العالم المزيَّف..! بقلم/ ليسا جاردنر
بقلم/ ليسا جاردنر
تبني الجزيرة العربية المدن البائسة للعيش فيها، فمنّا من يعاني من تقلبات ما بعد الحداثة فتجده ينغمس فيما يُسمّى Hayperreality” “أي الواقعية المفرطة، التي تؤدي في الأخير إلى عدم القدرة على معرفة الواقع على حقيقته ولا حتى إدراك محاكاة يوميات الحقيقية للإنسان.
ولا يخفى على أحد أن العرب و نخُصّ بالذكر الفئة التي تعيش في الدول المتقدمة تكنولوجيا واقتصاديا قد تعاني هي أيضا من هذه الواقعية المفرطة المضيفة للعالم الخيالي وهميّة الواقع .
واتذ كر حين زرت دبي الدولة ألعربية كما تزعم ما أصابني من انبهار بهذا الواقع المزيّف، لقد عشت وقتها كأنني الأميرة الرّوسية الضائعة “أسنستازيا”، مندهشة جدا بهذه المدن المائية، و الابراج الضخمة، وتلك النافورة الراقصة على صوت عبد الحليم حافظ. ,أذكر أني لمحت من بعيد رجلا يتقدّم بخطوات ثابتة بادية عليه ملامح الثرى ويجسد في خطواته شخصية ذات شأن… وكان ينظر إلي و يقترب مني بكل ثبات، فبدا لي أنه و هو أيضا كان صريع الواقع المفرط،في بذخه وزيفه..!
فقد كان يرتدي ثوبا أبيضا كبياض الثلج، وحين ابتسم لي أظهرت “أسنانه البيضاء بسمة هوليودية” وقد أخفت “إبر البوتوكس” تعابير وجهه الحقيقية ليظهر مزيف
من إبر البوتكس مثل تعابير بلدة التي أختفت من ” الواقعية المفرطة”!
أعتقدت بأن الرجل سيذهب ليلتقط صوره النافورة الراقصة و اذا بة يقترب أمامي بعاصفة من روائح العود الفاخر و يقول لي كأني اعرفك هل انتي ملاك ضل سبيل بين الجمع ؟ إلتفت إلية بملامحي البسيطة و ملابسي العادية.. و بينما انا اثبت نضارتي، و دققت في ملامحة الكاذبة و قلت لة لست ملاك إنما عالمة إجتماع و لم اضل الطريق انا في بحث علمي و لا أريد الازعاج، انزعج الأخير و رجع إلى طبيعتة البدوية بسرعة تفوق سرعة الصوت و ما فهمت غير من تضني نفسك، انت.ِ اجيبك من شعرك تحت رجلي، قلت لة انا مواطنة بريطانية و يمنية الأصل بمعنى انا تحت حماية عرش مأرب و المملكة المتحدة، أترك يدي و ابتعد بأدب قبل أن يذوب بوتكس وجهك..
ابتعدت منزعجة افكر أين ارضنا، أين عروبتنا، أين عاداتنا و تقليدنا كلها أصبحت واقع مفرط و مزيف ، إنما في اليمن تنبت الحياة بصراخ الاطفال، و “مجابره” حديث النساء الممتع عن الزمن الجميل، و خبز اليوم و “مقالعة”، سوء فهم و اختلاف الآخر بما هو مُعتاد علية الإنسان من مصداقية و معايشة الواقع من السعي الدئوب في الشّوارع والحارات وراء لقمة العيش، و فرص للعمل.
هناك من يقف في طوابير انبوبة الغاز، و الماء، و هناك من يعامل ايام او اسابيع في المصالح الحكوميّة لانهاء أمر ما، أو القيام بمعاملة ما، و الاغلبية من عامة الناس وبما نملك من قطع نقدية رخيصة، أو بطاقة عائلية .. هناك منا من يسعى للمعالجة من مرض ما ، و لا يخفى عليكم ما يتعرض له هؤلاء المحتاجين من عراقيل المعاملة والاضطرار إلى أن يتم رشوة فلان و علان.. و قد تلفّ ساعات وساعات من قسم إلى قسم آخر طلبا للعلاج في المستشفيات العموميّة حتى نكره أنفسنا و اليوم الذي ولدنا فيه..!.
