“حاميها حراميها”.. قوات هادي تنهب أكثر من 200 منزل في تعز
حيروت
استغلّ عسكريون منتسبون لألوية حكومة هادي، نزوح أهالي مدينة تعز عقب اشتداد المعارك في عام 2015، للاستيلاء على ممتلكاتهم وإسكان أسرهم فيها، وابتزازهم لمنعهم من استعادتها، ويصل الأمر إلى حد القتل من دون رادع.
يرفض عسكريون منتسبون إلى قوات محور تعز العسكري التابع لحكومة هادي، تسليم عمارة القاضي عبد الكريم محبوب، عضو نيابة النقض والإقرار بالمحكمة العليا في مدينة عدن، بعدما استولوا عليها في فبراير 2018، وجلبوا عوائلهم للسكن فيها.
ويتذرع هؤلاء بأن منطقة العرضي شرق مدينة تعز حيث تقع العمارة تصنف باعتبارها “موقعاً عسكرياً”، لكن المواقع العسكرية يفترض أن يتم إخلاؤها من المدنيين، ولا يسكنها الأطفال والنساء، بحسب الشكوى التي قدمها القاضي محبوب إلى محافظ تعز، نبيل شمسان، في 23 مارس 2020، مطالباً بتسليم منزله ودفع إيجار عن مدة الاستيلاء بواقع 150 ألف ريال يمني شهرياً.
وحتى اليوم، يقول محبوب إن المسلحين يرفضون تسليم منزله المكون من ثلاثة طوابق، رغم توجيه المحافظ بإخلائه، مؤكداً أنه سعى إلى وساطة مع العسكريين عبر حمزة الشدادي قائد كتيبة في محور تعز ثم قائد المحور اللواء خالد فاضل وطلب تسليم منزله، لكنهم مصرّون على البقاء بالقوة، بحسب العربي.
ويعد بيت القاضي محبوب واحداً من بين 200 منزل تم الاستيلاء عليها في مدينة تعز، بحسب توثيق المحامي ياسر المليكي، والذي يعمل في الرصد الميداني بالتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد)، مؤكدا أن مسلحين يتبعون ألوية تخضع لسيطرة حكومة هادي، ومنها اللواء 22 ميكا واللواء 17 واللواء 170 دفاع جوي، ضالعون في قضايا الاستيلاء على ممتلكات المواطنين.
واستغل المسلحون مغادرة السكان مدينة تعز مع اشتداد المعارك بين قوات الحوثي وقوات صالح من جهة، وقوات هادي من جهة أخرى في مارس 2015، لينهبوا تلك المواقع، بحسب إفادة المليكي.
نهب ممتلكات العسكريين والمدنيين
بدأت ظاهرة المنازل المنهوبة بالتكشف بالتوازي مع سيطرة قوات هادي على مناطق شرق مدينة تعز من قبضة جماعة الحوثي في عام 2016، وفق إفادة المحامي توفيق الحميدي، مدير منظمة سام للحقوق والحريات، والذي أكد رصد 30 منزلاً منهوباً تعود ملكية بعضها إلى عسكريين سابقين انضموا إلى قوات الحوثي، وأخرى لتجار تركوا منازلهم بداية الحرب في مطلع عام 2015، وخاصة تلك الواقعة ضمن مناطق التماس شرق وغرب المدينة أو قرب مناطق مهمة من الناحية العسكرية، لكن الحميدي يتوقع أن العدد الحقيقي للمنازل المنهوبة أكثر من ذلك، خاصة وأن بعض الضحايا يخشون من الحديث إلى المنظمات الحقوقية أو حتى الإبلاغ بعد ابتزاز وقتل بعضهم.
وتتوزع خريطة المنازل المنهوبة على أحياء “الجحملية، النقطة الرابعة، الجمهوري، صالة والمجلية” شرق مدينة تعز، وأحياء “المطار القديم، بئر باشا، الحصب، عمد والدحي” في المنطقة الغربية ومناطق في وسط وشمال المدينة تضم أحياء “التحرير الأسفل، وتبة الأخوة، والضبوعة، وعصيفرة، وجبل جرة، وجبل الزنوج، وكلابة والموشكي”، وفق مصادر التحقيق ومنهم المحامي الحميدي، والذي قال إن معظم من استولوا على منازل المواطنين في تعز محسوبون على المقاومة التي اندمج بعض أفرادها في وحدات قوات هادي نهاية عام 2015.
ورصد معدّ التحقيق استيلاء مسلحين ينتمون لألوية عسكرية تابعة لحكومة هادي على ثلاثة منازل تقع في أحياء آمنة لم تصل إليها الحرب شمال ووسط مدينة تعز، ويرفضون تسليمها إلى أصحابها، رغم مطالباتهم المتكررة بذلك، ومنهم المواطن عز الدين الصغير، الذي تم الاستيلاء على شقته السكنية في شارع العواضي وسط تعز من قبل سبعة مسلحين كما يقول، مؤكداً أنهم استغلوا سفره مع أسرته إلى قريته الواقعة بريف تعز الجنوبي في سبتمبر 2020، وكسروا قفل المنزل واستولوا عليه.
