قصص مؤلمة وقضايا تُقيّد ضد مجهولين.. الأخطاء الطبية وعبث الأدوات الحادة
حيروت – خالد المنيفي
لحظات حرجة عاشها وليد الحيمي، لم تكن سوى إيذانٍ ببدء العد التنازلي لموعد فراق ابنته الصغيرة ذات السنة والشهرين على إثر خطأ طبي، تسبب به طالب متدرب في كلية الطب.
لم تجدِ دموع وليد الحيمي، في ذلك اليوم الكئيب، نفعًا للحيلولة دون فراق ابنته، يصف تلك اللحظات وثمة دمعتان معلقتان بمقلتيه، تسبقانه بالحديث عن فداحة الألم.
يقول وليد “كانت ابنتي الصغيرة تعاني من غثيان وقيء، لكنهاتسير رفقتي بابتسامة وبراءة”، لم يكن هناك ما يشير إلى خطورة حالتها الصحية”. مع ذلك قرر، حسب حديثه، اصطحابها إلى ذلك المستشفى الخاص، لإعطائها جرعة دواء تخفف عنها آلامها. يستمر وليد بشرح مأساته: “لم أختر ذلك المستشفى عن سابق تخطيط، فلم تكن المسألة تعدو كونها قرب المستشفى من البيت”.
وصل مع طفلته إلى المستشفى وشرح الحالة للطبيب، فوصف لها حقنة، وعلى إثر تلك الحقنة- وفق قوله- بدأت حالة الطفلة بالانهيار على الفور؛ تغير لونها وغدت غير قادرة على التنفس.
يضيف: “طلبت من الطبيب إدخالها قسم العناية المركزة، لكنني صعقت بإخباري أن ذلك المستشفى لا يتوفر فيه قسم للعناية المركزة، وطلبوا مني نقلها إلى مستشفى آخر بسيارة الإسعاف. كنت أسابق الزمن لإنقاذ صغيرتي، لكن الموت كان أقرب إليها، فما أن صعدت بها على السيارة حتى فارقت الحياة”.
تفاعلت وزارة الصحة مع هذه الحالة، التي تحولت إلى قضية على الفور، ووجهت بإغلاق المستشفى، وأحيل الطبيب ومدير المستشفى الى المجلس الطبي، ومن ثَمّ إلى المحكمة، وصدر حكم بإغلاق المستشفى وتغريمه، وحبس وتغريم الطبيب كذلك، بحسب خيوط.
بيد أن مدير المستشفى أعاد فتحها باسم جديد، ويؤكد الحيمي أن قضية ابنته هي من بين قضايا قليلة صدر فيها تقريران طبيان، يؤكدان تسبب المستشفى بالخطأ الذي أدى إلى الوفاة؛ أحد التقارير من وزارة الصحة، والآخر من المجلس الطبي.
رحلت طفلة وليد عن الحياة، لكنه – كما يقول – سيواصل متابعة القضية، للحيلولة دون سقوط ضحايا آخرين بالطريقة نفسها.
اختيار غير مناسب
حسب خبراء في الطب والقانون، فإن القضايا الخاصة بالأخطاء الطبية تقف أمامها مشاكل وعقبات عديدة، تأتي بداية من توقيع الحالة المرضية على إخلاء مسؤولية الطرف الطبي من أي مسؤولية في حالة حدوث أي خطأ طبي لأي سببٍ كان، والذي يكون عقبة أمام الحالة المرضية، تظهر في دعاوى مساءلة الأطباء مدنيًّا في حال حدوث خطأ طبي، وهذا يمثل مشكلة كبيرة عند تقديم إفادات الخبراء المعنيين والمستدعين إلى قضية مرفوعة في المحاكم المدنية أو المجالس النقابية التأديبية.
لكن وفق قانون مزاولة المهن الطبية والصيدلانية فإنه يتم إجراء العمليات الجراحية للمريض بعد إعطائه المعلومات الضرورية عنها، وأخذ موافقته كتابيًّا، أما إذا كان المريض فاقدَ الوعي أو ناقص الأهلية أو كان مصابًا بعاهة تمنعه من التعبير عن إرادته، فتؤخذ موافقة ولي أمره، وليس هناك أي إشارة إلى أن الموافقة الكتابية تشمل حدوث أي خطأ طبي.
حالة أخرى بدأت بحرقة شرح تجربتها مع الأخطاء الطبية، التي كانت تعاني من أعراض ألم بسبب وجود زوائد محددة في مناطق جسدية حساسة.
