تعز.. التحطيب الجائر.. استهلاك متواصل للأشجار!
رأفت الوافي – تعز
تعمل معظم بلدان العالم على غرس الأشجار والحفاظ عليها من الاحتطاب والاحتراق؛ حيث خصصت الكثير من الدول يومًا عالميًّا كرمز يدل على مدى أهميتها بالأرض في الحفاظ على البيئة في ظل التوسع العمراني، لكن الأزمة اليمنية ونقص وانعدام المشتقات النفطية حولّت الأشجار إلى وقود بديلة.
نتيجة لذلك، تواجه البيئة النباتية استنزافًا متواصلًا بسبب ظاهرة التحطيب الجائر التي لجأ إليها اليمنيون في قطع الأشجار واستخدام الأخشاب بدلًا عن مادة الديزل، في ظل توسع تجارتها؛ نظرًا لإقبال الأفران والمخابز على الاعتماد عليها بسبب أزمات الوقود المتكررة التي تشهدها اليمن منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ست سنوات.
وكان لهذه الأزمة التي فاقمت معيشة اليمنيين تبعات متعددة، مع اللجوء لجلب الحطب واستخدامه بديلًا عن مادتي الديزل والغاز، في ظل تفاوت أسعارها.
في هذا السياق، يقول محمد الشرعبي، مالك مخبز العربي في مدينة تعز، إن صعوبة الحصول على مادة الديزل أدى إلى البحث عن بدائل لاستمرار عملهم، مثل شراء الحطب؛ نظرًا لأسعاره المناسبة وسهولة الحصول عليه.
تعتمد معظم مخابز تعز وكثير من المحافظات، على استخدام حطب الأشجار كوقود بديلة منذُ اندلاع الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات، مع ارتفاع المشتقات النفطية بنحو 3 أضعاف عن أسعارها السابقة قبل الحرب، حيث وصل سعر 20 لترًا لمادة الديزل إلى 12 ألف ريال يمني (ما يعادل 15 دولارًا أمريكيًّا)، بينما تصل تكلفة حمولة شاحنة من الحطب إلى نحو 100 ألف ريال، يتم استخدامها وفق ملاك مخابز وأفران لما يقارب خمسة أيام.
توسع ظاهرة التحطيب
تعتبر جذوع الأشجار من المواد المُحترقة، وبعض منها شديدة الاحتراق؛ الأمر الذي جعل منها وقودًا بديلًا، إذ توجد أنواع عديدة منها، وتصنف إلى درجات من حيث الأهمية. ويعد حطب “العسق” -وفق الشرعبي- من الدرجة الأولى، ويليه الأنواع المنتجة من أشجار “السدر” ويعتبر من أفضلها؛ لأنه يبقى فترة طويلة أثناء الاستخدام.
وتسبب الإقبال الكثيف على شراء الحطب في ارتفاع أسعاره وتوسع تجارته في العديد من المناطق، إذ يعتبر مصدر دخل لمن فقدوا أعمالهم خلال سنوات الحرب، وتعد منطقة الضباب المدخل الغربي لمدينة تعز سوقًا مفتوحًا لتداوله؛ الأمر الذي يشكل خطرًا على الحياة البيئية التي يجب حمايتها، في ظل غياب دور الجهات المعنية.
فعند مرورك على خط الضباب تلاحظ أكوامًا كبيرة من الأخشاب المقطعة على قارعة الطريق معروضة للبيع، حيث يصل سعر الكومة الواحدة منها إلى 400 ألف ريال يمني.
يروي صلاح الوازعي (تاجر حطب)، أنه يعمل في تجارة ونقل الحطب من المناطق الريفية إلى المدينة منذ بداية الحرب، بعد أن فقد عمله في تجارة المواد الغذائية.
صلاح واحد من عشرات الأشخاص الذين يعملون في بيع وشراء الحطب بسبب الظروف المعيشية التي تشهدها البلاد.
من جانبه، يرى المواطن معتصم علي، أن المتاجرة بالحطب جاء نتيجة عوامل عدة، أفرزتها الحرب المستمرة التي تسببت بانعدام فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى ارتفاع سعر قنينة غاز الطهو لمبالغ طائلة.
ويشير مدير مكتب الزراعة والري في محافظة تعز عبدالسلام ناجي، إلى عدم توفر الإمكانيات اللازمة لمكافحة هذه الظاهرة، مستهجنًا الاستنزاف المتواصل للنباتات وقطع الأشجار، وهو ما يتطلب -وفق حديثه- قيام السلطات المحلية بالمديريات بالحد من هذه العملية المنتشرة بكثافة في المناطق الريفية.
عوامل كثيرة جعلت المواطن يقطع الأشجار من جذوعها، ليتمكن من بيعها؛ أهمها الظروف المعيشية التي يمر بها نتيجة استمرار الحرب، والتدهور الاقتصادي الذي أدى إلى ارتفاع المواد الاستهلاكية الأساسية، وزيادة معدل البطالة في المجتمع.
مخاطر بيئية
وبحسب تقرير سابق نشرته خيوط، فإن هذا الاعتماد الكبير على الحطب، كمادة للوقود اليومي، في ظل تجاهل السلطات لتنظيم وترشيد مهنة التحطيب، سيؤدي إلى كارثة بيئية ونباتية وشيكة. ولعل مناطق الرعي المعروفة باتساعها، والمفتوحة في مناطق الوديان الخصبة، أكثر مناطق مهددة بنكال الأشجار وتعري البيئة النباتية التي يعتمد عليها الإنسان وترعى فيها الماشية منذ آلاف السنين.
ويشكل قطع الأشجار واجتثاثها من جذورها، العديدَ من المخاطر البيئية والطبيعية، حيث يعتبر الاحتطاب الجائر من الأعمال السلبية التي تؤثر بشكل رئيسي في تجريف التربة وتصحر الأرض جراء السيول لعدم وجود أشجار.
ويؤكد مدير الصحة البيئية بمحافظة تعز جميل الشجاع، أن الاحتطاب الجائر يؤدي إلى تصحر الأرض؛ لأن الأشجار تعمل على تثبيت التربة من الرياح والأمطار الغزيرة، وقطعها يُفقد الأرض غطاءها الترابي الذي يحفظ التربة.
ومن تبعات التحطيب الجائر كما يلاحظ، ارتفاع في درجات الحرارة؛ نتيجة لتأثير قطع الأشجار واستنزاف النباتات على انخفاض نسبة الأكسجين بشكل كبير.
ويشدد الشجاع على أهمية التكثيف من غرس الأشجار في أرصفة المدينة وفي المدارس والأماكن العامة، لحفظ البيئة من التلوث، وحمايتها في الأرياف.
وتكمن أهمية الأشجار في تنظيف وتلطيف الهواء، وتلقيح الجو، والمحافظة على الرطوبة، ومد الإنسان بالأوكسجين اللازم للحياة، وامتصاصها لثاني أوكسيد الكربون الضار، والذي له دور في ظاهرة الاحتباس الحراري.