رسائل اليمن بعد استعادة 150 كم من جازان والتوجه لاحتلال الأراضي السعودية
حيروت- متابعات
رغم إنكار السعودية حدوثها فإنّ ما نشره الإعلام الحربي اليمني من صور يؤكد أنّ معركة كبيرة جرت على أرض منطقة جيزان المحاذية للحدود اليمنيّة مع المملكة السعودية، في منطقة هي تاريخياً أرض يمنيّة، لكن الضغوط واتفاقات الإذعان نقلت السيادة عليها إلى مكان آخر وباتت اليوم جزءاً من تلك المملكة.
لقد أعلنت القوات الوطنية في اليمن المشكّلة من الجيش واللجان الشعبية أنها نفذت خلال الأيام العشرة الأواخر من شهر أيار/ مايو2021 عملية هجوم واسعة استهدفت منطقة جيزان وأفضت إلى السيطرة على 150 كلم2 من المنطقة وقتل العشرات وأسر المئات من الجيش السعودي ومن المرتزقة الذين يعملون معه فيها، وثق الإعلان بصور تظهر جزءاً من مجريات المعركة ومنتهاها والحصيلة التي آل الواقع اليها إثر تلك العملية. ولكن السعودية نفت حدوث ذلك جملة وتفصيلاً.
ونحن أمام النفي غير المستند إلى ما يؤكده، وأمام الإعلان الموثق بالأفلام والصور الواضحة المأخوذة من ارض الميدان، نأخذ بالإعلان ونعتمده خاصة أنّ تاريخ الحرب والعدوان السعودي على اليمن يشهد على صدق ما تعلنه القوات الوطنية وموضوعية الإعلام الحربي اليمني التابع لها، إذ إنها خلال السنوات الماضية ما أعلنت شيئاً ألا وثبت حدوثه، ولا يمكن أن تدّعي أو تفبرك على حدّ ما جاء في الإعلام السعودي، لا يمكن أن تفبرك عملية بهذا الحجم فيها من القتلى والأسرى السعوديين العشرات أو المئات الذين أبدت القيادة الوطنية استعدادها لتنظيم عملية تبادلهم مع السعودية.
وانطلاقاً من ذلك وارتكازاً إلى ما نعتقد انه صحيح وواقع، وأن القوات اليمنية قامت بالفعل بشن هذا الهجوم على القوات السعودية المحصنة في جبال جيزان في مراكز قتال مجهّزة بأفضل أنواع التجهيزات والأسلحة المطورة، والمسيطرة من مراكزها الحصينة تلك على المنطقة بأوديتها وشعابها، والمستفيدة من غطاء جوي سعودي وحليف يسيطر سيطرة تامة على الأجواء، وطبعاً لا ننسى وعورة المنطقة وصعوبة الحركة فيها للمهاجم، حيث إنّ التقدّم فيها محكوم بتسلق الصخور والسير صعوداً في أصعب ظروف الحركة وأقسأها.
ورغم التفاوت الهائل بين ظروف المهاجم اليمني وقدراته وظروف المدافع السعودي ومرتزقته وإمكاناته، فقد تمكن المهاجم اليمني من الوصول إلى مراكز المدافع واقتحامها والسيطرة عليها ما أدّى إلى قتل بعض العسكريين وفرار من استطاع، وأسر من عجز عن الهرب وفضل الوقوع في الأسر بعد أن حالت ظروفه دون القتال والتسبّب بالموت لنفسه، رافق ذلك حصول اليمنيين على غنائم حرب هامة من السلاح والذخيرة وإقدامهم على تدمير الأليات والمعدات والتجهيزات التي لم يروا مناسباً نقلها إلى اليمن نظراً لظروف الميدان.
ومع انتهاء المعركة وانجلاء غبارها تُطرح أسئلة كثيرة حول الأهداف والرسائل التي شاء الجيش اليمني واللجان الشعبية تحقيقها أو إرسالها من خلال هذه المعركة ومن الميدان بالذات، فللمنطقة خصوصية معينة وللمعركة سمات تجعلها تختلف عما عداها. وانطلاقاً من ذلك وبتحليل موضوعي يمكن القول بان اليمن أراد أن يوجه للسعودية ومن خلفها إلى القوى التي أمرتها بالعدوان ولا زالت ترعاها وتحتضنها في عدوانها، أراد أن يوجه الرسائل التالية:
1 ـ على الصعيد العسكري: أراد اليمن أن يؤكد بأنه بات يملك من القدرات العسكرية ما يجعله يخوض غمار معركة هجومية في هذا الحجم وبهذا التعقيد والظروف القاسية وينتصر، في مواجهة جيش جهّز أفضل تجهيز وصنّف يوماً بأنه الجيش العاشر في العالم، والسبب في ذلك عائد إلى المسألة المعنوية وإرادة القتال والإيمان بالحق المطالب به. ففي حين أن المهاجم اليمني يحمل بمعنويات تبلغ السحاب ارتفاعاً ولديه إرادة القتال الفولاذية مؤمناً بحقه بالدفاع عن النفس وعن وطنه المعتدى عليه والمحاصَر، فإنّ الجندي السعودي منعدم المعنويات فاقد إرادة القتال لا يثق بقيادته وبما تعلنه لأنه لا يرى سبباً للاعتداء على أشقائه اليمنيين. وأنّ هذا المشهد المقارن بين الطرفين يقود إلى القول بأنّ جيشاً هذا حاله من المستحيل أن يصمد في معركة وينتصر، وهذا ما يفسّر تراجع القوات السعودية في اليمن إلى حدّ الوصول الآن إلى حصر وجودها في منطقة مأرب التي إذا خسرتها فقدت كلّ شيء ميدانيّ في اليمن وانتقلت إلى القتال، هذا إذا وجدت جيشاً يقاتل، على الأرض السعودية، وفي ذلك خسائر مادية معنوية أكبر من أن تتحمّلها السعودية.
