عمال الحراج … أفواه جائعة على رصيف الانتظار
حيروت – صنعاء
يلفت الانتباه عند الخروج مبكرًا بالعاصمة صنعاء ما يطلق عليه أسواق حراج العمال، التي تتوزع في مختلف الشوارع والجولات في العاصمة، وتمتلئ بدورها بالباحثين عن عملٍ يومي يكفل لهم توفير لقمة عيش ذلك اليوم، هذا الانتظار المضني لفرصة عمل روتين يومي لكثير من أرباب الأسر اليمنية التي تكافح لتوفير لقمة العيش، إذ يخرج رب الأسرة مبكرًا إلى أحد الأسواق المخصصة، منتظرًا من يأتي ليأخذه معه في عمل، بينما تنتظر زوجته وأطفاله بالبيت، عله يعود بما يمنحهم القوة للبقاء على قيد الحياة.
أعداد مخيفة
في مدخل منطقة السنينة بشارع الستين، يتفاجأ المار بالعدد الهائل من الباحثين عن العمل، بين هؤلاء أشخاص كبار في السن، تكسو وجوههم نظرات الترقب واليأس، يحدقون في المارة، عل أحدهم يبحث عن عامل، يأخذه معه، فيما يلوح البعض بعدته التي تعتبر علامة للمهنة التي يمتهنونها.
“محمد” رجل مسن، أسمر البشرة، ذو لحية بيضاء يمسك بيده قطعة حديد، انسحب من رصيف المنتظرين، ولجأ إلى جوار إحدى بوابات المحلات التجارية المغلقة، وكأنه يئس من الحصول على عمل.
بمجرد أن اقتربنا منه حتى باشرنا بالسؤال: “معك عمل؟ بتدور حداد؟!”. يقول الحاج محمد إنه أب لسبعة من الأبناء والبنات من محافظة الحديدة، ويعمل حدادًا، غير أن ظروف الحياة القاسية في الحديدة التي فاقمتها الحرب أوقفت أغلب الأعمال، ليلقى نفسه عاطلًا عن العمل، بينما يبحث أطفاله وزوجته عن القوت، ويضيف: “تلاشت الخيارات أمامي، ما اضطرني للقدوم لصنعاء بحثًا عن عمل أسد به احتياجات أسرتي”.
ويستطرد “تركت الزحام، وانعزلت هنا؛ لأني يئست من أن أحظى بعمل اليوم أيضًا، مثله مثل الأربعة الأيام التي انقضت”.
يسكن الحاج محمد في “دكان” مع اثنين من أصدقائه، ويدفع 7000 آلاف ريال يمني نصيبه من قيمة الإيجار الشهري، ويرسل ما تبقى من المال لأسرته التي تعيش في بيتهم الأصلي بمنطقة التحيتا، في محافظة الحديدة.
قليلٌ من يعمل
مرت ساعتان وأكثر، وما زال أكثر من نصف العمال على الرصيف، لم يأتِ أحد لطلب عمال. حينها بدأ البعض بالمغادرة بعد أن يئس من الحصول على عمل، مضى الوقت سريعًا، تضاءل العدد أكثر، قال الحاج محمد إن ثُمن الموجودين فقط قد يحظون بعمل، في أحسن الظروف، أما البقية فيعودون خائبين بلا عمل.
استطلعت “خيوط” آراء بعض ممن لا يزالون منتظرين؛ قال أحدهم: “لم أغادر مع أني أعتقد أن لا فرصة اليوم، تضاءلت الفرص تمامًا، ولكن أين سأذهب، وماذا سأفعل في البيت، سأجلس هنا فربما يفرجها الله”.
يستغل أرباب العمل حالة البطالة هذه بين العمال، والتي تجعل العامل أمام خيار البقاء على الرصيف بدون عمل، أو القبول بالعمل بأبخس الأجور، في هذا الصدد يقول الحاج محمد لـ”خيوط”: “قال لي أحد أرباب العمل بشكل واضح وصريح: إما أن تأتي معي بهذا الأجر أو سأجد غيرك، ولا شأن لي بما تعودت أن تعمل به مقابل يومك”.
بالمثل يذهب حسن، أحد أبناء محافظة عمران شمال صنعاء، بنصف الأجرة المستحقة، لكنه يقول: “القبول بنصف الأجرة، خير من البقاء بلا عمل”، ويردف: “أنا متفائل من أن العمل سيستمر، أو قد تتحسن الأجرة”.
وهو ما أكده الحاج محمد، الذي اعترف أنه ذهب عدة مرات للعمل بنصف أجرته المستحقة، لكي يغطي مأكله ومشربه الشخصي اليومي، نظرًا لكونه يسكن بعيدًا عن أسرته الموجودة في الحديدة.
وعبر الحاج محمد عن عجزه عن توفير إيجار سكن لعائلته في حال لو فكر بجلبهم لصنعاء، بالرغم من الوضع الخطير الذي تعيش في ظله أسرته وأسر كثيرة في الحديدة، إذ تصل إليهم القذائف بشكل مستمر، علاوةً على انتشار الألغام في الحديدة ككل، وفي “التحيتا” تحديدًا؛ “يجلسون عند الألغام والحرب، ولا يحضرون إلى هنا، يموتون جوعًا، ولنا من الله ما كتب”، ينهي الحاج محمد حديثه لـ”خيوط”.
دعونا في حالنا
يرفض الكثير من الجالسين في أحد حراج العمال الحديث عن معاناتهم اليومية في انتظار عملاً ما، معللين رفضهم لعدم قدرتهم على التعبير، في إشارة واضحة إلى رفض تام من قبلهم لإظهار الضعف والعوز الذي يمرون به، وهو ما يعكس تعفف هؤلاء.
مقام يشعر المرء خلاله بالإحراج، إذ كيف نبحث عن إجابات بين هؤلاء، بينما المكان وجد للبحث عن الحياة والرزق، هو بالفعل ما أوجزه أحد العمال المنتظرين بقوله: “دعونا في حالنا”، ليكون لزامًا علينا الانسحاب بهدوء وتركهم وشأنهم.
تبدو الرؤية ضبابية بشكل أكبر عند الجانب الحكومي، إذ لا إحصائيات رسمية عن عدد هؤلاء، ولا كيان يؤطر تواجدهم، وبالمقارنة مع دول اّخرى تعيش ذات الظروف، تجد أن هناك دوائر حكومية تسمى “إدارة الشؤون الاجتماعية والعمل، “وهي مختصة بتسجيل العاطلين والباحثين عن العمل بدون مؤهلات أو بالأجر اليومي، ليتم تسجيلهم وتوزيعهم على الأعمال إن وجدت، وبالتالي فمن الصعب المطالبة بحقوق هؤلاء في اليمن لغياب قاعدة البيانات،، وغياب الدولة عمومًا التي عجزت عن دفع رواتب الموظفين المدنيين منذ سبتمبر/ أيلول 2016.