أما البحث عن بيت للإيجار للعيش فيه تحت سقفه مع عروس الاحلام، فقد أصبح أمرا مستحيلا …!
فشتان بين واقعنا وواقع العالم العجيب الغريب…! فقد أصبحنا “كليسا في بلاد العجائب ” أضحكني هذا المشهد قليلا وقلت في نفسي انا اذا “ليسا” في بلاد العجائب الزائف…!
دخلت مقهى قريب من” دبي مول”
وطلبت باللغة الانجليزية شراب عصير التفاح البارد وألقيت نظرة على الجالسين فوجدتهم جميعهم متشابهين وانزعجت من “رائحة العود”، وكانت الفتيات اللاتي في مثل سنّي يتلحّفن السواد البراق للعباءات المطرزة بالحجارة الكريمة وفي معصمهن تبرق الساعات الفاخرة والأظافر البلاستيكية، في حين أني كنت ارتدي “تيشورت” أزرق عليه “لوجو ستار ورز ” وبنطلون جينز ممزق وأحمل شنطة ظهر فيها لاب توب، وأوراق ،وأقلام و طبعا الهاتف المحمول.
أخرجت الفتاة المجاورة لي من حقيبتها الفاخره مرآة ذهبية و رشت عطر العود على نفسها و رطبت شفتيها بالأحمر،
ودخل رجل إلى المقهى ما إن رآها حتى جلس بجانبها.
وبينما كنت منغمسة في الكتابة عن عالمهم المزيف، سمعت الفتاة و هي تقول “أمك هي المشكلة انا ما أبيها عندنا في البيت شوف لك صرفة…!” وقال لها الرجل وهو يسترضيها ابشري”
يا إلهي لماذا لا يحاول هذا الاخير حل الخلاف و التوفيق بين زوجته و أمه؟ و تذكرت بن جيراننا طه الذي تزوج قبل سنة و هو وحيد أمه, وكانت أمه تغار من زوجته الجميلة وكانت تتهمها بسرقة ابنها منها…لكن الزوجة كانت بذكاء تحاول إرضاء الأم واكتسابها حتى لا تخسر زوجها فسعت إلى تلبية طلباتها، وتدللها حينا وتطريها بالكلام حينا آخر، وكانت تقوم بخدمتها، و تصنع لها أجمل و ألذ الاطباق فتمكنت بذكاء من أن تستميل قلب أم طه فأصبحت الخالة فوزية لا تمل من الحديث عن زوجة ابنها وكانت تفتخر بها وتقول للقاصي والداني أن الله قد عوضها ببنت حَلمَت بها العمر كله”….
يبدو لي ، في هذه المدينة المزيفة الزائفة ، أن الناس لا تعمل ولا تُنتج إنهم يأكلون إلى حدّ التخمة ويتسوقون إلى حدّ الاسراف الجنوني … ويتغازلون بالنساء بشكل مرضي وأحادي الجانب… تلك هي صنيعتهم… إحدى النساء سألتني “من وين خدتي العدسات آبي مثلها.””! لكني لم أهتم ! فهم يعتقدون أني مزيفة مثلهم، لم يكن لهم ولهنّ علما بأن عيني اقتبست لونها من أرض الجنتين!! استغربت منهم كثيرا وبشكل حياتهم فنحن في عالمنا نحلم بأجازه نهاية الاسبوع لنتغدى يوم الجمعة في بيت العائلة حيث يجتمع كل أفرد الأهل على نفس السفره ويكون الجو صاخب فنسمع بكاء الصغار ، ونهتم بشكاوي الكبار وناكل “الشفوت و بنت الصحن ونشرب قهوة القشر ” ونتوق إلى اجازة نسرقها بين هذه الفوضى المحيطة بنا من وجع العمل و انهيار الاقتصاد و الحصار نبحث عن شيء به نريح أنفسنا من الركض وراء شقاء حياتنا الواقعية فنحاول العيش و محاكاة الواقع و تقبله كما هو بنقائه وغموضه…!
بينما في مدن الحرب هناك… في عالم الصراخ والدمار، الحياة مختلفة تماما عنكم، ففي اليمن الأفكار والمشاعر و نمط العيش مختلف، نحن نبحث عن وطن نسكن إليه ولا نبحث عن العود الفاخر، نبحث عن أحلامنا المحطّمة مثل بيوتنا المدمَّرة بضربات صواريخكم، نبحث عن بسمة سرقت منا ولم نجدها على شفاهكم من كثره البوتكس الزائف !!