تقول (ه. ف) “كانت مجرد زوائد صغيرة فوق الركبة، وكان مطلوبٌ من الطبيب إزالتها، دون إحداث التشوهات التي تفاجأت بها حالما استيقظت من تأثير المخدر الكلي، وبدلًا من أن يقوم الطبيب المعالج بإزالة الزوائد من المنطقة الصغيرة المحدودة، قام بتمزيق الجلد من فوق الركبة إلى أعلى، وخياطته كمن يخيط كيسًا من الطحين بطريقة مشوهة للغاية، ومع ذلك لم يبدِ ذلك الطبيب ردة فعل لائقة بعد أن صرخت في وجهه، بل تعامل مع الأمر كأن شيئًا لم يحدث!”.
تتابع حديثها: “قمت بإيصال القضية إلى المجلس الطبي، وبدوره أصدر تقريرًا عن التشوهات التي حصلت، والطريقة الخاطئة في إجراء العملية، وفي طريقة الخياطة، وحكم على المستشفى بعلاجي من التشوهات في أي مستشفى أختاره”.
اختارت هذه المرأة دولة الهند، بيد أن المستشفى لم يستجب، فأوصلت القضية إلى المحكمة، ومنذ العام 2016، لم يتم الفصل في القضية.
تشعر هذه المواطنة بالندم، ليس لتعاملها مع هذا المستشفى الذي اختارته للعلاج من مرضها، بل من تكلفها عناء السفر من تعز إلى صنعاء لإجراء تلك العملية، فلقد تحولت حياتها منذ ذلك الوقت إلى جحيم.
عبث الأدوات الحادة
كانت لبنى الصايدي قد عانقت بناتها الثلاث، مهدية إليهن حنانها معتّقًا بالقبلات، وطلبت منهن عدم القلق، فليست سوى عملية أقرب ما تكون إلى انتزاع الزائدة أو المرارة، ولا تستدعي أي خوف، كما أخبرها بذلك الطبيب، إذ كانت تعاني من ارتجاع في المعدة ويحتاج إلى إجراء عملية بسيطة، رحلت بعدها عن الحياة جراء أخطاء طبية متوالية، بمستشفى خاص في العاصمة صنعاء.
يقول زوج لبنى، محمود الوظاف، والحزن يدمي قلبه: “أخبرنا الطبيب بأن عملية ارتجاع المعدة التي تحتاج إليها زوجتي هي عملية سهلة، وستخرج منها إلى البيت في غضون أيام قليلة، بيد أن ما أعقب إجراء العملية كان مفجعًا، فقد تعرضت زوجتي لمضاعفات خطرة، وازدادت آلامها أكثر، فقرر المستشفى إجراء عملية أخرى، وبدل شق البطن فقط، شُق الصدر كذلك”.
“عبثت الأدوات الحادة بجسد زوجتي الضعيف” يضيف محمود، حتى طلب المستشفى نقلها إلى مستشفى آخر، واستمرت عمليات التصحيح عملية تلو أخرى، حتى انتقلت إلى رحمة الله، تاركة وراءها ثلاث بنات، يفتقدنها كل ليلة، وزوجًا يقاسي الأحزان صنوفًا لا تنتهي.
من جانبه يأمل شقيقها عمار الصايدي أن تقول العدالة كلمتها بحق الطبيب الذي أجرى العملية، وكذلك المستشفى، فالعدالة حسب حديث الصايدي، ستقول كلمتها في النهاية، رغم كل العراقيل التي “يحاول البعض وضعها للحيلولة دون انتصار العدالة لقضية لبنى، مع أنها انتصرت في الحكم الابتدائي”.
في هذه القضية أصدر المجلس الطبي تقريرين؛ الأول أثبت عدم تخصص الطبيب، ما ينفي قدرته على إجراء العملية وعدم امتلاك المستشفى للإمكانيات المطلوبة لإجرائها، والثاني تقريرٌ يتحدث عن تخصصية الطبيب وكفاءته وقدرته على إجراء العملية، وامتلاك المستشفى كل الإمكانيات اللازمة لإجراء العملية، فقد أصدر التقرير الأول لجنة من المجلس الطبي، جرى تغييرها في التقرير الثاني، بممارسة الضغط على المجلس لتغيير اللجنة لإصدار تقرير آخر منافٍ للحقيقة.
