غريفيث يلعب بالوقت بدل الضائع.. ويودّع اليمن بالوعود!
حيروت – صنعاء
بعيداً من المقترحَين الأميركي والسعودي للسلام في اليمن، حاول المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، خلال جولته الأخيرة في المنطقة، والتي شملت العاصمتَين السعودية والعُمانية، وانتهت يوم أمس، إعادة مسار السلام إلى ما قبل الإعلان عن المبادرة السعودية في منتصف آذار/ مارس الماضي.
وعلى رغم الغموض الذي ساد تحرُّكات غريفيث الأخيرة، قبل تسلُّمه مهمّاته الجديدة كمسؤول للملفّ الإنساني في الأمم المتحدة، بدا المبعوث الأممي متفائلاً إزاء إحراز تقدُّم نحو الحلّ، في ظلّ الدعم الدولي والإقليمي المستمرَّين لمساعيه. وأكد مكتبه، في بيان، أمس، أنه التقى، خلال زيارته مسقط، الناطق باسم حركة «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، إلى جانب كبار المسؤولين العُمانيين. وناقش الأطراف خطّة الأمم المتحدة لفتح مطار صنعاء الدولي، ورفع القيود عن ميناء الحديدة، لتعزيز حرية حركة الأفراد والسلع من اليمن وإليه، والتوصّل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد، والتزام الأطراف بإعادة إطلاق عملية سياسية لإنهاء النزاع.
وفيما بقيت تفاصيل اللقاءات طيّ الكتمان، قالت مصادر سياسية في العاصمة صنعاء إن الأمم المتحدة قدَّمت وعوداً جديدة تهدف إلى تخفيف الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
وأكدت أن مدير مكتب غريفيث، مروان الكفارنة، الذي زار صنعاء قبل أيّام، حمل وعوداً بتنفيذ ما سبق الاتفاق عليه بين الأطراف اليمنيين في «اتفاق استكهولم» الموقّع عام 2018، برعاية المنظمة الدولية، والعمل على استئناف المفاوضات في شأن تنفيذ الاتفاقات المتعلّقة بملفّ الأسرى والمعتقلين.
ورأت المصادر أن محاولة غريفيث العودة إلى تنفيذ الاتفاقات المتعثّرة، والتي جاءت في آخر جولة له قبل مغادرته منصبه، تهدف إلى تحسين رصيده، عادَّةً إيّاها بمثابة مسعى أممي «في الوقت بدل الضائع» لإنقاذ عملية السلام في اليمن من الانهيار، بعد وصولها، خلال الأسابيع الماضية، إلى مفترق طرق، نتيجة الانحياز الأميركي للمبادرة السعودية، ومحاولة واشنطن، عبر مبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينع، فرضَ عدد من بنود مبادرة المملكة، والتي عرضت على صنعاء وقف التقدُّم العسكري عند تخوم مدينة مأرب، في مقابل تخفيف الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
وعلى رغم أن الرياض لم تسلِّم مبادرتها رسمياً منذ إطلاقها قبل أكثر من شهرين، إلّا أن حكومة صنعاء رفضت ربط الملفات الإنسانية التي سبق الاتفاق في شأنها، بأيّ ملفات أخرى عسكرية كانت أو سياسية.
ومن جانبه، أشار عبد السلام إلى أنه جرت مناقشة الاتفاق الإنساني والعمل على تسريعه، لافتاً إلى أن تسريع هذا الاتفاق من شأنه أن يُمهِّد للدخول في نقاشات أوسع لوقف إطلاق نار دائم وتسوية سياسية شاملة.