فكلّ شيء فينا مختلف عمّا تعيشونه في تلك المُدن ألزائفة و البائسة التّي تسكُنوها ولا تسكن أوجاعكم.
تركت الحرب في اليمن شرخا في قلوبنا وجروحا عميقة في كل بيت وفي كل حجر، مدينة تريم المنكوبة بسبب السيول والاقتصاد الذي انهار بسبب الحصار المُمنهج الذي جوع بلدي وفقّر أهله ليجوع ، قد هدّم الحصار بوحشية حقنا في العيش…! لا.. لا.. لسنا مثلكم!!
نحن أشلاء وبقايا الحروب التي سلبت حقنا في العيش ألكريم، إننا نسكن تحت وابل الحروب والنّزاعات، ننام و نستيقظ على أصوات القذائف والطّائرات التّي تُهَتِّك حرمتنا و تتلذذ بقتلنا، هناك في اليمن قِصَصٌ واقعية عن أطفال في باص المدرسة قذفت بصاروخكم و أحرقت أطفال المدارس أمام أعين العالم، و لن تسمعوا صراخ أهلي و وطني لان حفلات “جي زي”، الصاخبة طغت على أصوات نحبنا…! إني عن اليمن أكتب…!
لكن لم أنس أيضا أن في جزيرة العجائب في العالم العربي…هناك مدينة غزة و القدس يموت فيها الشهداء بلا ذنب!!
ذنبهم الأوحد أنهم فلسطينيون .. و هناك أيضا العراق و سوريا و ليبيا مدن مكلومة ومنكوبة جراء الاستعمار بكل أشكاله وألوانه، إن غزّة تحتضر والقدس تبكي ، و بغداد تئنّ وتتألّم ،و اليمن يُحاصر و يقصف و يتجوع ،والقائمة تطول حدث و لا حرج!
إن المعادلة الصعبة في هذا الطرح تظهر بوضوح في هذا السؤال: أيهما أرض الواقع وأرض الزيف..!؟
هناك مدنٍ أصبحت الحرب فيها جزء لا يتجزأ من نشاطها اليوميًّ وواقعا أصبحنا نتأقلم معه ويقبلنا ونقبله،
فلينقلب همّ الحياة وبؤسها في وطني إلى غايات و متطلبات أسمى وأرقى من البوتكس والعود ألفاخر والسباحة في المدن المائية..!
نحن اليمنيون نسعى الى عالم حقيقي و وطن حر ذو سيادة كاملة، نسعى لنعيش حياة كريمة، شريفة، نريد بلد حر و سنضحي في سبيلها الولد، والنفس، والأموال في سبيل ألحرية.
في مديتنا كل ذكرياتنا و سيرجع الطير المهاجر الى عشة، و سنتذكر و نحي ذكرى الشهداء والأحبّة الذّين أصبحوا أشلاءً، و دفنوا في تراب دافعوا يوما عنه، نحن نبحث عن برج نختبئ فيه من قذائفكم التي لا تفرق بين كهل و طفل، لا تفرق بين أعزل و أحصنة، لقد احرقتم بها الأخضر واليابس، نحن نسعى الى أن نعيش في مدينة يلعب الاطفال في ساحاتها وحدائقها بلا خوف من عدوانكم.
لا نريد مدينة ملاهي أو مدينة سيارات فراري فاخره..! نريد ان تتركونا و شأننا لنعيش حياتنا بعيدة عن أيدولوجيتكم الراس مالية البشعة!
وأنا أكتب هذه الجملة الأخيرة اتاني النادل و قال لي آنستي سنغلق المقهى!
ألتفت الى الساعة… إنها الواحدة بعد منتصف الليل…! جمعت اشيائي وتذكرت حينها أشلاء الموتى في جزيرة العرب و مدنها الباكية، تذكرت كيف يلملم ألفلسطيني أشيائه قبل أن يدمر المحتل بيته و حارته المتطبع معكم ..! نهضت من مقعدي و كأنني نهضت من أنقاض المنازل المطحونة ممزوجة بتراب و دماء إزاء قصف طائراتكم ،حملت أغراضي و تعجبت من عالمهم المزيف و عالمي الجائع.