مصافي عدن بلا قيمة.. الإهمال سيد الموقف!
حيروت – عدن
تعد مصافي عدن إحدى أهم المنشاّت الاقتصادية في اليمن ورافد رئيسي لخزينة الدولة نظرا للوظيفة الحساسة والهامة التي تلعبها في استيراد وتكرير وتصدير النفط الخام والمشتقات النفطية.
ولم يقم المسؤولون فيها بأي إجراءات صيانة حقيقية على أرض الواقع لتطوير قدراتها، وتزويدها بالمعدات اللازمة لتشغيلها.
كما تسبب هذا الإهمال بإصابة هذه المنشأة الحيوية بالشلل التام، وتعطيل قدراتها الإنتاجية والتكريرية، وكي تتدارك النتائج الكارثية، عمدت المصفاة على تعويض خسائرها من خلال النفقات التجارية على حساب النفقات الرأس مالية ومضاعفتها، وهو ما انعكس بصورة سلبية مع تعاقب السنين، على واقع المنشأة اليوم.
مخلفات الحرب
بعد المواجهات بين القوات الموالية لجماعة الحوثيين، والقوات الموالية لهادي خرجت المصفاة عن الخدمة حينها، وبلغت إجمالي خسارتها حوالي 240 مليون دولار، لم يتم تعويض المصفاة بأي مبلغ.
في يوليو/ تموز 2015، استأنفت المصفاة عملها بعد توقف؛ نتيجة المعارك التي شهدتها مدينة عدن، والتي انتهت بسيطرة القوات التابعة لهادي على المدينة، لكن لم يستمر ذلك طويلًا لتتوقف عن العمل مجددًا لعام كامل بسبب نفاد مخزون النفط الخام، ومعاناتها من تبعات الأزمة المالية التي عصفت بها، لتدخل المدينة مجددًا في أزمة وقود حادة.
وتعيش مدينة عدن على وقع أزمة وقود حادة منذ العام 2019، إذ ما تزال مصفاتها تعاني من تخبط إداري كبير، وتجاهُل القائمين عليها لاحتياجاتها، ليدق المسمار الأخير في نعش المصفاة، التي ما إن أعلنت عن استئناف نشاطها في تكرير النفط الخام، بعد توقف دام 6 أشهر، حتى يندلع الحريق في أحد الأنابيب الذي خلف أضرارًا كبيرة، وألحق أضرارًا بالغة بالأنبوب، وتسبب باحتراق ما يعادل 300 طن من المشتقات النفطية كانت بداخلها، مما عرّض المصفاة لخسائر جمة لم يتم تعويضها أيضًا.
قصة الشركة الصينية
في منتصف يناير/ كانون الثاني من العام 2014، عقدت مصافي عدن اتفاقًا يتعلق بالتعاون المشترك مع الشركات الصينية في مشروع تطوير وتحديث المصفاة، حيث أبدت استعدادها لتمويلها، وعلى رأسها الشركة الوطنية الصينية للنفط والغاز “سينوبك”، التي كشفت عن موافقتها على الاستثمار في المشروع الذي يهدف إلى استبدال أذرع التحميل اليدوية بالمصفاة بأخرى إلكترونية يتم تشغيلها آليًّا.
وحين كان سكان مدينة عدن ينتظرون بفارغ الصبر بَدْء عملية الصيانة ووصول الشركاء الجدد لتركيبها، اندلعت الحرب في عدن بين الحوثيين وقوات هادي، وهو ما حال دون تنفيذ الصيانة للمصفاة. إذ دخلت المصافي في دوامة هي الأسوأ، وتردّى وضعها خلال السنوات الخمس الأخيرة، لتفشل في أداء دورها كأكبر منشأه يمنية في تكرير النفط.
عودة الأمل
مع بداية العام الحالي، صرح المدير التنفيذي عن قرب انفراج الأزمة للمصفاة، وحدوث اتفاق يقضي بعودة الفريق الصيني لاستكمال سير العمل في المصفاة، وهو ما تأكد بعدها بأسابيع، حيث وصل الفريق الصيني للعمل على إنهاء أعمال الصبيات الخاصة بمحطة كهرباء المصفاة الجديدة وتركيب وتشغيل مصنع الأكسجين، وهو المصنع الذي دشن إنتاجه رسميًّا مطلع شهر فبراير الماضي.
ويأتي وصول الفريق الفني الصيني المتخصص إلى عدن، لاستكمال مشاريع التحديث والتطوير في المصفاة، ومن ضمن مهامه استكمال تركيب وتشغيل مصنع الاستيلين.
وبحسب الصحيفة الرسمية التي تصدرها شركة مصافي عدن، فإن الفريق الفني الصيني بجانب عمليات الصيانة والتطوير، سيعمل على تركيب الغلايات والمولدات ووحدة الضخ الخاصة بمحطة ضخ مياه البحر والبخار، وذلك مزامنة مع إنشاء المحطة البخارية الجديدة. كما سيعمل الفريق على ترميم وصيانة الدفعة الأولى من خزانات المصفاة التي تصل إلى 5 خزانات تحتاج لصيانة عاجلة لتردي وضعيتها، إضافة إلى تركيب أذرع التحميل الجديدة في رصيف رقم واحد في ميناء الزيت.