ورغم تقدم الصغير ببلاغ إلى الجهات الأمنية في مدينة تعز، والتي أحالت قضيته إلى النيابة العامة التي أصدرت بدورها أمر قبض قهري في القضية رقم 266 لعام 2020 ضد المتهمين بنهب منزله، وإحضارهم لسماع أقوالهم في التهم الموجهة إليهم، لكن حتى الآن لم يتم توقيفهم.
وتكررت حوادث الاستيلاء على ممتلكات المواطنين، لكن حالة محمد مهدي قشعة تكشف عن مدى خطورة الأمر، إذ ظل على مدار خمس سنوات يطلب ممن استولوا في عام 2015 على منزله الواقع غرب مدينة تعز الرحيل عنه دون فائدة، كما يفيد قريبه منير الشعري، مضيفاً أن قشعة قتل في سبتمبر عام 2020 على خلفية مطالبته باستعادة المنزل، دون أن يتم القبض على الجناة، رغم صدور توجيهات عسكرية وقضائية بتسليم المتورطين في قتله.
اعتراف رسمي بالنهب
يقرّ العقيد عبد الباسط البحر، نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز العسكري التابع لحكومة هادي، بوجود منازل مواطنين تحت سيطرة عسكريين، مؤكداً أن بعض المنازل والمنشآت التي دخلها أفراد من قوات هادي خلال فترة الحرب تقع في خطوط التماس مع قوات الحوثي، واضطر أفراد هادي إلى الوجود فيها مع المحافظة عليها على أن يتم إخلاؤها حال عودة أصحابها، مشيراً إلى وجود تحرك جاد في هذا الملف من قبل السلطة المحلية بمحافظة تعز وتعاون من قبل قيادة الجيش والألوية العسكرية مع السلطة المحلية لإعادة أملاك المواطنين ووقف أي تصرف شاذ أو فردي هنا أو هناك.
وفي الواحد والعشرين من يناير 2020 اعترفت السلطة المحلية في محافظة تعز بالاستيلاء على منازل مواطنين، إذ أصدر محافظ تعز نبيل شمسان القرار رقم 14 لسنة 2020 بتشكيل لجنة برئاسة عارف جامل وكيل محافظة تعز وعضوية العميد منصور الأكحلي، مدير شرطة تعز، والعميد عبد العزيز المجيدي، أركان حرب المحور وقائد اللواء 170 دفاع جوي، وأنور سعيد قاسم القاضي ممثل عن الأحزاب السياسية، لحصر وتسليم الممتلكات العامة والخاصة وإخلائها، حسب قاسم إبراهيم البحيري، المدير العام للعلاقات العامة بديوان محافظة تعز، الذي أكّد أن اللجنة تلقت 40 بلاغاً من مواطنين عن نهب منازلهم. غير أن اللجنة لم تتمكن إلا من تسليم 7 منازل فقط لأصحابها حتى أكتوبر 2020.
وهو ما تؤكده واقعة رفض مسلحين إعادة عقار مكون من 5 شقق إلى ورثة المتوفي شمسان سعيد حسن والذي يقع بجوار محور تعز العسكري وسط المدينة، رغم تسليمهم إشعاراً من لجنة الحصر في 21 من سبتمبر 2020، بضرورة إخلاء المنزل وتسليمه إلى الورثة، وفق تأكيد أحدهم والذي يخشى الكشف عن هويته حتى لا يتم استهدافه، مشيراً إلى أنهم سبق أن تقدموا بشكوى إلى وكيل محافظة تعز، عبد القوي المخلافي، في السادس عشر من سبتمبر، وحددوا فيها المسلحين المنتمين إلى اللواء 170 دفاع جوي والذين استولوا على منزلهم في عام 2016، رغم بعده عن جبهات القتال، لكن الأمر لم يسفر عن شيء، بحسب الشكوى.
وترتبط بعملية الاستيلاء على المنازل ظاهرة ابتزاز الملاك من قبل المسلحين الذين يطلبون مبالغ مالية كبيرة في مقابل الخروج من المنازل، حسب المحامي الحميدي. وهو ما حدث مع مالك أحد المنازل المنهوبة بمدينة تعز (رفض الكشف عن هويته خوفاً من المسلحين)، إذ يقول إنه دفع مليوني ريال (2350 دولاراً) ثمن استعادة منزله الواقع شرق مدينة تعز من قبضة المسلحين، وهو ما لا يتوفر لدى آخرين يشعرون بالخوف من ضياع منازلهم أو حياتهم على يد قوات هادي.