الوحدة الحلم.. الكابوس! (2-2) بقلم/ علوي شملان
بقلم/ علوي شملان
في ظهيرة يوم 22 مايو 1990، غاب عمر الجاوي عن حضور احتفال رُفع فيه علم دولة الوحدة، اتضح في ما بعد أنه فضّل الجلوس مع صديق له في غرفه بسيطة في كريتر لمشاهدة التلفزيون كتعبير على رفضه للطريقة التي تم بها سلق إتفاقية الوحدة. بالنسبة لي ولمن يعرف من هو الجاوي، يومها كان هذا الموقف من الرجل مؤشر مقلق وغير سار منذ الدقيقة الأولى، فعلاقة الجاوي بموضوع قيام الوحدة تحتاج مجلدات.
في الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى في الجنوب والشمال اختير أكبر الأعضاء في السن سنان أبو لحوم لافتتاح الجلسة في اختصرها بقوله: صوتوا لاختيار علي عبدالله رئيس، مامعكم الا علي وما قال علي كلام خطير؛ إنما حصل.
في نفس اليوم نشرت صحيفة صوت العمال تغطية واسعة ومقابلات مع كثيرين، وقال محمد سعيد عبدالله محسن الشرجبي يومها للصحيفة: من السهل ازالة البراميل من الحدود ومن الصعب إزالتها من العقول؛ كلام مثير.
وصل ركب القيادات الجنوبية إلى صنعاء يتواصل الاحتفال وفي خطابه الاول في صنعاء قال الحالم الكبير البيض: “إذا اقتتلت يوما وسالت دمائها … تذكرت القربى فسالت دموعها”، ولم يدر بخلده أن القبر قد تم حفره وان علي عبداله صالح قد اتفق مع ابن الأحمر على احتواء القادمين من عدن ومحاصرتهم من خلال إعلان وجود تنظيم ديني “التجمع اليمني الاصلاح” كوجه آخر للمؤتمر الشعبي العام.
هـذه وغيرها من الإشارات المبكرة كانت كافية للمتابع المهتم ليتوجس من القادم. وفي أكتوبر 1991 قال نائب الرئيس علي البيض اننا في صنعاء محاصرين ولم نمارس أي دور في القرار، جاء ذلك بعد أن أدرك الخديعة، وبعدها بدأت موجة ممنهجة شهيرة من الاغتيالات للكوادر والقيادات الجنوبية، ثم تصاعدت وتسارعت خطوات الضم والالحاق وبلغت الذروة في اجتياح الجنوب عسكريا في صيف 1994 لتكتمل اخطر واقذر عملية خديعة في التاريخ اليمني المعاصر للقضاء على جمهورية اليمن الديمقراطيه الشعبيه كدولة.
بعد حرب الاجتياح انتهت هيبة الدولة التي تعود عليها الناس في الجنوب، وتوقف العمل بالقوانين والانظمه الامنيه والقضائيه والادارية، وحلت محلها الاعراف القبليه المتبعة في الشمال، كما تخلت المؤسسات الأمنية عن دورها، فانتشر الفساد وعاد الثأر القبلي بقوة الى الجنوب، وضاعت حقوق الشرائح الاجتماعية والأفراد الذين لا ينتمون لمسميات قبليه معروفة، ثم تم تسريح أكثر من ربع مليون عسكري وموظف جنوبي، ونهب وتدمير عشرات المصانع في الجنوب، حتى أنه أصبح الانتماء القبلي معيار لشغل الوظيفة والمنصب.
ارتفعت الأسعار، انتشرت البطالة، ضاع الأمن في نفوس وعيون البسطاء، انتشر الفساد ووضع الجنوب باكمله في مهب النهب والفساد، هذا الكابوس عينه جثم على الجنوبيين قادةً وشعباً.
كان الخوف من تكرار ما حصل لسكان اليمن الأسفل وتهامه والبيضاء من تهميش وما خضعوا له من هيمنة جهوية وحرمان من المشاركة في صنع القرار في الشمال لعشرات العقود من السنوات، مسيطر على مشاعر واذهان الكثيرين من المطلعين على التاريخ والتجربة ماثلة أمام أعينهم، وكان الاعتقاد عند الكثير من مثقفي الجنوب هو اننا في الجنوب سنصبح نسخه اخرى من تهامه أو اليمن الأسفل من ناحية الحرمان من المشاركة في السلطة والمنافع، لكن التاريخ له إملاءاته ومفاجآته فكان لابد من الرفض ولو بعد حين، وقد حدث هذا بالفعل، وربما يكون للرفض الجنوبي بداياته وتواصله ومحطاته، حديث سطور قادمة كتكمله للموضوع.