الوحدة الحلم.. الكابوس! (1 -2) بقلم/ علوي شملان
بقلم/ علوي شملان
فكرة الوحدة اليمنية ظهرت أوائل الستينات في مرحلة توهج الفكر اليساري والقومي والأممي، وكان المد القومي وشعارات الوحدة العربية من مكونات هذا الفكر في البلاد العربية، وفي سياق تلك المرحلة وأجواء ثقافتها قدحت الفكرة في رؤوس مثقفين وساسة من شمال اليمن وجنوبه من جيل الخمسينات والستينات ينتمون الى ثقافة اليسار العربي والأممي متأثرين بالمد القومي العربي في أوج قوته.
أثناء وبعـد حرب سبتمبر 1972 بين شمال اليمن وجنوبه صعدت القوى الوطنية وتيارات الحداثة والمدنية بدعم من النظام الوطني التحرري في الجنوب من المطالبة بقيام دولة يمنية واحدة في شمال اليمن وجنوبه، بعد اتفاقية القاهرة أواخر أكتوبر 1972 بين وفدي شطري اليمن على قيام دولة يمنية واحدة لقاء القمة بين رئيسي الدولتين في الشمال والجنوب في العاصمة الليبية طرابلس أواخر نوفمبر 1972 تشكلت لجان الوحدة منها اللجنة الدستورية ولجنة التربية والتعليم وغيرها من اللجان التي تعثرت أعمال بعضها بسبب وقوف القوى التقليدية ضد فكرة الوحدة من الأساس وصنع عراقيل وعثرات أمام أعمالها.
كمفكر سياسي وأمين عام للتنظيم السياسي للجبهة القومية الحاكمة في الجنوب يومها صاغ عبدالفتاح اسماعيل برنامج:(استكمال مرحلة الثورة الوطنية في كتاب نشر بهذا الاسم وضمنه أيضا رؤيته ورؤية القوى الوطنية لقيام دولة يمنية موحدة واهم ما في هذه الرؤية يتلخص في أنه قبل قيام دولة الوحدة يجب السعي والعمل على محو الثقافة القبلية المتخلفة في الشمال بكل عناوينها وتفاصيلها وتحويل المجتمع الى مجتمع مدني انتاجي ومن ثم إيجاد نظام وطني تقدمي في الشمال مثلما هو في الجنوب حتى لا تواجه الوحدة انتكاسة.
لكن بعض الساسة و القادة في الجنوب أمثال الرئيس سالم ربيع علي وعضو المكتب السياسي يومها علي سالم البيض واخرين وهم نتاج مراحل النضال القومي في الستينات كانوا متحمسين مندفعين ومصرين على قيام الدولة اليمنية الوحدة دون استكمال الشروط التي تضمنتها رؤية عبدالفتاح إسماعيل معتمدين في موقفهم المتشدد لناحية التعجيل بالوحدة على زخم وحماس شعبي جماهيري منقطع النظير في الجنوب.
كان المتوقع أن تعلن وتطبق خطوات كبيرة عملية على طريق الوحدة أثناء زيارة الرئيس ابراهيم الحمدي العاصمة الجنوبية عدن في 13 أكتوبر 1977 لكن القوى التقليدية واياديها القذرة اغتالت الحمدي قبل الزيارة بيوم واحد لعرقلة خطوات الوحدة.
بـعـد اغتيال الحمدي توترت علاقات دولتي اليمن وبعد حرب 1979 وقمة مارس في الكويت بين رئيسي الشطرين أعيدت الحياة إلى لجان الوحدة وأكملت اللجنة الدستورية اعمالها في وقت تزامن مع اشتداد هجـوم الخطاب التعبوي الديني والقبلي في الشمال ضد قيام الوحدة وقاد هذا الهجوم عبدالمجيد الزنداني في جانبه التعبوي الديني وعبدالله حسين الأحمر ورموز المؤسسة القبلية في جانبه القبلي والمجتمعي.
بـعـد أحداث 1986 في عدن تولى الحالم القومي الكبير علي سالم البيض دفة السلطة في الجنوب .. وحسب إفادات بعض المثقفين السياسيين ومنهم الأستاذ عبد الباري طاهر فإن علي سالم البيض في احد الاجتماعات سنة 1982 بلغ به الحماس والتشدد لناحية قيام الوحدة إلى التهديد بترك عدن والذهاب الى المناطق الوسطى والانخراط في صفوف مقاتلي الجبهة الوطنية يومها لولا تدخل الدكتور محمد قاسم الثور وآخرين لتهدئته.
في صيف 1988 حصل توتر عسكري مفاجئ على خطوط التماس بين شبوة ومارب ..نجحت لجنة عسكرية في التهدئة ووجدها علي سالم البيض فرصة سانحة لحل بالتعجيل والجدية في قيام دولة الوحدة بينما اقترح علي صالح إنشاء هيئة مشتركة بالتقاسم بين الشمال والجنوب لاستثمار المنطقة نفطيا.
بعد هذه الحادثة جرت مياه وجفت مياه أخـرى وبعدها بعام واحد في نوفمبر 1989 كان علي عبدالله صالح في يوقع اتفاق الوحدة مع علي سالم على أن يتم التطبيق بعد عام.
انطلق علي سالم البيض من حماسه الدائم للوحدة بحكم تكوينه النضالي القومي من مطلع شبابه لكنه كان حالم أكثر من سياسي وقيل انه هـدد الشهيد جار الله عمر باصدار بيان يتهمه فيه بالخيانة حين حاول أبو قيس ثنيه عن الاندفاع الى اتفاق ناقص ووضعه في الصورة عن عمق هيمنة مراكز القوى التقليدية على الشمال وأنصحه بالتروي. الشهيد أبو قيس دفع الثمن حياته فيما بعد، وانطلق علي عبدالله صالح من حسابات ماكرة و مدروسة بعنايه أهمها انشقاق الصف السياسي التقدمي في الجنوب وحدوث متغيرات في النظام العالمي والمنظومة الاشتراكية التي ظل الجنوب مرتبط بها لسنوات ووفق هذه الحسابات تأكد له انه سيسهل ابتلاع الجنوب ولن تشكل الوحدة أي خطر على مصالح القوى التقليدية الحاكمة المهيمنة في الشمال بعد ان يتم استدراج قيادة الدولة الجنوبي’ الى صنعاء وفق الاتفاقية التي كتبت على عجل.
في 22 مايو أعلنت الوحدة من عدن، لكن الحلم تحول إلى كابوس بالنسبة للجنوبيين شعباً وقيادهً.. كيف ولماذا هذا سيكون موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.