كيف نواجه حرب التضليل الإسرائيلية في منصات التواصل؟ بقلم| ليلى نقولا
بقلم| ليلى نقولا
بعد أيام من التضامن العالمي غير المسبوق مع فلسطين، بدأت حرب التضليل الإسرائيلية في وسائل التواصل في العالم، وفي لبنان تحديداً. فجأة، ومن دون سابق مقدِّمات، تحوّل جانب من التضامن مع فلسطين، في وسائل التواصل، إلى اشتباك حول العَلَم اللبناني والأرزة اللبنانية، بحيث قام نشطاء بـ”تشويه العَلَم اللبناني في معرض التضامن مع فلسطين”، الأمر الذي أثار حساسية مجموعة من اللبنانيين، الذين ردّوا بانفعال عاطفي، وتحوّلت منصة “تويتر”، في بعض عناوينها ومساحاتها، من تضامن لبناني مع فلسطين إلى اشتباك بشأنها!
وفي توقيت مستغرَب أيضاً، قام بعض المغرِّدين في “تويتر” وفي صفحات “الفيسبوك” الناطقة بالعربية، بإثارة النعرات المسيحية الإسلامية في الموضوع الفلسطيني تحديداً. ودأبت صفحات أخرى على التذكير بحوادث تاريخية متفرّقة في التاريخين الفلسطيني والعربي، والتركيز عليها لتشير إلى عدم صوابية وعدم أحقية التضامن مع الفلسطينيين في هذا الوقت.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن التدقيق في هويات مُطلقي الحملة والجذور الأولى لانطلاقتها، بغضّ النظر عن المتفاعلين والمتأثّرين بها في وقت لاحق، يشير الى حرب تضليل إسرائيلية واضحة، يقوم بها عملاء إسرائيليون لإثارة الغرائز والنعرات الطائفية، وتفتيت حملة التضامن العالمية مع فلسطين.
وسنُورد فيما يلي ركائز حروب التضليل الإعلامية الإسرائيلية المُعتَمَدة، ونشير إلى بعض الوقائع على سبيل المثال، لا الحصر:
1- وحدات خاصة من “المستعرِبين” في وسائل التواصل
كما في الحرب والعسكر وقمع المدنيين، كذلك في الإعلام ووسائل التواصل، أنشأ الإسرائيليون وحدات في “الجيش الإسرائيلي” سُمِّيت “المستعرِبين”، أو “مستعرفيم” بالعبرية، أغلبيّة أفرادها من اليهود الشرقيين، أو من العملاء العرب والفلسطينيين، ومهمتهم الانتشار بين المتظاهرين والنشطاء، ويعتمرون الكوفيات، ويقومون بكل ما يجب لتعزيز ثقة النشطاء بهم، فيحصلون على معلومات استخبارية مهمة، وينقضّون عليهم حين تحين الفرصة.
تأسست وحدة “المستعرِبين” في ثلاثينيات القرن العشرين، ونشطت في جمع معلومات استخبارية أو اختطاف شخصيات، أو تصفية مقاومين فلسطينيين، أو تفريق متظاهرين. وينتحل أفرادها، من أجل تحقيق هذا الهدف، شخصيات متعددة: طواقم طبية؛ صحافيين؛ مقاومين في الميدان. وينتحلون اليوم صفة “نشطاء في وسائل التواصل”.
وهكذا، تحت أسماء عربية وهمية ومستعارة، يتغلغل “المستعرِبون” بين النشطاء لكسب ثقتهم. ثم، حين يحين الأوان، يقومون بإدارة حملة إعلامية لتحويل الأنظار عن الحقائق وبثّ الإشاعات، والحصول على معلومات استخبارية، وحرف الموضوع والنقاش في وسائل التواصل إلى ما يُفيد الإسرائيليين في حربهم ضدّ الفلسطينيين.
2- “شيطنة” العدوّ ضمن إستراتيجية طويلة الأمد
في تحقيق استقصائي مطوّل باللغة الإنكليزية في آب/أغسطس 2020، يُدرج موقع grayzone، المتخصّص بالحروب الإعلامية وكشف حروب التضليل، أن الاتهامات الإعلامية التي تمَّ تسويقها بعد انفجار مرفأ بيروت مباشرة، بشأن “ارتباط حزب الله بنيترات الأمونيوم التي انفجرت في المرفأ” ليست جديدة. ويشرح التحقيق، بالوثائق والإثباتات، كيف أن جهاز المخابرات الإسرائيلي قام بزرع سلسلة من القصص الإعلامية منذ عام 2012 حتى عام 2019، والتي تزعم أن “حزب الله سعى للحصول على نيترات الأمونيوم كمتفجر مفضّل للعمليات الإرهابية”.
ووفقاً للرواية التي تمّ تسويقها إعلامياً، عبر المواقع الإعلامية والصحف الصديقة للموساد، فإن “حزب الله خطَّط، على ما يبدو، لتخزين المادة المتفجرة سرّاً في مواقع، من جنوبي شرقي آسيا، إلى أوروبا والولايات المتحدة، ليتم إحباطها بصورة متكررة من جانب الموساد!”. ويشير التحقيق الاستقصائي إلى أن الوقائع الحقيقية، والتحقيقات التي أقامتها الدول المعنية، وفي كل واحدة من هذه الحالات، أكّدت كذب الروايات الإعلامية تلك.
