سلاح بلا زناد يخنق أهالي تعز
حيروت – تعز
سحب تشوه سماء المدينة حتى يظنها البعض كتل مطر على وشك الهطول، لكنها ليست كذلك. والحقيقة أنها خطر يهدد السكان نتيجة مخلفات المواد البلاستيكية، والتي تشكل ملفًا ثقيلًا يترصد المدينة.
ففي تعز، قد يكون البارود هو الجاني الأول بحق أرواح الناس، ولكن دخان الأكياس والمواد البلاستيكية يوازيه، وربما يفوقه، في الفتك.
وفي هذا السياق، يروي الصحفي محمد الحريبي، قصة نجاته من موت محقق، حيث استيقظ من نومه ذات يوم، وهو يشعر باختناق شديد. يقول الحريبي: “صحوت فجأة على شعور بالاختناق، وكان الدخان يملأ المنزل”. وبسبب مشكلة في الجهاز التنفسي يعاني منها محمد، أصيب بالاختناق نتيجة لكثافة الدخان داخل المنزل، ولم يتمكن حتى من الصراخ. ومع ذلك قاوم الاختناق وراح يركض في المنزل باحثًا عن مصدر الحريق، لكنه لم يجد أي أثر لحريق، وعندما فتح النوافذ لتهوية المنزل، اكتشف أن الدخان تسلل إليه من موقع تجميع القمامة بجوار منزله.
ونقل خيوط عن الحريبي: “كان شعورًا مريرًا ومفزعًا، أن تشعر بالموت يقترب منك دون أن تمتلك حتى فرصة للحل، وكل هذا بسبب القمامة التي يتم إشعالها، للتخلص منها، إلى رئة السكان”.
الطهي بالبلاستيك
في ريف تعز الجنوبي، كما هو حال المدينة، يستخدم السكان موادًا بلاستيكية للطهو والشرب وغير ذلك. وتقول الناشطة الاجتماعية رجاء عبدالمجيد، إن الكثير من النساء ربات البيوت يستخدمن أكياس البلاستيك وقوارير الماء وقوارير المشروبات الغازية، كوقود لطهي الطعام، وذلك في ظل ارتفاع أسعار مادة الغاز المنزلي.
وترى رجاء في حديثها، أن الوضع الاقتصادي في البلاد جراء استمرار الحرب، هو سبب الوصول إلى هذا الحال. وتضيف: “سألت النساء في الأرياف لماذا تبنين المواقد أو ما يسمى باللهجة الشعبية (الصُّعْد) خارج المطبخ، فكان ردهن بأن سبب ذلك هو تخفيف رائحة أكياس وقوارير البلاستيك أثناء اشتعالها كبديل للحطب، لكنهن يجهلن أن هذا يؤدي إلى تلويث البيئة”.
مواد سامة
الدكتور محمد الشجاع، مسؤول التدريب والإعلام البيئي في مركز البيئة وخدمة العملاء بجامعة تعز، يقول إن حرق الأكياس البلاستيكية ينتج عنه موادّ سامة وغازات تتصاعد في الهواء الجوي، منها غاز ثاني أكسيد الكربون CO2، وتتحد مع الهواء فتكوّن غازًا سامًّا من ثالث أكسيد الكربون CO3، وهذا الغاز يسبب الاختناق للناس، ويسبب أمراض الربو عند الكثير من سكان المناطق التي يحرق فيها البلاستيك وحولها.
ويشير الشجاع في حديثه، إلى أنه عند حرق المواد البلاستيكية تتصاعد منها مادة سامة تسمى مادة “الكريميد”. هذه المادة تسبب السرطان لكثير من الناس، وخاصة الأطفال والنساء والشيوخ، ويسمى سرطان “اللوكيمياء” – سرطان الدم، الناتج عن استنشاق أبخرة المواد البلاستكية، كما أنها تسبب تلوثًا للبيئة بشكل كبير.
وتمتد أضرار دخان المواد البلاستيكية إلى المجال الزراعي، حيث يهدد المحاصيل. ويقول الخبير البيئي محمد الشجاع: “دخان البلاستيك يعرقل نمو الأشجار ويقتل النباتات ويصيبها بالضمور، كما يسبب تلف الأشجار المثمرة وتفحّم الفواكه من الداخل، في حين يكون الشكل الخارجي لها سليمًا”.
إحراق القمامة
وقالت ارتفاع القباطي، مديرة مركز التوعية البيئية في تعز، إن حرق مخلفات القمامة تتحمل مسؤوليته الجهة المعنية بالنظافة، بالإضافة إلى عدم التزام المواطنين بإجراءات التخلص من المخلفات في حال وجود خطط محكمة لذلك.
وأشارت القباطي في حديثها، إلى أن إحراق المخلفات إجراء ضروري نتيجة لتراكم أكوام القمامة في أماكن تجميعها، ما يشكل منظرًا مزعجًا ومصدرًا للتلوث البيئي، لكن بعض الأهالي يضطرون لإحراقها بما تحتويه من مخلفات بلاستيكية وغيرها.
وترى القباطي أن الحلول لهذه المشكلة “ليست بالصعبة أو المستحيلة، ولكنها تحتاج إلى نوايا حقيقية لحل المشكلة، وإلى التزام من قبل الجهات المعنية”، مشيرة إلى أن مركز التوعية البيئية بتعز، لديه خطة عملية مدروسة لحل هذا الإشكال البيئي.
ولفتت إلى أن هذه الخطة “متشابكة الأطراف ومتعددة الطرق، فجزء من الخطة هو إداري وفني تختص به الجهة المعنية بالأمر البيئي، ممثلة بمشروع النظافة الذي يسهّل عمل مركز التوعية البيئية وتوفير مستلزمات الخطة”.
وأوضحت أن “مركز التوعية البيئية ملزم بإعداد خطة عملية محكمة الهدف”، ترتكز في شقها الثاني على تعاون المجتمع بكافة شرائحه، وإلزامه أخلاقيًّا بالقيام بدوره في هذا الصدد.
لقد أشرنا للمنصة الرئيسية التي نشرت المادة، وبالطبع، فإن حقك محفوظ فيها .