وعَدَّ مراقبون إعادة الأمم المتحدة مسار السلام في اليمن إلى ما قبل الإعلان عن اتفاق الرياض، «خطوةً في الاتجاه الصحيح»، يُحتمل أن تمهِّد لبناء الثقة بين الأطراف، في حال تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه حول رفع الحصار عن ميناء الحديدة، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية المحتجزة من قِبَل دول التحالف السعودي – الإماراتي في جيبوتي، وعدم اعتراض واردات الوقود مستقبلاً، في مقابل عودة الأطراف إلى تنفيذ الاتفاقات السابقة المتعلّقة بإيداع الإيرادات الجمركية والضريبية المستوفاة من سفن الوقود الواصلة إلى الميناء، في حساب الرواتب المفتوح في فرع المصرف المركزي اليمني في مدينة الحديدة، على أن تقوم الأمم المتحدة بإلزام حكومة هادي، بالوفاء بالتزاماتها تجاه موظّفي الدولة وسدّ العجز المالي في حساب الرواتب.
ويضاف إلى ما سبق، أن تخفيف القيود عن شحنات الوقود القادمة إلى ميناء الحديدة سيتمّ بالتزامن مع تخفيف الحصار المفروض على مطار صنعاء، وسيُسهم تالياً في تحريك ملفّ الأسرى والمعتقلين المتعثّر منذ مطلع العام الجاري. لكنّ المحاولة الأممية التي تعاطت معها صنعاء، كعادتها، بشكل إيجابي، لم تُرضِ الجانب السعودي الذي كرّس ثقله السياسي والدبلوماسي، خلال الفترة الماضية، لفرض مبادرته التي اختزلت الحرب والحصار في محافظة مأرب.
ورداً على استبعاد ملفّ مأرب من أجندة الجولة الأخيرة لغريفيث، كثّف «التحالف»، في اليومين الماضيين، عملياته الجوية في محافظات مأرب والجوف وصعدة، تزامناً مع صدور توجيهات سعودية لقوات هادي بفتح التعبئة العامة لحشد مزيد من المقاتلين من مأرب وعدد من المحافظات بتمويل سعودي، فضلاً عن ترتيبات ميدانية تقوم بها تلك القوات مسنودةً بقوات «الإصلاح» عند تخوم المدينة، تمثَّلت في إنشاء المزيد من التحصينات، وتعزيز مواقعها بالمقاتلين.
وفي هذا الإطار، أفادت مصادر محلية في مأرب، بأن طيران التحالف السعودي الاماراتي شنّ عشرات الغارات على مناطق التماس في أطراف الطلعة الحمراء، وفي التومة السفلى في الجبهة الغربية، امتداداً إلى دشن الحقن شمال غرب مأرب.
وأشارت المصادر إلى أن التصعيد الجوّي، منذ يوم الثلاثاء الماضي، تزامن مع محاولة قامت بها قوات هادي لاستعادة دش الحقن والتقدُّم نحو حمة الذئاب، مؤكدة أن تلك المحاولات أُفشلت بعد ساعات من قوات الحوثيين التي كسرت الهجوم، وتمكّنت من تأمين عدد من المناطق في الجبهة الشمالية الغربية.
وفيما تفيد المعلومات بأن وزارة الدفاع في حكومة الحوثيين أنهت كلّ الترتيبات العسكرية لعملية حاسمة لتحرير مدينة مأرب، قامت وزارة الداخلية في صنعاء، خلال الأيام الماضية، بنشر المئات من العناصر الأمنيين الذين ينحدرون من قبائل المحافظة في جميع المناطق المحيطة بالمدينة، والواقعة تحت سيطرتها.
كما أكد محافظ مأرب، الموالي للحوثيين اللواء علي محمد طعيمان، خلال زيارة ميدانية مع عدد من المسؤولي المحليين لجبهات القتال، أن المعركة مستمرّة حتّى تحرير كامل المحافظة، مشيراً إلى أن «أبناء مأرب في مقدّمة الصفوف لتحرير ما تبقّى من المحافظة بعدما ذاقوا ويلات قوى الغزو والاحتلال، وانتهاكاتها في حقّ أبناء القبائل المأربية».