3- الغش والخداع الإعلاميّ
في تقرير نشرته “نيويورك تايمز”، في 14 أيار/مايو 2021، تتحدث الصحيفة عما سَمّته “الخداع والتضليل الإسرائيليين في الحرب الدائرة في فلسطين”، بحيث أعلن “جيش” الاحتلال الإسرائيلي (في تويتر وفي رسائل نصية للصحافيين) أن قواته البرية بدأت “بمهاجمة قطاع غزة”، تلتها تأكيدات رسمية من جانب متحدث رسمي باسم “الجيش الإسرائيلي”.
في غضون ساعات، تم تصحيح الخبر، وألقى مسؤولون إسرائيليون اللوم على “الترجمة وضباب الحرب”. ويتحدث تقرير الصحيفة الأميركية عن أن التضليل والخداع كانا مقصودَين، لإيهام مقاتلي “حماس” بأن الغزو بدأ ليختبئ عناصر “حماس” في الأنفاق فيتمّ قصفها وقتلهم.
وبغضّ النظر عن دقّة تقرير “نيويورك تايمز” المذكور، وعما إذا كان التضليل مقصوداً، أو أن التقرير المذكور نُشر لتبرير عدم التنسيق والإحراج الإسرائيليين الإعلاميين، إلاّ أن الخداع والتضليل الإعلاميين تمارسهما “إسرائيل” بصورة دائمة، ولطالما استخدمته في الحروب المتعددة، ويجب التشكيك دائماً في صحة ما يعلنه الإسرائيليون، وخصوصاً في تسويق أنفسهم ضَحيةً، وتصوير الفلسطييين كـ”إرهابيين”، أو “باعوا أرضهم”، أو غير ذلك.
4- حملات الترهيب الإعلامية
كما في الميدان، كذلك في الجامعات ووسائل الإعلام، تنتشر وحدات منظَّمة من الإسرائيليين والمتعاطفين مع “إسرائيل” ومن عملائها حول العالم، لمراقبة المحتوى الذي يتمّ تدريسه في الجامعات الأميركية والأوروبية، والذي يُنشَر أيضاً في وسائل الإعلام ووسائل التواصل.
في الجامعات، يتمّ ترهيب الأساتذة والطلاب الذين يتجرأون على انتقاد “إسرائيل” وسياساتها العنصرية، ويتمّ اتهامهم بمعاداة السامية، ويجري تحريض الطلاب على توزيع بيانات تطالب بمحاسبة من يتجرأ على “إسرائيل”، وتضغط على إدارات الجامعات. وتتم، عادة- بسبب الضغوط الشديدة- معاقبة هؤلاء وطردهم من الجامعة.
أمّا في الإعلام وفي وسائل التواصل، فيتمّ الترهيب وإطلاق مئات الحسابات الوهمية لشتم كل من يتجرّأ على فضح الانتهاكات الإسرائيلية وإهانته، ثم التبليغ عنه في حملات منظَّمة لإقفال الحساب. وعادة، تكون منصّات “فيسبوك” و”إنستغرام”، وما يماثلها، مستعدةً للقيام بما يجب لقمع كل صوت مؤيّد لفلسطين، أو للأقصى، حتى مع تبليغات تدعو إلى الإقفال، أو من دونها.
وفي هذا الإطار، كشف تحقيق استقصائي أميركي، في موقع theintercept، أن “فيسبوك” والمنصات المملوكة منها، أدرجت منذ عام 2019 (بصورة سرّية) كلمة “صهيوني” في قائمة كلمات “خطاب الكراهية” المحظور في المنصة، واعتبرت أنها تعني “إهانة لليهودي”، وأنها “معاداة للسامية”. وخلص التحقيق إلى أن “فيسبوك” تمارس قمعاً لحرية التعبير، بحيث تمنع أيَّ ناشط في وسائل التواصل من انتقاد السياسات الإسرائيلية، تحت طائلة إقفال الحساب.
في الخلاصة، تكشف الدراسات العلمية، في ما يتعلق بالحروب النفسية وحروب التضليل الإعلامي، أن نجاحها مرتبط بالفرد وميله إلى التصديق، كما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرة “العميل” على تسويق نفسه واندماجه في الجماعة. فإذا كان مستوى الاندماج عالياً، كانت قدرته أكبر على بثّ الرعب والتضليل، وإثارة الفتن والقلاقل في مجتمع العدو.
وهكذا، قد لا يكون سهلاً كشفُ العميل والجاسوس الإسرائيليّ الميدانيّ، لكنّ المسؤولية والحسَّ النقدي للنشطاء في وسائل التواصل يجب أن يكونا عاليين، لتعطيل قدرة الإسرائيلي على النجاح في حرب المعلومات والتضليل التي يمارسها في حروبه ضد العرب، فيكون على النشطاء طرح أسئلة، مثل: مَن يطرح الموضوع؟ لماذا يطرحه؟ ما هي أهدافه؟ ما الذي يُفيد قضيتي إن تفاعلت سلباً أو إيجاباً؟