوا إنه لا يمكن التنازل عنها في أي نقاشات مقبلة، وتتمثل في رفع الحصار ووقف العدوان الجوي والبري والبحري، وإنهاء الاحتلال وخروج القوات الأجنبية، وعدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية”.
وقالت مصادر سياسية لـ”حيروت الإخباري” إن “محاولات أميركية حثيثة تسعى للدفع في اتّجاه شرعنة تواجد القوات الأجنبية في الأراضي والمياه اليمنية، وتأجيل الحديث عن هذا التواجد إلى أجل غير مسمّى”، وهو شرط جديد أغضب الحوثيين وأحرج العُمانيين، بحسب ذات المصادر.
واعتبرت المصادر أن “سعي الولايات المتحدة الأميركية والسعودية إلى حصر المباحثات في إطار حدود سيطرة الحوثيين، بوصفهم طرفاً من أطراف متعدّدة منخرطة في الحرب، يتعارض كلّياً مع مبادئ الجماعة التي ترى أن الخوض في أيّ مساعٍ دولية تتجاوز سقف الاستقلال والسيادة اليمنيَّين أمر غير مقبول، إن لم يكن مستحيلاً”. وهو ما أكده أيضاً «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، خلال اجتماعه الدوري أمس، حيث شدّد على أن «اليمن اليوم يقف مع السلام المشرّف الذي يلبّي طموحات الشعب»، مضيفاً أن «الاستمرار في معركة الدفاع عن السيادة والاستقلال هو الخيار البديل لغياب السلام العادل».
وفي ذات السياق، رحبت جماعة الحوثي في اليمن بكل الجهود الصادقة الرامية إلى التخفيف من معاناة الشعب اليمني من خلال رفع الحصار وفتح المطارات والموانئ دون قيود.
وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط في اجتماع له عقد في العاصمة صنعاء إن “فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة هو استحقاق إنساني بسيط لا يعدّ مكرمة من أحد، وإنما هو مكسب من مكاسب الثبات للشعب اليمني وبطولات الجيش واللجان الشعبية”.
وتظهر ملامح فشل المفاوضات التي رعتها سلطنة عمان، أيضاً، بالغارات السعودية على مناطق متفرقة في عدة محافظات يمنية، حيث شن طيران التحالف السعودي سلسلة غارات على عدد من المحافظات. ففي صعدة شن 22 غارة على منطقة الفرع بمديرية كتاف، وفي مارب شن 3 غارات على مديرية مدغل وغارة على مديرية صرواح. أما في حجة فشن الطيران غارة على منطقة بني حسن بمديرية عبس.
وفي مواقف رد الفعل، قال عضو المجلس السياسي لحركة “أنصار الله”، محمد البخيتي، إن غارات التحالف السعودي مستمرة على اليمن، ولاسيما على مدينة مأرب. مؤكداً أن جماعته “لا يمكن أن تقبل بسلامٍ ينتقص من سيادة اليمن، أو يفرض الوساطة عليه”.
وأضاف البخيتي “لن ندخل في مفاوضات، ونحن تحت القصف والحصار”، كاشفاً عن أن “مطالب دول العدوان تتلخّص في اقتطاع مناطق من اليمن، وخصوصاً الجزر والمناطق النفطية”، محذّراً هذه الدول من أن وجود قواتها في اليمن “يعرِّضها للاستهداف، ومصير الجنود الأجانب هو الموت”.
هذا التحول في لغة الخطاب الصادرة عن جماعة الحوثي، كذلك التصعيد العسكري من قبل التحالف السعودي الإماراتي، فضلاً عن التهديدات الأمريكية بفرض العقوبات على الحوثيين، تنهي الأمل الذي تبلور خلال الأسابيع القليلة الماضية لدى اليمنيين بجهود الوساطة العمانية، ويعيد الملف اليمني إلى نقطة البداية، بما فيها الورقة الإنسانية ممثلة بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وصرف مرتبات القطاع الحكومي، الأمر الذي أصاب اليمنيين بخيبة أمل أخرى رغم الجهود العمانية المبذولة، التي لن تتكرر بحسب رأي الكثير من المراقبين إلا بعد جولة عنف جديدة ينفذها التحالف السعودي الإماراتي.