تأخير البت في القضايا
قانون إنشاء المجلس الطبي يخول للمجلس تشكيل لجان خاصة للنظر في الشكاوى المرفوعة عن المخالفات المهنية المقدمة إليه ضد مزاولي المهنة، وعلى أية جهة تتولى التحقيق في شكاوى مهنية ضد مزاولي المهنة أن تستطلع رأي المجلس فنيًّا وعلميًّا قبل السير في إجراءات التحقيق، ما لم تكن الشكوى محوله أصلًا من المجلس، بينما على المجلس أن يبتّ في الشكوى المرفوعة والمحالة إليه، خلال مدة أقصاها عشرة أيام.
ويجوز لمن صدر ضده قرار من المجلس، التظلم كتابيًّا خلال شهر من تاريخ إخطاره بالقرار، وعلى رئيس المجلس إحالة التظلم إلى لجنة خاصة بالتظلمات، وترفع هذه اللجنة توصياتها إلى المجلس، ويكون قرار المجلس إلزاميًّا، بينما وفق هذا القانون يحق للمتظلم اللجوء إلى القضاء.
بخصوص دور المجلس في إنصاف المرضى الذين يتعرضون لأخطاء طبية وشكاوى مواطنين بشأن تأخر المجلس الطبي في البت بقضايا الأخطاء الطبية، يبدي الدكتور مطهر المروني وهو مدير عام الصحة والسكان بأمانة العاصمة ونائب مدير المجلس الطبي في صنعاء، استغرابه من هذه الشكاوى، مشيراً إلى أن اللجان الطبية تجتمع مرتين كل أسبوع أو أسبوعين للبت في القضايا وإحالة التقارير وقضايا الأخطاء الطبية إلى النيابات، ومنها إلى المحاكم المتخصصة.
يضيف الدكتور المروني أن كل شكوى تصل إلى المجلس الطبي يجري التعامل معها بسرعة، ويتم تشكيل لجان طبية من المتخصصين لتشخيص الحالة، وتحديد ما إذا كانت المضاعفات ناتجة عن خطأ طبي أم لا، بالإضافة إلى تشريح الجثة لاستيضاح سبب الوفاة.
عُرض على نائب مدير المجلس الطبي بعض القضايا التي يشكو مواطنون تضررهم من مماطلة المجلس بالنظر في الدعاوى، والتأخير الذي قد يستغرق مدة طويلة. ويبدي المروني استغرابه مرة أخرى، موضحًا أن “هذا كان يحدث ربما في الماضي، أما حاليًّا فإن النظر في قضايا الأخطاء الطبية يتم بصورة مستعجلة”.
وفق القوانين الطبية السائدة فإن مزاول المهنة يكون محلًّا للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المهنية أو خالف أصول المهنة وآدابها، وفي هذه الحالة يحق للمجلس أن يطبق إحدى العقوبات التأديبية التي قد تصل إلى شطب الاسم من سجلات المجلس، وإلغاء ترخيص مزاولة المهنة.
المستشار القانوني عبدالرحمن الزبيب يقول إن الأخطاء الطبية تعد جريمة قانونية وكارثة إنسانية، مع أن الأطباء يعتبرون ملائكة الرحمة.
لكن حسب هذا المستشار القانوني، فإن ما يحصل من انتشار لأخبار وفاة مرضى أو إصابتهم بعاهة مستديمة بسبب خطأ طبي، وعدم المساءلة والمحاكمة المستعجلة يفقد المواطن الثقة بالأطباء والمستشفيات كذلك.
من جانبه يوضح الطبيب الصيدلاني هاني محمد أن الخطأ يختلف عن الإهمال الطبي؛ لأنه في العادة يتعلق بالخطأ في التشخيص، الذي ينتج في الكثير من الأحيان بسبب استعجال الطبيب بالحكم على الحالة المرضية وما تعانيه، دون الاهتمام بالتاريخ المرضي للمريض.
يضيف أن التشخيص الخاطئ يؤدي في العادة إلى وصف علاج خاطئ أو إجراء عملية خاطئة، ويحمل الطبيب هاني مسؤولية الأخطاء الطبية للطبيب في المقام الأول، ثم المستشفيات التي لا تهتم في الكثير من الأحيان باختيار الكوادر ذات الكفاءة، ثم المريض الذي قد يكتم أسرارًا عن حالته المرضية لسبب ما؛ إذ يتطلب الأمر في كل الأحوال رقابة وزارة الصحة على المستشفيات.
بينما الإهمال الطبي فيوضحه هذا الطبيب، بالإهمال للمريض بعد إجراء العملية له، وعدم متابعته، الأمر الذي قد يؤدي لمضاعفات خطرة وقد يؤدي إلى الوفاة.