2 ـ على الصعيد السياسيّ: أراد اليمن بشكل ضمني إثارة موضوع تاريخي يتصل بهوية جيزان الأصلية وإذا كانت اليوم تبقى المسألة محصورة في السعي إلى امتلاك القوى الوطنية اليمنية أوراقاً تفاوضية فإنّ الأمر قد يتغيّر غداً. ونعني بالأوراق التفاوضية الآن الأوراق القابلة للاستعمال على طاولة رسم الحلّ السياسي لليمن، هذا الحلّ الذي لن يكون إلا على أساس وحدة اليمن وسيادته وقراره المستقلّ، أما فكرة التجزئة والانفصال والتقصّي فكلها أفكار تبقى في حقيبة المعتدي غير قابلة للصرف، في ظلّ قدرات يمنية تمكن المدافع من متابعة القتال ونقله إلى أرض الخصم حتى يذعن المعتدي لمطالب الدفاع. فمن استطاع أن يحتلّ أرضاً في جيزان لن يكون عاجزاً عن استكمال تحرير مأرب والتوجه إلى الجنوب، حيث عدن وما يُحيط بها.
3 ـ على الصعيد الاستراتيجي: انّ اقتران السيطرة على 150 كلم2 من أرض جيزان التي هي أصلاً أرض يمنية باتت بالتفاهمات سعودية، قد يثير لدى أهل الأرض الأصليين الشعور بالعودة إلى حضن الوطن الذي سلخوا عنه بوثيقة توقيع، الأمر الذي سيطرح الكثير من الشؤون والشجون المتعلقة بإعادة رسم الحدود ويؤثر على هيكلية النظام السعودي خاصة إذا بادر أهل اليمن إلى إطلاق نظرية تحرير الأرض اليمنية كلها المقتطعة بدل القول باحتلال أرض سعودية.
على ضوء ذلك نجد أنّ هذه الرسائل الأساسية التي صيغت في ميدان جيزان وجهت بشكل أساسي إلى أطراف ثلاثة، المعتدي على اليمن والحاضن له والمراقب، وعنيتُ بهم تحالف العدوان خاصة السعودية والإمارات، وأميركا وبريطانيا، وأخيراً الأمم المتحدة، وهنا يطرح السؤال التالي: هل سيتلقف المرسل إليهم هذه الرسائل ويستجيبوا لها منعاً لما هو أخطر؟ أم سيستمرون بالمراوغة والمناورة والعدوان؟ نأمل أن تكون الاستجابة التي يجب أن تكون محدّدة وبشكل دقيق في النقاط التالية:
أ ـ وقف حصار اليمن بشكل جدي من دون تذاك أو التفاف، ما يعني فتح موانئ اليمن ومطاراته والسماح بحرية الحركة من اليمن واليه من دون تدخل خارجي. وهذا الأمر هو أصلاً هدف إنساني يجب أن يتحقق ووقف جرائم الحرب المتمثلة بالحصار المفروض والذي يتسبّب بمآسٍ هائلة لشعب اليمن.
ب ـ وقف العدوان على اليمن على أن يبدأ بوقف العمليات العسكرية والقصف الجويّ بشتى أشكاله.
ج ـ الدخول في مفاوضات جدّية لإنهاء الحرب وخروج القوات الأجنبية ومرتزقتها من اليمن.
د ـ تنظيم مؤتمر وطني يمني للبحث في وضع اليمن على أساس المحافظة على وحدته واستقلاله وسيادته.
إن من مصلحة السعودية اليوم قبل الغد الخروج من وحول اليمن التي هشمتها وحطمت هيبة جيشها وأظهرتها على هذا الحال من الوهن والعجز، كما أنّ من مصلحة الإمارات فعل الشيء نفسه خاصة أنّ ما ينتظرها في حال مواصلة العدوان والتدخل في اليمن، ينتظرها الكثير مما لا تستطيع احتماله. أما أميركا فإنّ مصلحتها أن تقرن القول بالفعل بعد أن أعلن بايدن «بأنّ هذه الحرب يجب أن تتوقف«.
العميد امين حطيط
أستاذ جامعي – خبير استراتيجي.