هارفارد: آن الأوان لتأديب “إسرائيل” بقلم| أكرم بزي
بقلم| أكرم بزي
يبدو أن الماكينة الإعلامية في إدارة البيت الأبيض أعطت الإشارة لبعض كتّابها، بالإضافة إلى نخبة من كتّاب الولايات المتحدة الأميركية، للكتابة بما يوحي أن أميركا ضاقت ذرعاً بتصرفات الكيان الصهيوني.
منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإدارته تتعرَّض للمضايقات والضغوط من اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأميركية، ومن حكومة الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وذلك نتيجة مجموعة أسباب، أبرزها تأييد الحكومة الصهيونية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضد بايدن، الأمر الذي جعل العلاقة الشخصية بين بايدن وبنيامين نتنياهو متوترة ومستفزة.
والسبب الثاني والأهم، هو معرفة الصهاينة سلفاً بنِيَّةِ بايدن العودةَ إلى الاتِّفاق النووي الإيراني، وهذا ما أرّق الكيان الصهيوني منذ ترشّح بايدن للرئاسة الأميركية، إذ يعتبر أن هذا الملف، أي “الملف النووي الإيراني”، بمثابة “ضربة قاصمة للظهر” بسبب ما يحويه هذا الاتفاق من عناصر إيجابية ستحصل عليها طهران من خلال تنفيذ بنوده، وأقلّها رفع العقوبات، والإفراج عن الأموال الإيرانية في البنوك الأميركية والأوروبية وغيرها.
جاءت حرب غزة الأخيرة لتزيد في الطين بلّة. وبصرف النظر عن الدعم المطلق للولايات المتحدة الأميركية للكيان الصهيوني، إلاّ أن مجموعة كبيرة من داخل البيت الأبيض، ومن إدارة بايدن نفسها، اعتبرت أنها فرصة للإدارة الأميركية لتخفيف الضغط عنها، والتوجُّه نحو الاتفاق النووي وإنجازه، وخصوصاً أن المؤشِّرات القادمة من فيينا تدلّ على أنه بات منجَزاً، وباقٍ الإعلان عنه فقط، قبل تسلُّم الرئيس الإيراني الجديد زمام السلطة في إيران. وجاء أيضاً الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة في الكيان الصهيوني برئاسة نفتالي بِنيت ـ رئيس الوزراء (يُعتبر الأول بالتناوب) ـ بموجب اتفاق مع يائير لابيد ليصب بايدن دعمه لها، ضد بنيامين نتنياهو الذي صبَّ جام غضبه على هذه التشكيلة، ويدفع في اتجاه تفجير الأوضاع.
ويبدو أن الماكينة الإعلامية في إدارة البيت الأبيض أعطت الإشارة لبعض كتّابها، بالإضافة إلى نخبة من كتّاب الولايات المتحدة الأميركية، للكتابة بما يوحي أن أميركا ضاقت ذرعاً بتصرفات الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى التكلفة معنوياً ومادياً، وبسبب ما يسبّبه من تأزُّم في العلاقات الشرق أوسطية بين حلفاء أميركا في المنطقة.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفان أم. والت، يقول في “الفورين بوليسي” “مضت عقودٌ من السيطرة الإسرائيلية الوحشية على الحُجّة الأخلاقية للدعم الأميركي غير المشروط”. قامت الحكومات الإسرائيلية، من جميع المشارب، بتوسيع المستوطنات، وحرمت الفلسطينيين حقوقهم السياسية المشروعة، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل “إسرائيل” نفسها، واستخدمت القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوّقة لقتل سكّان غزة والضفة الغربية ولبنان وإرهابهم، مع الإفلات من العقاب تقريباً. بالنظر إلى هذا كله، ليس مستغرَباً أن تقوم منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بالتسيلم مؤخَّراً بإصدار تقارير موثَّقة جيداً، ومقنعة، تصف هذه السياسات بأنها نظام فصل عنصري. وأدّى الانجراف نحو اليمين في السياسة الداخلية الإسرائيلية، والدور المتزايد للأحزاب المتطرّفة في السياسة الإسرائيلية، إلى إلحاق مزيد من الضرر بصورة “إسرائيل”، بما في ذلك بين عدد من اليهود الأمريكيين.
