قرية يمنية يسكنها البشر خمسة أيام في السنة
حيروت – حضرموت
تقع قرية “هُود” إلى الشمال من مدينة سيئون في وادي حضرموت (جنوب شرقي الجمهورية اليمنية)، وتبعد عن المدينة قرابة 140 متراً.
سميت القرية نسبة لقبر النبي هود عليه السلام، الذي تفيد المصادر التاريخية والقرآن الكريم، بأنه دفن في تلك البقعة من الأرض، حيث سميت قديماً بأرض الأحقاف. وهي عبارة عن وادي تحيط به الجبال، ويوجد قبر النبي هود في سفح إحدى الهضاب المطلة على الوادي، وتغطيه قبة كبيرة مصبوغة بمادة “النورة البيضاء” (الجبس).
يوجد قرب المكان مغارة “بَرْهُوت” الشهيرة، الواقعة في الجزء الأسفل من الوادي، كما تشتهر المنطقة بالصخرة المنسوبة لنبي الله هود، والتي قيل بأنه صعد عليها ودعا الناس للصلاة، وأصبحت اليوم واقعة وسط المنطقة التي يزورها الناس.
اختلاف على موقع القبر
170 240 335
تختلف الروايات التاريخية بشأن المكان الذي دُفن فيه النبي هود، بين من يقول إنه دُفن في مسجد بمحافظة حضرموت، في قرية مهجورة، ومن يقول إنه دُفن بالقرب من بئر زمزم في مكة، وبين من يقول إن قبره في سوريا، وآخر يذهب إلى أنه في العراق وخامس يقول غنه في الأردن؛ غير أن الشواهد التاريخيّة، وكذلك النصوص الدينية، تتفق على أن النبي هود بُعث إلى قوم عاد الذين سكنوا “الأحقاف”، وهي منطقة كثيرة الرمال في جنوب شبه الجزيرة العربية، وتحديداً بين دولتي اليمن وعُمان، وهذا ما أكده المؤرخ عبد الرحمن السقاف في كتابه “إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت”.
وفي كتاب “التيجان في ملوك حمير”، بحسب “خيوط” هو خلاصة ما رواه أبو إدريس ابن سنان حفيد الإخباري وهب ابن منبّه (جده لأمه)، ونقلها عنه أسد ابن موسى لمؤلف الكتاب أبو محمد عبدالملك ابن هشام، يرد في القسم الخاص بأحاديث عبيد بن شرية الجرهمي، أن هوداً هو الجدّ الأول ليعرب بن قحطان، وأن اسمه كان بالسريانية “عابر” وبينه وبين النبي إبراهيم ثمان مئة سنة، وأن موطنه كان في “الأحقاف” على نهر اسمه الحفيف.
زيارة النبي هود
زيارة النبي هود هي واحدة من أكبر التجمعات الدينية التي تقام في الجمهورية اليمنية، حيث يحضرها الآلاف من بقاع مختلفة من العالم الإسلامي، ويسبق الزيارة تمهيد واسع لها من نهاية شهر رجب لما يقارب عشرة أيام، عبر المساجد التابعة للتيار “الصوفي”، مع ترديد ما يسمى بـ”التهاويد” بمكبرات الصوت: “هود يا نبي الله”، ثم تبدأ طقوس الزيارة في الثامن من شهر شعبان لمدة خمسة أيام.
من الطقوس التي تمارس في هذه الزيارة ما يسمى محلياً بـ”الدخلة”، بحيث يُحدد وقت معين لدخول أفواج الزوار من بيوت العلويين، يتقدمها كبارهم من علماء الدين والشخصيات الاعتبارية، رافعين شعار معين يشير إليهم، ثم تقام مجالس الدعاء والذِّكْر والمحاضرات الدينية.
ليس الدافع الديني والروحاني فقط، هو ما يجعل كل تلك الحشود تتوافد لزيارة قبر النبي هود، فأثناء الزيارة يكون قد تشكّل في المكان أحد أكبر الأسواق الموسمية، فيتواجد فيع بائعي الطيب و”دخون العود” (البخور) والعسل الحضرمي، والحناء، والحلويات بكافة أشكالها. كما يذهب الكثيرون للاستجمام خلال تلك الأيام الثلاثة مع أصدقائهم، بعيدًا عن ضجيج المدن وزحمة الأشغال.
فعاليات مرافقة
وترافق الزيارة عدد من الفعاليات والتقاليد الأخرى، منها أن يتم قبل أيام قليلة من الزيارة، تزيين الجِمال بالحناء الحضرمي، حيث تتجمع الجمال في ساحة عامة في مدينة تريم (حوالي 30 كم من موقع القبر)، وتقصدها حشود من المواطنين الذين يصطحبون معهم اطفالهم، ويقوم الشباب المتمرّس برسم نقوش وزخارف على ظهور الجمال وأرجلها وأعناقها، وكتابة بعض العبارات الخاصة بمناسبة الزيارة. كما يكسو المواطنون جمالهم بأقمشة فاخرة وتُحف تاريخية، وتكون المباخر حاضرة في الفعالية بروائح (العلك واللبان البدوي، ودخون العود).
تتوجه بعد ذلك وفود رمزية على ظهور الجمال في رحلة تستمر لمدة ثلاثة أيام من مدينة تريم إلى “وادي هود”، وذلك تذكيرًا بمشقة السفر التي كان أجدادهم يعانوها من أجل الوصول إلى تلك البقعة البعيدة.
سباق الهجن
سباق الهجن هو عادة سنوية مرافقة للزيارة، وتتم في ختامها، وهو تقليد لا يزال مستمراً منذ مئات السنين حين كان الناس يذهبون على ظهور الجمال، ويتم استقبالهم عند العودة على أطراف وضواحي مدينة تريم لمعرفة الوفد الواصل أولاً.
كما ترافق رحلة العودة ما تسمى بـ”الشعبانية”، وهي الاحتفالية التي توافق الـ13 من شهر شعبان من كل سنة هجرية، وفيها يقوم أهالي المدينة والوفود القادمة من خارجها، بزيارة القبور والدعاء لأصحابها. وخلال احتفالية “الشعبانية”، يقوم المحتفلون بأداء بعض الرقصات الشعبية، منها ما تُسمى “رَزيح البقّارة”، ويتم فيها ترديد بعض الأهازيج الشعبية ويتقدم الناس بعض الراقصين المتمكّنين، وهم يرتدون شعر مستعار على رؤوسهم.
ويعتبر أهالي مدينة تريم “الشعبانية” بمثابة عيد، فيلبسون الجديد من الثياب، ويذهبون للتسوق في ساحات عامة، كـ”الجبّانة” ووسط المدينة، حيث تمتلئ تلك الساحات بالأسواق الشعبية ولُعب الأطفال.