وباشر الخبراء الصينيون الذين وصلوا مدينة عدن في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، عملهم في المصافي، إذ يؤكد مختصون إنجاز الفريق ما نسبته 90% من أعمال الصبايات.
وبالرغم من توفر 80% من المواد الخاصة بتركيب آخر “صبية” في عدن، إلا أن ذلك مرتبط بوصول فريق آخر يتكون من 30 خبيرًا، تعذر وصولهم بسبب الأوضاع الأمنية في المدينة.
ونقل خيوط عن ناصر شائف، الناطق الإعلامي لشركة مصافي عدن، إن الاتفاق مع الشركة الصينية تم في العام 2014، على “مولد وغلاية” قبل أن توقف الحرب عملهم في العام 2015.
ويضيف أن الخبراء رفضوا العمل؛ كونهم قد أتوا برفقتهم تكنولوجيا جديدة، لا تتوافق مع التنكولوجيا القديمة؛ مما دفع إدارة المصافي إلى تغيير خططها وإنشاء محطة جديدة.
وعن سبب اختيار الشركة الصينية يوضح شائف، أن التكنولوجيا التي استخدمت في البناء قديمة جدًّا، تعود للعام 1952، ولم يعد هناك وجود للشركة المصنعة؛ لذا تعتبر الصين، وفق حديثه، الرائدة على مستوى العالم في هذا المجال بسبب تكاليف الإنتاج المناسبة.
جذور المشكلة
واجهت المصافي العديد من العوائق التي عرقلت استكمال العمل على صيانتها، مثل الأوضاع الأمنية وتقاعس حكومة هادي عن دفع التكاليف التي التزمت بها لإدارة المصفاة، والتي بلغت قيمتها 7 مليون دولار، والذي يعتبر من أهم العوامل التي تسببت في عرقلة العمل بالمصفاة؛ نظرًا لانخفاض إيرادات المصافي لتوقفها عن الإنتاج.
كما انخفض عدد التجار المتعاملين مع المصافي من 12 تاجرا إلى تاجرين اثنين، مع تراكم المديونيات ووصولها إلى 90 مليون دولار قيمة 100 طن من الوقود، تم استخدامها لتغذية محطات الكهرباء، لتصبح خدمة الكهرباء وعمل المصفاة في المدينة مرهونين بانسحاب ما تبقى من التجار بسبب تراكم المديونية على الحكومة، والتي يرتبط انفراجها بدخول المنحة التي أعلنت عنها السعودية الشهر الماضي، والتي من المتوقع أن تشكل مصدر دخل للمصفاة وانفراجة للأزمة.
وبحسب معلومات مؤكدة، كانت المصافي قبل الحرب تستورد كل ثلاثة أشهر نحو 240 ألف طن بترول، و400 ألف طن من مادة الديزل، بحسب آخر مناقصة تم إجراؤها في الفترة (يناير/ كانون الثاني – مارس/ آذار 2015).
استعادة آلية العمل السابقة
تشكل آلية العمل منذ ما بعد الحرب وحتى اللحظة، عائقًا كبيرًا أمام مصافي عدن، حيث لم يعد العمل بالآلية الأساسية التي كانت تستخدم قبل العام 2015، والتي معها أيضًا عانت المصافي من عجز كبير في التوليد.
وتتلخص الآلية الحالية، والتي تشكل مشكلة كبيرة، بحسب ما أكدته مصادر مسؤولة في مصافي عدن، في أن يتم التعاقد مع الشركة الأجنبية التي تقوم باستيراد النفط عن طريق البنك المركزي في صنعاء ، وهو من يتولى عملية تحويل المال من جانبه. وبعدها تأتي المواد للمصافي، ويتم بيعها لشركة النفط وفروعها في عدن والحديدة وحضرموت وبقية المناطق، وفيما بعد يستلم البنك المركزي الإيرادات من الشركات، ونهاية الشهر يتم عمل “مقاصة” بعمولة المصافي.
ويقوم التجار في السنوات الماضية التي تلت الحرب بعمل البنك المركزي، من خلال شراء المشتقات النفطية بما يقارب 10 مليون دولار يوميًّا تدفع لهم من تجار النفط “ما يتم تسميتهم بتجار التجزئة”، ومن ثم يأتون بها إلى المصافي في عدن أو حضرموت ليتم بيعها بالعملة الصعبة، وتذهب جميع العائدات إلى المصارف.
بحسب الناطق الإعلامي لمصافي عدن، فإن الحل الوحيد لإنهاء أزمة المصافي هو الرجوع لآلية العمل التي كان معمول بها قبل الحرب، أي أن تقوم المصافي باستيراد المشتقات النفطية، وليس التجار كما هو متبع حاليًّا، لكن عودة هذه العملية ليس بالأمر الصعب، على الرغم من إشراف المجلس الاقتصادي التابع لحكومة هادي على عملية استيراد الوقود ومنح تصاريح دخول السفن.