وأضاف: “تستمر تكاليف العلاقة الخاصة في الارتفاع. غالباً ما يبدأ منتقدو الدعم الأميركي لإسرائيل بأكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها واشنطن إلى إسرائيل كل عام، على الرغم من أن إسرائيل الآن دولة غنية، يحتل دخل الفرد فيها المرتبة التاسعة عشرة في العالم. هناك بلا شك طرائق أفضل لإنفاق هذه الأموال، لكنها تمثّل قطرة في بحر الولايات المتحدة؛ الدولة التي يبلغ حجم اقتصادها 21 تريليون دولار. التكاليف الحقيقية للعلاقة الخاصة سياسية”. و”التكلفة الدائمة الأخرى لـ “العلاقة الخاصة” هي الاستهلاك غير المتلائم للنطاق التردُّدي للسياسة الخارجية مع إسرائيل. يواجه بايدن وبلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مشاكل أكبر تقلق بشأنها أميركا من تصرفات دولة شرق أوسطية صغيرة. ومع ذلك، ها هي الولايات المتحدة، مرة أخرى، متورطة في أزمة من صنعها إلى حدّ كبير، تتطلّب اهتمامها وتستغرق وقتاً ثميناً بعيداً عن التعامل مع تغيُّر المناخ، والصين، والوباء، وفك الارتباط الأفغاني، والانتعاش الاقتصادي، ومجموعة من المشاكل الأكثر ثقلًا.. إذا كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية بإسرائيل، فإنها ستحظى بالاهتمام الذي تستحقّه، ولكن ليس أكثر”.
ويقول الكاتب الأميركي ستيفن أ. كوك، في مقال تحت عنوان “كيفية إنهاء العلاقة الخاصة بإسرائيل”، في “الفورين بوليسي”: “يؤدي الدعم غير المشروط لإسرائيل إلى تعقيد جوانب أخرى من دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سيكون التفاوض على اتفاقية جديدة للتراجع عن إمكانات الأسلحة النووية الإيرانية، ووضع حدّ لها، أسهلَ كثيراً إذا لم تواجه الإدارة معارضة مستمرة من حكومة نتنياهو، ناهيك بالمعارضة الشديدة للعناصر المتشددة من اللوبي الإسرائيلي هنا في الولايات المتحدة. مرة أخرى، من شأن علاقة طبيعية أكثر بالدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية، أن تساعد جهود واشنطن الطويلة الأمد على الحد من الانتشار في أماكن أخرى”.
وفي إشارة إلى حالة الإرباك التي تعيشها الإدارة الأميركية كلما تأزَّمت الأوضاع في الكيان الصهيوني، يُردف الكاتب قائلاً “يمنع هذا الوضع غير الصحي كلاً من الإدارات الديمقراطية والجمهورية من السعي وراء أفضل المواهب، ويزيد في تضليل الخطاب العام الأميركي. يتعلم أصحاب السياسة الطموحون بسرعة عدمَ قول ما يفكّرون فيه حقاً بشأن القضايا المتعلقة بإسرائيل. وبدلاً من ذلك، يتكلمون على التفاهات المألوفة حتى عندما يتعارض كلامهم مع الحقيقة. عندما يندلع نزاع، مثل العنف الأخير في غزة، يتنقَّل المسؤولون الرسميون والصحافيون بين منصاتهم، محاولين عدم قول أي شيء قد يُوقعهم أو يوقع رؤسائهم في المشاكل. الخطر لا يكمن في الوقوع في كذبة؛ الخطر الحقيقي هو أنهم قد يقولون الحقيقة عن غير قصد. كيف يمكن للمرء إجراء مناقشة صادقة بشأن الإخفاقات المتكرِّرة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عندما تكون العواقب المهنية لتحدي وجهة النظر التقليدية قاتمةً”؟
ويضيف أنه على الرغم من الدعم المطلق للكيان الصهيوني من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وآخرها إعادة تذخير “القبّة الحديدية”، والتي تبلغ تكلفتها قرابة مليار دولار، فإن حالة الضيق والتذمُّر من جانب الخارجية الأميركية، وما تم إبلاغه لوزير “الدفاع الصهيوني” بني غانتس، بشأن الاتفاق النووي الإيراني وضرورة تجنُّب أي خطوة قد تؤدي الى الرجوع الى الوراء، “مثل توجيه ضربة إسرائيلية” إلى طهران، يدلاّن على أن هناك توجهاً جِدياً الى التهدئة في المنطقة، وهذه المرة ليس لمصلحة الكيان الصهيوني.
فالاتصالات الأوروبية – السورية، والاتصالات السعودية – السورية، والسعودية – الإيرانية، والحركة الدبلوماسية التي تشهدها الساحة اليمنية، بالإضافة الى التهدئة في الساحة العراقية، والدور الذي يقوم به رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ناهيك بتطورات الملف النووي الإيراني، كلها مؤشرات تدل على أن المنطقة دخلت في حالة تهدئة على الأقل في المدى المنظور، إلّا إذا دفع جنون العظمة لبنيامين نتناهيو إلى القيام بما لا تحمد عقباه خلال فترة الأيام المتبقّية لمنح الثقة للحكومة الجديدة في الكيان الصهيوني. ولا أعتقد أن في مقدوره الذهاب بعيداً في هذه المسألة بسبب ما سيواجه من ردود أفعال ستضرّ حتماً بالكيان الصهيوني، وخصوصاً أنه لم يَصحُ من الضربة الأخيرة لمعركة “سيف القدس” من جانب المقاومة الفلسطينية في غزة.